السياسية:

إنَّ القرن الأفريقي، في موقعه الجيواستراتيجي وأهميته الاستثنائية المتعددة الأوجه والأبعاد، يواجه اليوم تحديات مركَّبة.

يُقصد بالقرن الأفريقي تلك الجغرافيا، التي تضم الصومال وجيبوتي وأرتيريا. وسُميت بهذا الاسم كون جغرافيتها رسمت داخل المحيط الهندي نتوءاً يشبه، من حيث الشكل، قرن “وحيد القرن”، ويُعَدّ بروزاً يابساً لأفريقيا داخل المحيط، يجعلها على إطلالة مباشرة على أهم ثلاثة ممرات مائية، هي المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر.

إلى جانب الجغرافيا، تجمع قبائل صومالية بين الصومال وجيبوتي وأرتيريا، ولهذه القبائل كذلك وجود وتداخل في كل من إثيوبيا والسودان، كما لها فروع أيضاً في كينيا التي يعمُرها وجود صومالي مقدّر. لهذا، صارت هذه الدول ضمن منظومة القرن الأفريقي الكبير، فاعلة فيه اجتماعياً، وثقافياً، واقتصادياً، وسياسياً. وشكّل العامل الديموغرافي المشترك رباطاً بين هذه الدول، عزّزته روابط الجوار والتداخل الجغرافيَّين. ولهذه المنظومة تداخل تاريخي كذلك مع اليمن الذي يجاورها من الشرق، الأمر الذي جعل عمليات التأثير والتأثر بين هذه الدول حقيقة متصلة عبر التاريخ.

أدّت عوامل الموقع الاستراتيجي، والتداخل الديموغرافي، في تفاعالاته الحضارية والثقافية والاجتماعية، والمكنونات الاقتصادية، والتاريخ، دوراً كبيراً في جعل هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية، جلبت لها في حِقَب التاريخ المتعددة المهددات الخارجية والاحتلال والحروب والصراعات، التي لم تتوقف إلا لتبدأ، فكان الصراع الغربي الغربي عليها وفوق أراضيها في حقبة ما قبل الاستقلال وما بعده، وإن تعدَّدت مؤخراً أشكال الصراع، وبدأت تأخذ أشكالاً ربما تكون جديدة ومتغيرة، بحسب المتغيرات الدولية وتبدل موازين القوة.

لقد صنعت العوامل الأربعة السابقة الذكر أهمية استراتيجية لهذه المنطقة. فمن ناحية الموقع الجغرافي، هي تشرف على حركة التجارة بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا. وضمن ذلك العامل هي تشرف على مكامن الطاقة ممثلة بالبترول والغاز الطبيعي في آسيا العربية، في الوقت عينه الذي تزخر أراضيها وبحارها بالنفط والغاز، كما تزخر بالأراضي الخصبة، والمياه الوفيرة التي تنتج الغذاء والطاقة الكهرومائية. وهي أيضاً تشرف على حركة السفن العسكرية الأطلسية القادمة إلى أفريقيا، أو المتجهة نحو الدول الواقعة في قارة آسيا، العربية منها وغير العربية.

كان ذلك من جانب الموقع الجيوستراتيجي، أمّا جانب العامل الديموغرافي، فإن شعوب هذه الدول تعود في جذورها إلى أصول مشتركة، وبينها تداخل عززه التاريخ، ورسخته اللغات والأديان، وخصوصاً الإسلام، كونه يمثّل دين أغلبية سكان هذه الدول، بما يحمله من عوامل وحدة وجدانية وثقافية، وبتأثيره في ألسن قبائل هذه المنطقة ولغاتها، التي أغنتها اللغة العربية، وتداخلت وتفاعلت مع لغاتها الخاصة، فجعل هذا التداخل والتفاعل أكثر من نصف مفردات هذه اللغات عربية أو ذات جذر عربي.

والناظر إلى ثقافة شعوب هذه المنطقة تلفت انتباهه القيم المشتركة التي تربط السكان هناك، وينتبه من أول وهلة لفلسفة اللبس والتزيي والأزياء التي تتشارك فيها الشعوب، كما تتشارك شعوب القرن الأفريقي في أنماط الموسيقى والأنغام والإيقاعات. وحين يسمع أحد أبناء هذه الشعوب أغنية لدولة أخرى يطرب لها ويتفاعل معها، على الرّغم من اختلاف اللغات وتباين الألسن. وتظل الأغنية السودانية، ذات الكلمات العربية والإيقاع المضبوط على السلّم الخماسي، هي القاسم المشترك بين جميع شعوب هذه المنطقة. ومن فرط قدرتها على مخاطبة وجدانهم، يطرب لها من يعرف العربية ومن لا يعرفها، فصارت مبعثاً لطربهم ومساهِمةً في تشكيل وجدانهم، فيحفظونها ويرددونها ويتغنون بها في مناسباتهم الاجتماعية، ويتداول الناس سماعها في الأسواق وفي المركبات العامة، وينبئ كل ذلك – ضمن معانٍ كثيرة – بوحدة الوجدان والمزاج والفرصة المتاحة لزيادة مساحة التثاقف العربي الأفريقي في هذا الإقليم.

