عام على سيف القدس.. تثبيت معادلات النار والرعب
أصبحت المقاومة هي العنوان وصاحبة الوصاية الحقيقية على المسجد الأقصى أمام تراجع الدور العربي.
شرحبيل الغريب*
عدّت أوساط إسرائيلية متعددة أن منع جماعات الهيكل المتطرفة من ممارسة طقوس تلمودية وذبح القرابين، ثم منع مسيرة الأعلام من الوصول إلى باب العمود في المسجد الأقصى، والتصدي لها، جاءت خوفاً من التصعيد العسكري المتوقع بعد تهديدات المقاومة الكبيرة في قطاع غزة. وقالت إن ما حدث يشكل انتصاراً للمقاومة الفلسطينية، ونجاحاً في ربط القدس بغزة من دون إطلاق صاروخ أو طلقة واحدة.
زعيم حزب “الصهيونية الإسرائيلية المتدينة”، بتسلئيل سموتريتش، قال “إن منع مسيرة الأعلام في مدينة القدس يشكل رضوخاً واستسلاماً لحركة “حماس” وتهديداتها، وإن عدم مقدرة المفتش العام للشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس على تأمين مسيرة تُرفع فيها أعلام إسرائيل، يحوّل يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، إلى رئيس لشؤون القدس”.
الصحافي الإسرائيلي يائير ليفي علق قائلاً: “إن المشهد في القدس، بالإضافة إلى مشهد حائط البراق وهو شبه خالٍ من المصلين اليهود، عبارة عن انتصار حاسم لحركة حماس والجهاد الإسلامي في حربهما ضد إسرائيل”.
أمّا محلل الشؤون الفلسطينية في هيئة البثّ الإسرائيلي العام، “كان 11″، غال بيرغر، فعقّب قائلاً: “سجلت حماس انتصاراً لنفسها بأن خلقت معادلة جديدة، وحظرت خلالها مسيرة الأعلام من دخول البلدة القديمة من القدس بعد عام من معركة “حارس الأسوار”، أي معركة “سيف القدس”، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى قبل عام.
مراسل الشؤون العربية في قناة “كان 11” العبرية، روعي كايس، قال: “بعد عام من معركة حارس الأسوار، سجّلت حماس ورفاقها نصراً مؤزَّراً على إسرائيل، بفعل ما فرضته (حماس) من معادلات جديدة”. وأشار كايس إلى نجاحها في ربط معادلة “القدس بغزة بصورة أوتوماتيكية”، مشيراً إلى أن الجميع يعرف إلى أين سيؤدي هذا الارتباط.
هذا الإجماع الواسع والكبير من الإعلام الإسرائيلي على أن المقاومة الفلسطينية حققت إنجازاً مهماً على “إسرائيل” في هذه الجولة، عبر إجبارها على منع ذبح القرابين وتقييد حركة مسيرة الأعلام ومنع دخولها منطقة باب العمود، يؤكد أن المقاومة الفلسطينية هي التي تقف بالمرصاد على خط المواجهة الأول ضد أي انتهاكات إسرائيلية، بل أصبحت هي العنوان وصاحبة الوصاية الحقيقية على المسجد الأقصى أمام تراجع الدور العربي في هذا السياق.
اعتقدت أوساط إسرائيلية أنها يمكن أن تنجح، هذه المرة، في تمرير مخطط خطير يمسّ قدسية المسجد الأقصى ومكانته، ويتوّج مراحل التهويد الممنهجة عبر ترسيخ واقع جديد، عنوانه التقسيم الزماني والتقسيم المكاني للمسجد الأقصى، تمهيداً لهدمه وبناء الهيكل المزعوم، وفقاً للعقيدة اليهودية ومعتقدات جماعات الهيكل المتطرفة، لكن سرعان ما اصطدمت المخططات الإسرائيلية بواقع فرضته المقاومة الفلسطينية في معركتها، “سيف القدس”. وهذا الواقع يصبّ اليوم في مصلحة المقدسيين في الدرجة الأولى.
