مرة أخرى من الصين.. العالم أمام موجة جديدة في سلاسل التوريد وهكذا ستؤثر على الاقتصاد العالمي
السياسية:
يعيد نهج الصين المتشدد في تعاملها مع تصاعد حالات تفشي فيروس كورونا الجائحة إلى نقطة انطلاقها، بعد مرور أكثر من عامين على ظهورها في ووهان وإضرارها بـ الاقتصاد العالمي. فازدحام الشحن في الموانئ الصينية، إلى جانب الحرب الروسية على أوكرانيا، يهدد بضربة مزدوجة للتعافي الاقتصادي، الذي يرزح بالفعل تحت ضغوط التضخم والرياح المعاكسة للنمو، فكيف أصبح العالم مجدداً أمام أزمة جديدة في سلاسل التوريد؟
تمثل الصين حوالي 12% من حجم التجارة العالمية، وقد أدت قيود كوفيد إلى تعطيل المصانع والمستودعات، وتأخير تسليم طلبيات الشاحنات وزيادة أعداد الحاويات في صفوف الانتظار، والموانئ الأمريكية والأوروبية مختنقة بالفعل وعرضة لصدمات إضافية. تقول جولي غيردمان، الرئيسة التنفيذية لشركة تحليلات مخاطر سلسلة التوريد Everstream Analytics: “فور استئناف أنشطة تصدير المنتجات وانطلاق جزء لا بأس به من السفن إلى موانئ الساحل الغربي الأمريكية، نتوقع زيادة كبيرة في أوقات الانتظار”.
ويقول وانغ شين، رئيس جمعية التجارة الإلكترونية عبر الحدود في شنجن، التي تمثل حوالي 3000 شركة تصدير، إنه رغم أن إغلاق مدينة شنجن لم يستمر إلا أسبوع واحد فقط، مضيفاً لوكالة Bloomberg الأمريكية: “تأخر التسليم لكثير من البائعين شهراً كاملاً”.
ووصول البضائع إلى مستودع في الولايات المتحدة منذ اللحظة التي تغادر فيها مصنعاً في آسيا يستغرق في المتوسط 111 يوماً، أما الرحلات المتجهة غرباً إلى أوروبا فتستغرق وقتاً أطول يقترب من 118 يوماً.
وطوابير السفن الطويلة التي شوهدت قبالة سواحل الصين لا تساعد في تخفيف هذا الوضع، إذ ارتفعت أعداد ناقلات البضائع بعد أن بدأت شنغهاي، موطن أكبر ميناء للحاويات في العالم، إغلاقاً على مستوى المدينة أواخر الشهر الماضي لمكافحة حالات كوفيد-19. وبلغ العدد الإجمالي لسفن الحاويات في الميناء وخارج المرسى المشترك للمدينة مع نينغبو المجاورة 230 حتى يوم الأربعاء الماضي، 20 أبريل/نيسان، بزيادة قدرها 35% عن هذا الوقت من العام الماضي، وفقاً لبيانات بلومبيرغ الخاصة بالشحن.
وتنتظر حاويات البضائع المستوردة في المتوسط 12.1 يوم في ميناء شنغهاي، قبل أن تحملها الشاحنات وتسلمها إلى الوجهات الداخلية، وفقاً لمشروع 44 الخاص ببيانات سلاسل التوريد. وتضاعف عدد أيام الانتظار في 18 أبريل/نيسان حوالي ثلاث مرات عن الـ4.6 يوم في 28 مارس/آذار. وأدى نقص النقل بالشاحنات إلى تقييد مساعي توفير مواد أساسية للمصانع ونقل بضائع مثل السيارات والإلكترونيات للسفن.
