اللاجئون السوريون ومساكن إدلب.. ماذا يخطّط إردوغان؟
السياسية:
تعتبر أوساط تركية أنَّ مشروع توطين اللاجئين السوريين في إدلب يهدف إلى إضفاء الشرعية السياسية إقليمياً ودولياً على جبهة “النصرة”، يبدو واضحاً أن إردوغان يريد للحصار على سوريا أن يستمر، حتى يضع السوريين أمام خيارين كلاهما مر.
بمناسبة توزيع المساكن التي بنتها الدولة التركية للسوريين في الداخل السوري قرب إدلب، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم الأربعاء، خطّته لنقل مليون سوري إلى المنطقة ليسكنوا فيها، مع الاستمرار ببناء المساكن والمدارس والمستشفيات والجوامع والمناطق الصناعية، وتأمين كل مرافق الخدمات الأخرى، كالمياه والكهرباء والاتصالات.
رَدُّ زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو جاء سريعاً، إذ خاطب إردوغان قائلاً: “سئمنا من أكاذيبك. إذا كنت جاداً في هذا الموضوع، فلماذا لا تنسّق مع الدولة السورية؟ هذا ما سنفعله بدورنا بعد التخلّص منك في الانتخابات القادمة”.
أوساط المعارضة المختلفة، ومعها عدد من المحللين الصحافيين والدبلوماسيين والجنرالات والوزراء المتقاعدين وأساتذة الجامعات، أشاروا إلى خطورة تصريحات إردوغان التي تزامنت مع أعنف حملة سياسيّة وشعبيّة يتعرَّض لها بسبب اللاجئين، ليس السوريون فحسب، بل أيضاً الأفغان وآخرون من مختلف الجنسيات، الذين تقول المعارضة إنَّ عددهم جميعاً يزيد على 7 ملايين لاجئ، من بينهم 3.7 ملايين سوري.
وترى الأوساط القومية في هؤلاء اللاجئين خطراً يستهدف الأمن القومي والوطني للبلاد، وخصوصاً أن جميع اللاجئين الأفغان رجال، وأعمارهم تتراوح بين 20 و30 عاماً. ويطرح الجنرالات المتقاعدون حولهم العديد من التساؤلات، أهمها: من الذي جاء بهم؟ وكيف سيستخدمهم؟ ومتى؟ وضد من؟
ويضع هؤلاء الجنرالات، ومنهم أحمد ياووز وخلدون صولماز تورك وتوركار أرتورك، العديد من السيناريوهات، وهم يتحدّثون عن احتمال استفادة قوى داخلية وخارجية من اللاجئين في مهمات خاصّة وخطرة، وخصوصاً بعد أن قدّر وزير الداخلية سليمان صويلو عدد الأجانب المقيمين في إسطنبول بمليون و300 ألف شخص، من بينهم 500 ألف سوري، والباقون من مختلف الجنسيات، بمن فيهم المقيمون بشكل رسمي، كالعاملين في الشركات الأجنبية وطلاب الجامعات.
بالعودة إلى تصريحات إردوغان، فقد شكَّكت المعارضة في جديتها، في الوقت الذي أشارت أوساط أخرى إلى خطورة الموضوع، ليس بالنسبة إلى سوريا فحسب، بل إلى تركيا أيضاً، على اعتبار أن الذين تحدث إردوغان عن “ترحيلهم طواعية” إلى سوريا، سيتم نقلهم إلى إدلب وجوارها، حيث سيطرة جبهة النصرة، أو المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة المنضوية تحت راية ما يسمى “الجيش الوطني السوري”.
وقد تأسَّس هذا الجيش في بداية تشرين الأول/أكتوبر 2019 في أنقرة قبل أيام من توغل الجيش التركي شرق الفرات في 9 تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام. واعتبرت الأوساط المذكورة أنَّ مشروع التوطين هذا، إذا تم تطبيقه، وهو ليس سهلاً، وفق كلامها، يهدف إلى إضفاء الشرعية السياسية إقليمياً ودولياً على جماعة “النصرة” في إدلب، وهي على تنسيق وتعاون تام مع أنقرة في جميع الأمور، وفي كلّ المجالات، وعلى كل المستويات؛ فإدلب، حالها حال المناطق الأخرى التي يتموضع الجيش التركي فيها، تغطي تركيا كلّ احتياجاتها من الكهرباء والأسلحة والمعدات والخدمات بكل أشكالها، كالهواتف والإنترنت والمواد الغذائية.
وقد باتت الليرة التركية عملتها شبه الرسمية، كما هو الحال بالنسبة إلى اللغة التركية، وهي اللغة الثانية التي تدرس في المدارس بشكل رسمي، وبإشراف كل الأجهزة التركية التي تدير أمور هذه المناطق مباشرة، وكأنها جزء من تركيا.
بناء المساكن وإعادة اللاجئين السوريين إلى هذه المناطق ووضعهم تحت رحمة جبهة النصرة والفصائل الأخرى هو مخطط يريد من خلاله إردوغان أن يجعل اللاجئين السوريين حاضنة شعبية لـ”النصرة” والكيان السياسي “المعتدل” الذي سيعلنه قريباً.
ويريد إردوغان لمثل هذا الكيان أن يساعده في مساوماته مع العواصم العربية التي يعرف أنها غير جادة في ضغوطها عليه في موضوع حل الأزمة السورية وإعادة السوريين. وقد يقترح على هذه العواصم، وعلى واشنطن وحليفاتها في أوروبا، إجراء استفتاء (الغرب سيشجع على ذلك كمبرر لاستفتاء آخر شرق الفرات)، للتأكد من رغبتهم في العودة إلى كنف الدولة السورية أو القبول بحكم النصرة “المعتدلة” وأمثالها، ما دام إردوغان يريد لهم أن يعودوا، وهو يقول ذلك، تارة تحت ضغوط المعارضة، وتارة أخرى لخداع العواصم العربية. ويعرف الجميع أنَّ هذه العواصم غير جادة في المصالحة مع دمشق، وإلا كانت قد فكّرت في مساعدة الشعب السوري بالحد الأدنى، الذي يعاني تبعات العقوبات والحصار الأميركي والأوروبي، وحتى العربي.