على الرغم من أن سيناريو الحرب يمثّل طوق نجاة لرئيس وزراء الاحتلال، نفتالي بنيت، وحكومته، فهو سلاح ذو حدين بالنسبة إليه. خلال أسبوع واحد فقط، فشل بينيت في اختبارين أمام المقاومة الفلسطينية، فلم يجرؤ على السماح لجماعات الهيكل بذبح القرابين في باحات المسجد الأقصى، وتصدى جيشه للمستوطنين ولمسيرات الاعلام ومنعهم من الوصول إلى باب العمود.
نجحت المقاومة الفلسطينية، في الذكرى الأولى لمعركة “سيف القدس”، مرة أخرى، في تثبيت فرض معادلة ” القدس غزة”، بإعلانها أن “سيف القدس” ما زال مشرَّعاً في وجه “إسرائيل”، كما أن صمود أهل القدس وإسناد فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 في معركة الأقصى والقدس شكّلا عنصراً أساسياً في تشكيل ثورة فلسطينية جامعة لكل الساحات الفلسطينية، التي عولت “إسرائيل” على تقسيمها تحت ظروفها المتعددة. وهو أكثر ما أصبح يقلق “إسرائيل”، ويجعلها تخشى تفجر الأوضاع في القدس المحتلة والمسجد الأقصى وسائر المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيها الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948.
شكّلت قوة الردع، التي فرضتها معركة “سيف القدس”، قبل عام، قوة رعب جديدة هذا العام لدى حكومة الاحتلال بزعامة نفتالي بينيت، وهو ما يُعَدّ انتصاراً جديداً يسجَّل للمقاومة الفلسطينية في معركتها المستمرة في الدفاع عن المسجد الأقصى، إذ إن استمرار معادلة “غزة القدس”، بهدوء غزة عسكرياً وتثوير القدس والضفة، والتلويح بمعركة “سيف القدس 2″، أصبحا يشكلان كابوساً لـ”إسرائيل”.
يُثْبت الشعب الفلسطيني ومقاومته، يوماً بعد يوم، أن الإرادة والقوة نجحتا في إفشال حلم مشروع تهويد القدس وحصرها كعاصمة موحدة لـ”إسرائيل”، بل أصبحت الأخيرة عاجزة عن مواجهة ثورة الفلسطينيين وحالة المشاغلة والمواجهة التي تجري مع المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى من جهة، ومع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من جهة أخرى.
أثبتت المقاومة الفلسطينية، في معركة “سيف القدس”، أنها القادرة على تحديد لحظة الصفر للدفاع عن المسجد الأقصى، ونجحت مرة أخرى لتصبح هي المتحكم والفاعل الرئيس في المشهد الإسرائيلي، بصورة عامة، وليس العكس، وخصوصاً أنها أصبحت قادرة على التأثير وتهديد مستقبل الائتلاف الإسرائيلي وجعله في خطر، في وقت ربما يتجنّب نفتالي بينيت خوض غمار معركة عسكرية مفتوحة وشاملة مع المقاومة في قطاع غزة، حفاظاً على استمرار الائتلاف.
انعكست الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس والمسجد الأقصى سلباً على “إسرائيل”، في علاقاتها ببعض الدول المطبعة، بحيث أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون في المغرب بيان إدانة، كما استدعت دولة الامارات السفير الإسرائيلي لديها، واضطرت إلى إعلان الانسحاب من مناورات مشتركة مع “إسرائيل”، كان الاعلام الإسرائيلي كشف عنها مؤخراً.
خلاصة مهمة في المشهد ذاته تؤكد أن حكومة الاحتلال، التي كانت تبادر وتشن حروباً عسكرية مفاجئة على الشعب الفلسطيني، باتت اليوم عاجزة، وتخشى فاتورة أي حرب من مثل هذا النوع وانعكاساتها، في وقت أصبحت تعيش أزمة ومأزقاً غير مسبوقين، وحالة من التفكك والتناحر السياسيَّين بين أقطابها السياسية.
* المصدر :الميادين نت