* أزمة خدمات الشحن
بحسب بلومبيرغ، فإن الشحن الجوي تأثر أيضاً، حيث تكدست الطلبيات في مطار شنغهاي بودونغ الدولي، وفقاً لما ذكرته شركة ديميركو إكسبريس، وكيل الشحن الجوي والبحري في تايبيه، المتخصصة في الخدمات اللوجستية. وهذا الاختناق امتد إلى شنجن، إذ شهدت المدينة المتاخمة لهونغ كونغ زيادة حادة في تغيير مسارات الشحنات من شنغهاي.
ولتخفيف الازدحام في شنغهاي، يتحول مسار السفن إلى نينغبو وتايكانغ، وفقاً لدوني يانغ، مدير الشحن البحري في شركة Dimerco. وفي الوقت نفسه أصدرت الحكومة المركزية تعليمات بفتح الطرق السريعة وإخلائها من أي عوائق.
واستأنفت مصانع السيارات وشركات تصنيع الإلكترونيات في المركز المالي للصين عملياتها تدريجياً، بعد أن شجعت السلطات على اللجوء إلى أنظمة الحلقة المغلقة، التي بموجبها يعيش العمال في المصانع التي يعملون بها.
على أن زيادة الإنتاج بعد إيقاف التشغيل لا تحدث في التو واللحظة، فقد أعادت تسلا تشغيل مصنعها في شنغهاي بعد إغلاق دام ثلاثة أسابيع، رغم أنه ليس مؤكداً إلى متى سيتمكن المصنع من العمل بإمدادات المواد المحدودة.
وقال تسوي دونغشو، الأمين العام لجمعية سيارات الركاب الصينية: “التغيير في سياسات الوقاية من كوفيد في مدن مختلفة كان له تأثير كبير على الخدمات اللوجستية”.
* انتكاسات
يقول خبراء الاقتصاد في مصرف غولدمان ساكس، في مذكرة بحثية الأسبوع الماضي، إن الانتكاسات في سلسلة التوريد “أسوأ مما توقعنا إلى حد ما، وبناء على ذلك عدلنا توقعات النمو والتضخم قليلاً في الأسابيع الأخيرة”.
تقول ستيفاني لوميس، نائبة رئيس المشتريات الدولية في شركة الشحن CargoTrans: “ربما حاولت بعض الشركات بالفعل شحن طلبياتها إلى مكان آخر أو ألغتها، لكنني أتوقع أننا سنشهد تكدساً رهيباً في الشحن”.
فقد بلغ إجمالي عدد سفن الحاويات في لوس أنجلوس ولونغ بيتش ما لا يقل عن 57 سفينة يوم الأربعاء الماضي، وهو أعلى رقم منذ أواخر فبراير/شباط. ويعاود عدد من المعدلات الأخرى مثل فترة انتظار الحاوية الارتفاع من جديد أيضاً.
وبعض الشحنات المتوقفة في ميناء كاليفورنيا اكتفت بالتوجه شرقاً بحثاً عن طرق أسرع، حيث تصطف حمولات البضائع من مدينة نيويورك إلى تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية. وتشير بيانات مشروع MarineTraffic إلى تغيير كبير مؤخراً، إذ تجاوز الساحل الشرقي للولايات المتحدة الساحل الغربي في حجم سعة الحاويات التي تنتظر تفريغ حمولاتها.
وحالات التكدس في أوروبا بالقدر نفسه من الحدة أو أسوأ، ويفاقمها قربها من حرب أوكرانيا. فالموانئ الرئيسية مثل روتردام وهامبورغ وأنتويرب وثلاثة موانئ في المملكة المتحدة تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية أو تتجاوزها، ما يعني أنها تواجه صعوبة شديدة بالفعل في استقبال مزيد من الحاويات، لأنها لا تملك مساحة لتخزينها.
ومن جانبها قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي والمديرة السابقة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، في كلمة ألقتها يوم الجمعة 22 أبريل/نيسان: “علينا أن نعمل جاهدين على تأمين التجارة في هذه الأوقات المتقلبة، ونفيد أيضاً من قوتنا الإقليمية”.
* المصدر: عربي بوست