ماكرون اكتملت المهمة… رئيس لكل الشعب
السياسية:
لم اعد مرشحا و لست رئيس حركة و لا رئيس حزب بل رئيس كل الفرنسيين و اولهم من صوتوا ضدي .
كلمات للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية الذي يعترف مقربوه بأن من أسباب نجاحه السياسي منذ اقتحامه عالم السياسة في سن مبكرة أنه يتقن فن الاصغاء والاستماع لغيره ، لا سيما من يختلفون عن افكاره وانه يحيط نفسه بمستشارين و خبراء وديبلوماسيين أكفاء من مختلف الاجيال وفي مختلف المجالات ،لا سيما في مجال الاعلام و الاتصال والرقمنة وأنه لا يتحرج ولا ينزعج من وجود في دائرته من هم افضل منه و من يمكن أن يقول أنه أخطأ .
جانب الصواب هذا طبعا الى جانب ما عرف عنه من ذكاء ومن سعة اطلاع و من غرام بالادب والفن والمسرح وعلوم سياسية وكلما يجب أن يتوفر في شخص القائد والزعيم الذي يريد جمع الصفوف و تجاوز الازمات وتحقيق التقدم الذي تتطلع اليه الشعوب .
في خطاب للفرنسيين بعد اعلان نتائج الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية وفوزه على منافسته زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان, بادر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى التأكيد على انه لم يعد مرشح للانتخابات و لكنه رئيس كل الفرنسيين..
ماكرون اقتنص اللحظة وحرص على مخاطبة ناخبي منافسته بالدرجة الاولى في خطوة لا تخل من حنكة ديبلوماسية ومحاولة لرأب الصدع و تجاوز حالة الانقسام والانشقاق التي أصابت الفرنسيين ولكن أيضا في خطوة لا تخفى عن اعين ملاحظ لاستباق الاختبار القادم أو ما اصطلح على وصفه بالشوط الثالث من سباق الانتخابات و تحديدا موعد الانتخابات التشريعية التي يفصل بينها وبين موعد الانتخابات الرئاسية.
سبعة اسابيع ستكون حاسمة في اعادة رسم وتحديد الخارطة السياسية الفرنسية مع انهيار الاحزاب التقليدية التي تداولت على حكم فرنسا وصعود اليسار المتطرف بزعامة ميلونشون الذي سيحاول الثار لنفسه بعد انسحابه من سباق الرئاسة .
ولكن ايضا اليمين المتطرف بزعامة لوبان و كلاهما سيحصران ماكرون في الانتخابات التشريعية القادمة حتى لا يحظى بصك ابيض لفرض ما يسعى لاستصداره من قوانين او فرضه من خيارات على المستويين الداخلي والخارجي ،بما يعني أن السنوات الخمسة القادمة له في الاليزيه لن تكون بدون تعقيدات وصراعات ،بل الارجح أنها ستكون نصف عقد من الشد والجذب والمعارك الطاحنة داخل المجلس الوطني الفرنسي.
وعموما فان رسالة ماكرون بأنه رئيس لكل الفرنسيين رهان لا يستهان به وهي رسالة مزدوجة للداخل كما للخارج ،لا سيما الاتحاد الاوروبي الذي راهن على فوز ماكرون وسحب البساط أمام مرشحة اليمين المتطرف التي تحمل افكارا مناهضة للاتحاد الاوروبي وللتبادل الحر وللعملة الاوروبية ولم تخف خلال المناظرة مع ماكرون رغبتها في مراجعة الدستورو تغيير هذه الاولويات.
فقد برز ماكرون بعد انسحاب المستشارة الالمانية ميركل من المشهد ومع بداية الحرب الروسية في اكرانيا كزعيم اورباو المدافع عن الوحدة الاوروبية وهو يسعى لتكريس هذه الصورة مع تولى فرنسا رئاسة الاتحاد الاوروبي في هذه المرحلة.
الحقيقة أن في خطاب ماكرون أمام برج ايفي حمل في طياته اعترافا مهما من جانبه بجدوى التصويت المفيد الذي عزز موقعه في سباق الانتخابات الي الاليزيه واقراره ان العديد من مواطنيه صوتوا له ليس دعماً للأفكار التي يحملها بل للوقوف في وجه أفكاراليمين المتطرف بكل ما يعنيه ذلك من التزام بقيم الجمهورية في بلد مونستكيو وروسو وديدرو طالما اعتبرعنوانا للحرية والديموقراطية ومهد حقوق الانسان ومرجع فلاسفة القانون.
لا خلاف أن نتائج الانتخابات الفرنسية كشفت عن انقسام غير مسبوق صلب المجتمع الفرنسي في خضم تواتر الازمات الاجتماعية والاقتصادية على وقع جائحة كوفيد التي تركت تداعياتها على الجميع.
فوز ماكرون الذي سيظل اصغر رئيس فرنسي الى أن ياتي ما يخالف ذلك لم يخل من الرسائل السلبية التي تحتاج للتمعن والتوقف عندها و التي تستوجب من خبراء الاجتماع والاخصائيين ان ينكبوا عليها لاستخلاص الدروس المطلوبة لا سيما أمام الارتفاع غيرالمسبوق منذ عقدين لنسبة من اختاروا مقاطعة العملية الانتخابية وعدم المشاركة في التصويت لاسباب مختلفة ولكن أيضا للتمعن في اسباب ودوافع انتشار وامتداد اليمين المتطرف في فرنسا بعد انحصار وتراجع الاحزاب التقليدية.
ولعل ما يستوجب التوقف عنده في هذا السباق الذي شغل العالم تقريبا أن زعيمة اليمين المتطرف تصدرت نتائج الانتخابات الرئاسية في ثلاث من مناطق ما وراء البحارو هذه مسألى مهمة جدا لا ينبغي ان تغيب عن اعين ملاحظ فقد حلت مارين لوبان أولى في ثلاث من مناطق وهي غوادلوب وغويانا ومارتينيك.
وتمكنت لوبان من حصد 69,60 بالمائة من إجمالي الأصوات في غوادلوب و60,87 بالمائة في مارتينيك و54,73 بالمائة في سان بارتيليمي و هي ارقام على غاية الاهمية تحسب لمرشحة اليمين.
وعلى الرغم من الخسارة التي مني بها اليمين المتطرف في انتخابات الاحد الماضي الا أنه حقق تقدما غير مسبوق و اصبح جزءا من الخارطة السياسية التي قد تتضح اكثر بعد الانتخابات التشريعية في شهر جوان القادم والارجح أن لوبان تتجه خلال ما بقي قبل هذا الاستحقاق الانتخابي الى فرض قوة برلمانية مضادة لماكرون.. حتى هذه المرحلة تبقى كل السيناريوهات قائمة في ظل المشهد الجديد بما يؤكد ان نصف العقد القادم لن يكون شهر عسل لماكرون الذي سيكون امامه معركة اخرى تنتظر الحسم.
رئيس لكل الشعب وليس لفئة دون اخرى مهمة دقيقة لا يقدر على تحملها كل من طلب الزعامة وهي بالتاكيد مهمة لها شروطها حتى تتأكد على ارض الواقع.
*بقلم : اسيا العتروس ـ كاتبة تونسية
*المصدر: صحيفة رأي اليوم ـ المادة الصحفية تعبر عن رأي الكاتب