ليلى عماشا*

شيرين بو عاقلة، بالسترة الصحفية المحصّنة في أكذوبة المواثيق الدولية، تلقّت قدر الأرض المحتلة والتحقت بقوافل من استشهدوا على هذه الأرض. شيرين، التي حيّدتها فلسطينيتها عن ارتكابات الإعلام “المتأسرل”، والتي بلهجة بنت الأرض دخلت البيوت العربية صوتًا في العمق الفلسطيني، دخلت اليوم إلى البيوت شهيدة برصاص الاحتلال، ومن هذه البيوت ستُشيّع، مرفوعة على أكفّ من حفظوا الخبر الفلسطيني بتغطياتها التي اختتمت برصاصة.

شيرين أبو عاقلة، شهيدة فلسطينية، اغتيلت لأن الصهيوني واضح في عدائه. هو لا يفرّق بين كلّ حاملي هويّة الأرض. جميعهم أعداؤه، جميعهم بدون استثناء بكلّ المعايير. ولذلك، يصبح من السذاجة استنكار القتل بناء على المعايير الدولية التي تحرّم التعرّض للطواقم الطبية والصحفية وغيرها، كأن التعرّض لبقية الناس أمرٌ مشروع. الصهيوني عدوّ الجميع، قاتل الجميع، حتى أولئك الذين يهادنونه ويستخدمهم ريثما ينتهي دورهم في خدمته.

وهنا، يوحي استنكار قتل شيرين أبو عاقلة انطلاقًا من كونها صحافية مجرّدًا لاستشهادها من معناه الحقيقي. فالتضامن القائم على معايير معلّبة ليس تضامنًا حقيقيًا، والتضامن الذي يسعى إلى التمييز بين الشهداء بناء على صفة تمثيلية، مهما كانت، هو تحجيم للجريمة، بحيث يبدو كأنه إذا كفّ الصهاينة يومًا عن استهداف هذه الفئة دون غيرها سيكونون قد أدّوا قسطهم للعلى! قتل الصهاينة شيرين لأنها ابنة الأرض. لا يعنيهم سبب تواجدها هناك، بل هم معنيون بإلغاء وجودها هذا والقتل أداتهم لهذا.

من ناجي العلي الى شيرين.. شهداء فلسطين

ينتهك الصهاينة الإنسانية جمعاء، فهل يجوز استنكار انتهاكاتهم بمعايير وضعها من يبرّرون لهم المجازر لضرورات حربية؟ اليوم، قُتلت شيرين أبو عاقلة لأنّها فلسطينية، لأنّها صوت فلسطيني، ولا يجوز حصر قتلها تحت عنوان اغتيال الصحافة، كما لم يكن من الجائز يومًا حصر اغتيال غسان كنفاني باستهداف للكتّاب، واغتيال ناجي العلي باستهداف للفنانين الملتزمين، وتطول اللائحة.. “اسرائيل” تريد قتل الكلّ، الكلّ بلا أي استثناء وبلا أي حرمة، وشيرين هي اليوم شهيدة الصحافة انطلاقًا من هذا الأساس وليس انطلاقًا من اعتبارات “دولية”.

ولا يعني هذا أن أهل الصحافة ليسوا الحلقة الأولى التي يتوجّب عليها رفع اسم شيرين الشهيدة عاليًا اليوم وغدًا وفي كل يوم، ولكن عليهم، وعلينا جميعًا، أن لا نرضى بالنعي والاستنكار المبنيّ على التفريق بين الصحفي الشهيد وبين أيّ شهيد آخر.

أهل الصحافة اليوم هم أهل الشهيدة، هم العائلة العابرة للحدود وللأسلاك، هم أهل المصاب الذي مسّ جسدهم قرب القلب، ففلسطين قلب البلاد كلّها، وبذلك هم معنيون أوّلًا برفع سقف الاستنكار الذي يجب أن يكسر كذبة المواثيق الدولية والمعايير التي تبقى أرخص من الحبر الذي تُكتب به. معنيون بوضع شيرين في رتبتها الحقيقية، شهيدة فلسطين، الرتبة الأعلى والأسمى من “صحافية استشهدت أثناء أداء عملها”، الجملة التي يراد بها عادة تحفيز “الأوروبيين” على الاستنكار! فنحن أهل الشهيدة، لا نحتاج تحفيزًا للتألم أمام مقتلها، ولا لتغليب مظلومية على أخرى!

* المصدر :موقع العهد الإخباري