أيمن الرفاتي*

تمرّ فعاليات إحياء يوم القدس العالمي هذا العام بشكل مختلف عن السنوات الماضية، إذ تحظى مدينة القدس المحتلة بزخم معنوي وروحي كبير لدى الفلسطينيين والمسلمين في مختلف دول العالم، في ضوء الاعتداءات الخطرة التي يقوم بها العدو لتهويد المدينة وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، وسط حالة استنفار واستنزاف للاحتلال على عدد من الجبهات خشية تطور الأحداث، وسط شكوك في فشل مشروع تشكيل حلف مع الدول العربية المطبّعة في المنطقة ضد محور المقاومة الذي يزداد قوةً ويواصل فعالياته لتحرير المدينة المقدسة.

في المقابل، ينظر الكيان المؤقت إلى يوم القدس بوصفه إحدى أخطر المناسبات الاستراتيجية السنوية في المنطقة، والتي تهدّد مخططاته للبقاء والاستمرار باحتلال فلسطين ومواصلة تهويد مدينة القدس، إذ إنَّ هذه المناسبة السنوية تحافظ على مستوى مكانة القدس في نفوس المسلمين، عبر تذكيرها الدائم لهم بأنَّ هذا المكان المقدس ما زال تحت الاحتلال، وعليكم التحرّك لتحريره.

النداء الذي يتجدّد كلّ عام في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان لإنقاذ مدينة القدس، عبر فعاليات يوم القدس العالمي، ينظر الكيان الصهيوني إليه بغيظ شديد، نظراً إلى أنه يصعّب المهمة أمامه في تهويد المدينة المقدسة، ويمنعه من اتخاذ خطوات فجة وسريعة ضد المسجد الأقصى، خشية استثارة المسلمين حول العالم، بما يؤدي إلى إفشال مشاريعه التي يسعى من خلالها إلى توطين نفسه في فلسطين ليكون كياناً طبيعياً، والخروج من النظرة العامة له بأنَّه كيان سرطانيّ يجب استئصاله.

من ناحية ثانية، يرى الكيان المؤقت أنَّ يوم القدس العالمي مناسبة سنوية لتجدّد الهجمات عليه، والّتي تؤدّي إلى إدخاله في حالة عدم الاستقرار، بما في ذلك الهجمات السيبرانية والإلكترونية ذات التأثير الكبير والواسع، إذ حذر جهاز السايبر في الكيان للعام الثالث على التوالي من هجمات سيبرانية متوقعة تحدث سنوياً استعداداً لـ”يوم القدس” في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، تحت عنوان “أوب-جيرازلم” (#OPJerusalem). هذا النشاط، بحسب موقع “يسرائيل ديفنس”، من المتوقع أن يحدث هذا العام بتاريخ 29 نيسان/أبريل، وهدفه الأساسي خلق صدى عام.

ويزعم جهاز السايبر أنَّ الهجمات تتضمَّن منشورات معادية للكيان المؤقت، وتخريب مواقع إنترنت، ومهاجمة شركات تخزين لديها عدد كبير من المواقع، إضافةً إلى الهجوم على أنظمة مؤسّسات عامة وتنفيذ عمليات اختراق، بهدف تسريب معلومات.

ويحظى يوم القدس بتغطية إعلامية واسعة من وسائل الإعلام العبرية، مع المحدّد الدائم من الرقابة العسكرية بربط هذا اليوم بالإيرانيين والطائفة الشيعية فقط، على عكس حقيقة كونه لكلِّ المسلمين في دول العالم.

وهنا يكمن الخبث في الرسالة الإعلامية الصهيونية التي تريد اجترار الفرقة الطائفية بين المسلمين، كي تحول دون مشاركة عدد من أبناء الطوائف الأخرى في هذا اليوم الخطر بالنسبة إلى الكيان.

ولعلّ مشاركة المسلمين من مختلف الطوائف في المناسبة هو أكثر ما يغيظ الصهاينة في الكيان المؤقت، وخصوصاً أنّهم يشاهدون أنَّ عدد المشاركين في إحياء يوم القدس العالمي يتنامى عاماً بعد عام، وتشارك فيه مختلف الطوائف، ما يؤدي إلى زيادة مكانة القدس والاهتمام بها لدى الشعوب الإسلامية. ولهذا، يحاول الكيان عبر أدواته من المطبّعين والعملاء تشويه هذه الفعالية لدى شرائح من المسلمين من الطوائف غير الشيعية.

في الإطار ذاته، يرى الكيان المؤقت أنَّ استمرار فعاليات يوم القدس العالمي بشكل سنوي وزيادة المشاركين فيه يمثّل نمواً لمشروع المقاومة وتوجيهاً دائماً للبوصلة، رغم محاولات حرفها باتجاه التطبيع الأمني والاقتصادي، ما يعني أنَّ الجماهير المشاركة في هذه الفعاليات، وسط إصرارها على إحياء الذكرى، ستصل يوماً ما إلى هدفها بتحرير القدس.

وبعد معركة “سيف القدس” في العام 2021 التي تزامنت مع يوم القدس العالمي، بتنا نعيش مرحلة جديدة تعطي أملاً بقرب التخلّص من هذا الكيان، فحضور الأمة إلى جانب قضية القدس ودعم المقاومة الفلسطينية ومساندتها يقصّر عمره ويدفع الفلسطينيين إلى إشعال مختلف الجبهات في وجه العدو وإشغاله بنفسه وبقضاياه الأمنية، وصولاً إلى الانكفاء وعدم الصمود أمام معركة التحرير التي قد تنطلق في أيِّ وقت خلال السنوات المقبلة.

على مستوى الأهمية، يمكن تلخيص أهم الأفكار التي ثبتها يوم القدس خلال العقود الماضية على الشكل الآتي:

– إحياء مكانة المدينة في عقول المسلمين ووجدانهم في مختلف بلدان العالم، في وقت كانت مكانة قضية القدس وفلسطين تتراجع، بعيداً عن أصلها الديني العقائدي.

– يوم القدس مهّد الطريق لتصبح المدينة عنوان المواجهة، بل المحرك للأمة قاطبة، لتتصدر المشهد في إفساد المخططات الصهيونية والتطبيعية.

– يوم القدس تعبير عن التزام ديني وأخلاقي من كلِّ المشاركين في إحيائه. وقد كان يذكّر بشكل دائم بقضية المسلمين الأولى خلال هذا العصر.

– يوم القدس يغرس في نفوس المسلمين على مستوى العالم فكرة مفادها أنَّ القدس هي القضية المركزية الثابتة التي تجمع ولا تفرق، وكل من يقف مع أعدائها ويطبّع مع محتليها هو عدو لها، وإن تغنى بأنّ لديه وصاية عليها، أو صرح ليلاً نهاراً بأنَّه مع الحفاظ على إسلاميتها.

– أمام إصرار المقاومة ومحورها، يتراجع الدور الأميركي في المنطقة، ويجد الكيان نفسه يوماً بعد يوم بلا ظهر يحميه.

– يوم القدس يذكّر الجميع بأنَّ معركة القدس ليست معركة الجمهورية الإسلامية وحدها، بل مسؤولية الأمة جمعاء، وللجمهورية الفضل في التذكير والعمل على تحريرها.

* المصدر :الميادين نت