السياسية:

نتحدث عن مدة زمنية تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام للاستعاضة من الغاز الروسي. هذا، في الواقع، نوع من دورة استثمارية لبناء مصانع جديدة للغاز الطبيعي المسال.

كم من الوقت سيستغرق الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من الغاز الروسي بصورة كاملة؟ ما هي التغييرات النوعية التي تحدث في سوق الغاز؟ هل العقود الطويلة الأجل شيء من الماضي؟ يجيب عن هذه الأسئلة رئيس تحرير مجلة “روسيا في السياسة الدولية”، فيدور لوكيانوف، في مقابلة مع مارسيل ساليخوف، عُرضت في قناة “روسيا 24″، ضمن برنامج “الاستعراض الدولي”ـ بتاريخ 9 أيار/مايو 2022.

– إلى أي مدى يُعَدّ رفض أوروبا دفع ثمن الغاز بموجب مخططنا أمراً مؤثراً حقاً؟ أولاً، كيف يتجاوز المخطط العقوبات؟ وثانياً، هل يعني رفض هذا المخطط أننا ندخل واقعاً قانونياً جديداً تماماً؟

– في رأيي، المخطط المقترح، والذي يتضمن الدفع من خلال “بنك غازبروم”، هو حل وسط وعملي؛ أي أنه ملائم بصورة عامة لشركات الطاقة الأوروبية. لقد نشرت نتائج التحليل، الذي أجرته المفوضية الأوروبية على وجه التحديد، مع توضيح مفاده أن هذا المخطط لا ينتهك العقوبات المفروضة. لكن، من حيث الجوهر، تترك المفوضية الأوروبية الأمر لحكومات الدول الأوروبية لتقرر ما يجب فعله: الموافقة أو عدم الموافقة. والآن، يُظهر الوضع أن هناك مواقف متباينة داخل الاتحاد الأوروبي. بعض البلدان، لأسباب سياسية في المقام الأول (بولندا)، لا يوافق على مثل هذا الحلّ.

أمّا مسألة ما إذا كان هذا ينتهك العقود الطويلة الأجل، أو لا ينتهكها، فالأمر، إلى حد ما، مثير للجدل، لأننا لا نعرف ما هو مكتوب في هذه العقود الطويلة الأجل. هذا جانب قانوني مهم، إذا كان في الإمكان اعتبار الظروف الطارئة قوة قاهرة في العقود، أو ليست كذلك، وهكذا. ما لم تَنشَر هذه العقود فيمكننا التكهن فقط. لو اتخذت شركة “غازبروم” موقفاً حاداً، يتمثل بأننا سنقوم على الفور بإيقاف الإمدادات أو تعليقها، فستتأثر بهذا الأمر العقود الأخرى الطويلة الأجل. وعلى الرغم من وجود ذرة عقلانية في استراتيجية “غازبروم”، فإن الشركة تُظهر أنه إذا لم توافق الدول والشركات الأخرى على شروطها، فسيتبع ذلك رد فعل فوري منها، عبر تعليق إمدادات الغاز. إن هذا نوع من الرهان يُظهر أننا مستعدون لإيقاف عمليات تسليم الغاز للتأثير بطريقة ما في الأطراف الأخرى. هذا من ناحية. لكن، من ناحية ثانية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف من هذه الأطراف. وبناءً على ذلك، فإن نظام العقود الذي يدعم عمليات التصدير التي تقوم بها “غازبروم” سيبدأ ببطء في الانهيار.

– لنفترض أن الانهيار سيحدث، لأن الاعتبارات السياسية في عدد من البلدان حادة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، توصلت المفوضية الأوروبية، كما قلتم، إلى استنتاج قانوني، مفاده أن المخطط لا يبدو أنه يتعارض مع العقوبات، بينما جاء في البيان السياسي لأورسولا فون دير لاين أن هذا ينتهك العقوبات. هل يمكننا أن نتوقع ظهور نظام آخر، يقوم على المقايضة: نحن نوفر الغاز لهؤلاء الشركاء الذين يزودوننا بما نحتاج إليه في المقابل. هذه ليست تجارة بمعناها المحض؛ أي المال في مقابل المال. ربما لن تواجه روسيا مشاكل في الشؤون المالية بقدر ما قد تواجه مع عدم قدرتها على شراء شيء ما، وقد يعود العرض والطلب على أساس هذه الآلية القديمة. هل يمكن أن يحدث شيء كهذا؟

– لا أعتقد، بصراحة، أن شيئاً كهذا سيحدث، لأنه اعتُمد عدد كبير من العقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي، والتي تحظر بصورة مباشرة توريد سلع معينة، بما في ذلك المعدات، ومنها على سبيل المثال معدات الغاز الطبيعي المسال. حتى إذا كان بعض الشركات الأوروبية أو إحدى دول الاتحاد الأوروبي مستعدة لتزويدنا بسلعة ما، فإنها لا تستطيع ذلك، لأن هناك حظراً على مستوى الاتحاد الأوروبي. لذلك، من الصعب جداً تنفيذ مخططات المقايضة هذه داخل الاتحاد الأوروبي.