ويبدو واضحاً أنَّ إردوغان يريد لهذا الحصار أن يستمر، حتى يضع السوريين أمام خيارين كلاهما مر؛ فإما يقبلون بالعودة إلى منازلهم في مناطق الدولة السورية، وإما يعودون إلى المساكن التي تبنيها لهم الدولة التركية في إدلب وجوارها، ليشكلوا كتلة انتخابية تؤيد أفكار إردوغان في حال إجراء أي انتخابات أو استفتاء، بعد التوصل إلى أي صيغة للحل في سوريا، وهو ما لن يستعجل به إردوغان، ما دامت روسيا منشغلة بالأزمة الأوكرانية، والأنظمة العربية بدورها مستمرّة بالتآمر على سوريا، في الوقت الذي نجحت “تل أبيب” بتأخير الاتفاق النووي الإيراني أو تأجيله إلى أجل غير مسمّى.
هذا الأمر قد يتمناه إردوغان، لأن أنظمة الخليج في هذه الحالة، ومعها “تل أبيب”، ستولي تركيا أهمية إضافية بسبب دورها المحتمل في مواجهة الحسابات الإيرانية في المنطقة، وهو ما تتحدّث عنه بعض الأوساط التي تذكّر بحملة الأوساط القومية والإعلام الموالي لإردوغان ضد إيران خلال الحرب في ناغورنو كاراباخ، وكذلك بأحاديث هذا الإعلام وتلك الأوساط عن ضرورة تحريك الشارع الأذري ذي الأصل التركي في إيران، وخصوصاً في المناطق المجاورة لتركيا وأذربيجان، مع اتهام البعض إيران “بإرسال اللاجئين الأفغان إلى تركيا عمداً”.
وكانت طهران سابقاً تحدثت عن نشاط كبير للموساد الإسرائيلي في هذه المناطق، وعبر الحدود مع أذربيجان، لخلق المشاكل الأمنية لإيران، بما في ذلك الاغتيالات. ويتوقع البعض المزيد من هذه الأحداث خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.
ولا تنسى الأوساط المذكورة الحديث عن المنافسة الحادة بين أنقرة وطهران في العراق، بعد أن دخل إردوغان بشكلٍ مباشر على خط هذه المنافسة عبر الاتصالات المكثفة مع أعداء حلفاء إيران في العراق، ومنهم مسعود البرزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر وآخرون، لسد الطريق أمام إعادة انتخاب الرئيس الحالي برهم صالح، المحسوب على طهران، كما يقال.
ولا نتجاهل العمليات العسكرية الواسعة التي يقوم بها الجيش التركي في شمال العراق، الذي بات يسيطر على مساحات واسعة منه، كما هو الحال في الشمال السوري، وحتى بعد أن انتهى من إنشاء جدار فاصل على طول الحدود مع سوريا بالكامل، وهو على وشك أن ينتهي من جدار مماثل على الحدود مع العراق الذي يوجد فيه حوالى مليونين (البعض يقول 4، والبعض الآخر يقول إنهم مليون) من التركمان (نصفهم من الشيعة، والآخرون من السنة)، وهم موجودون بأرقام متناقضة أيضاً في سوريا، وتعقد أنقرة عليهم أمالاً كبيرة في مخططاتها ومشاريعها في سوريا أيضاً.
وبانتظار الاتفاق العربي على المصالحة مع دمشق، لن يحرك الرئيس إردوغان ساكناً في هذا الموضوع، ولكنه قد يتخذ مواقف تكتيكية لمواجهة حملات المعارضة، ويبدو أنها باتت مؤثرة، وسوف تنعكس هذه الحملات بشكلٍ سبلي على شعبية إردوغان مع اقتراب موعد الانتخابات في موعدها الدستوري في حزيران/يونيو العام القادم أو قبل ذلك.
ويشكّك الكثيرون في ذلك، وهم يقولون إن إردوغان سيجد أي مبرر لتأجيل هذه الانتخابات ما لم يضمن نتائجها، كما فعل ذلك في استفتاء نيسان/أبريل 2017، عندما قام بتعديل الدستور وتغيير النظام ليكون نظاماً رئاسياً، إذ اتّهمه زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو آنذاك بتزوير نتائج الانتخابات بالاتفاق مع الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، التي اعتمدت مليوني بطاقة اقتراع غير مختومة، وكانت لمصلحة إردوغان.
ويعرف الجميع أنَّ إردوغان لن يسلم السلطة بسهولة، لأنه يعرف أن مصيره لن يكون حسناً إذا حصل ذلك، بسبب الاتهامات الموجهة إليه فيما يتعلق بتوريط تركيا في قضايا خطرة على صعيد السياستين الداخلية (الفساد) والخارجية، وفي مقدمتها سوريا بتبعاتها المعروفة، واللاجئون ليسوا إلا نتيجة لهذه السياسات في سوريا والمنطقة بعد ما يسمى بـ”الربيع العربي”. ويتوقع البعض ربيعاً مماثلاً له في تركيا، إذا بقي إردوغان في السلطة وأصرَّ على سياساته الحالية في سوريا، وعلى مصالحاته مع الإمارات والسعودية و”إسرائيل”، وقريباً مع مصر!.
* بقلم : حسني محلي
* المصدر: الميادين نت – المادة الصحفية تعبر عن رآي الكاتب