لكنني أعتقد أنه، في ظل مثل هذا الانقسام والمواقف المتباينة للدول الأوروبية، سيوافق بعضها على المخطط الروسي، وبعضها الآخر لن يوافق. لكن هناك سوقاً واحدة داخل الاتحاد الأوروبي، وستكون تلك الشركات التي وافقت على الشروط الروسية قادرة على زيادة مشترياتها من الغاز الروسي وإعادة بيعه لتلك الشركات التي لم توافق على هذه الشروط. بطبيعة الحال، هناك عدد من الأسئلة بشأن البنية التحتية، وهل سيكون من الضروري نقل الغاز إلى مكان ما كإجراء إضافي. لذلك، من المستحيل أن نتكهن مسبّقاً بمدى صعوبة ترتيب الأمر. لكن، مع ذلك، ستحدث هذه الأشياء. سيتم تعويض جزء من الكميات المطلوبة من خلال مشترين آخرين. لكن بشكل عام، على مستوى شركة “غازبروم”، هناك تفاهم على أن السوق الأوروبية سوف تنكمش في المدى الطويل. هذا المخطط سيطبَّق هذا العام والعام المقبل. لكن، من الناحية الهيكلية، سوف تتراجع السوق الأوروبية، على نحو مطّرد.

– بعيداً عن كل الانفعالات السياسية، من الواضح أن القرار اتُّخذ فعلاً: يجب أن نترك روسيا. من الناحية الموضوعية، إذا كانت المهمة هي الانسحاب الكامل من أي اتفاق مع روسيا، فمتى يمكنهم القيام بذلك؟ خلال عام، ثلاثة، خمسة؟ أم أن الأمر مستحيل تماماً لسبب ما؟

– أعتقد أننا نتحدث عن مدة تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام. هذا، في الواقع، نوع من دورة استثمارية لبناء مصانع جديدة للغاز الطبيعي المسال. يمكن للشركات الأوروبية إبرام عقود طويلة الأجل مع الشركات الأميركية ذات الموارد؛ أي أن من الممكن زيادة إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، لكن من الضروري بناء مصانع جديدة لإسالة الغاز. وفقاً لذلك، هناك عدد غير قليل من الشركات التي ابتكرت مشاريع لهذه المصانع، وهي قيد الدراسة. كل هذا يجب أن توافق عليه لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية الأميركية. يوجد اليوم عدد كبير جداً من المشاريع، وتتفاوت درجتها من حيث الأهمية. لذلك، إذا اعتمد بعضها بطلب طويل الأجل من أوروبا، وزُوِّد بنوع من التمويل من المؤسسات الأوروبية، فمن الممكن بناء مصانع جديدة عند ساحل خليج المكسيك. يستغرق الأمر نحو ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى عامين من التمويل، وما إلى ذلك. إنه ممكن، ويمكن أن يحدث بسرعة كبيرة.

– لو افترضنا مثل هذا السيناريو: نصل إلى الحد الأقصى من تزويد أوروبا بالغاز، ثم يتضح فجأة أنه لم تعد هناك حاجة إلى البنية التحتية الموجودة؛ أي النظام العملاق الذي بُني منذ الستينيات.

– هذا صحيح، إلى حد ما، وجرى بالفعل تدمير للمنظومة. أعني أن منظومة “نورد ستريم 2” متجمدة في الواقع. وفي المستقبل المنظور، ليس من الواضح تماماً متى يمكن أن تبدأ العملَ. البنية التحتية الأوكرانية نفسها، من حيث المبدأ، غير مربحة، حتى بالنسبة إلى الكميات المورّدة التي كانت في الأعوام الأخيرة. كان الغاز يمر عبر أوكرانيا منذ نحو 40 عاماً، والبنية التحتية (التي عفا عنها الزمن بالطبع) على الرغم من أنها مصمَّمة اسمياً لمئة وخمسين عاماً، فإنه لوحظ في العقود الأخيرة تدهور في حالها ضمن مستوى معين.

إلى حد ما، من المحتمل أن يحدث هذا أيضاً مع البنية التحتية البيلاروسية (خط أنابيب يامال – أوروبا للغاز)، لأن هذا الخط يستخدم في الواقع بنسبة 10-15 في المئة من طاقته. لذلك، بطبيعة الحال، ستتخلى “غازبروم” عن البنية التحتية للضخ في حال انخفاض الطلب. سيبقى “نورد ستريم 1” القناة الرئيسة، لأنه لا يتضمن إجراءات “ترانزيت”، وهو خط أنابيب الغاز الخاص بشركة “غازبروم”. أمّا فيما يتعلق بضخ الغاز إلى جنوبي أوروبا عبر تركيا (الخط التركي والخط الأزرق وما إلى ذلك)، فأرى اليوم أن الخطر يهيمن على مشاريع الضخ في المقام الأول.

*ترجمة: عماد الدين رائف
* المصدر: قناة “روسيا 24 ـ الميادين نت ـ المادة الصحفية تعبر عن رأي الكاتب