ومن ناحية العامل الاقتصادي، تجلس هذه المنطقة فوق موارد اقتصادية مهولة، مثل البترول والغاز اللذين لم يتم الاستثمار فيهما على نحو يتلاءم مع مخزونهما المتحقق منه، كأن الغرب أرادهما مخزوناً احتياطياً لمصلحة أجياله القادمة في المستقبل. ومن الموارد كذلك الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، والمياه التي هي أصل الحياة، وبكل منافعها الاقتصادية كمُدخل رئيس لإنتاج الغذاء والكهرباء، وكمصدر كذلك للثروة السمكية، وبصفتها طرقاً للنقل والمواصلات لا تنافسها طرقٌ أخرى من حيث قلة تكلفتها، وليس بعيداً عن الأمن الغذائي، ثروات هذه الدول من المواشي ومن الغابات، ثم ثرواتها من الذهب والحديد والماس والمايكا واليورانيوم، وغير ذلك من الثروات النادرة.

أمّا من حيث التاريخ، فإنَّ تاريخ أصول الشعوب والقبائل في هذه المنطقة، في دولها المتعددة، تاريخ متداخل يعود إلى آلاف السنين. ومثلما شهد تداخلاً وتصاهراً على المستوى الاجتماعي، شهد حالات من التكامل والتدافع على المستوى السياسي، وحفظ تاريخ العلاقة بين حضارة كوش وممالكها (2500 ق.م. – 350 ميلادية)، وحضارة أكسوم ومملكتها (80 ق.م. – 825 ميلادية) سجلاً حافلاً من علاقات التفاعل والتدافع. واستكملت الممالك، التي جاءت بعد ذلك، مسيرة التكامل والتفاعل والتدافع، بحيث برزت ممالك وسلطنات جديدة امتدّ سلطان بعضها على مساحات واسعة داخل جغرافيا القرن الأفريقي، وتجاوزها جنوباً عبر المحيط، وغرباً حتى منطقة البحيرات العظمى. ومن تلك الممالك والسلطنات سلطنة شوا (127 م – 805 م.)، وسلطنة عدل (805م. – 1543م.)، وغيرهما من الممالك ذات التأثير الإقليمي العميق، والذي ترك آثاره في الثقافة واللغة والمعتقد والقيم والتقاليد حتى الآن. ويمكن اختزال هذا الأثر تحت عنوان البصمة الحضارية التي قامت على ثلاثية الدين الإسلامي واللغة العربية والجذور الأفريقية العربية المشتركة.

ومثلما كان لهذه الممالك أثر حضاري امتد بين شرقي أفريقيا ووسطها، متصلاً جنوباً بالمحيط الهندي، وممتداً غرباً حتى منابع المياه في منطقة البحيرات العظمى، وشمالاً حتى منطقة البجا في الساحل الشرقي للسودان على البحر الأحمر، وشرقاً حتى اليمن وسلطنة عُمان، فلقد كان لهذه الممالك تأثيرٌ دوليٌّ من خلال أدوراها التجارية التي وصلتها بالامبراطورية الرومانية القديمة وبالهند، وكذا تأثيرها المتعدد الأوجه من خلال سيطرتها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. واستمرّت تلك الأدوار حتى تغيرت موازين القوة العالمية، وبرزت الحقبة الاستعمارية، فحولت الدول الغربية، عبر قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، هذه المنطقة إلى منطقة تنافس دولي ظل محتدماً على مدار التاريخ المعاصر.

إنَّ القرن الأفريقي، في موقعه الجيواستراتيجي وأهميته الاستثنائية المتعددة الأوجه والأبعاد، يواجه اليوم تحديات مركَّبة يعود بعضها إلى الصراع الداخلي في كل دولة من دوله، ويعود بعضها إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية القاسية التي يعيشها إنسان هذا الإقليم على امتداده وتعدد أقطاره. ومع كل ذلك، تتنافس عليه الدول العظمى وتتصارع، ويزداد أوار هذا الصراع كلما شعرت دولة كبرى أو عظمى بتعاظم قيمة هذا الإقليم وأهميته، في معادلة القوة الدولية وميزانها. لهذا، هرعت إليه دول كثيرة بحثاً عن موطئ قدم لها، فعملت بعض الدول على توظيف التباينات والتحديات الداخلية في كل قطر من أقطار هذا الإقليم، لتفتح لها باباً يضمن لها تأثيراً في قادة هذه الأقطار وصنّاع القرار ومتخذيه فيها، وأجّجت في سبيل ضمان أعلى درجات التأثير صراعات بين كل دولة وجارتها، فدارت الحروب بين معظم الدول المشكّلة لهذا الإقليم، حتى أحرقت نار الحروب، أو كادت، ماضي هذه الدول وحاضرها.

ومن خلال هذه السياسة، التي تعتمد على العصا “من دون جزرة”، خصصت الولايات المتحدة الأميركية مبعوثاً خاصاً بها في هذه المنطقة، تعثّرت أعماله فاستقال مطلع هذا العام، وعينت بديلاً له فلحق بسلفه بعد ثلاثة أشهر. وأقامت أميركا قاعدة عسكرية كبيرة فيها، اختارت جيبوتي مقراً لها، ثم أقامت قواعد صغيرة أخرى في أكثر من دولة من دول القرن الأفريقي. وكذلك أقام الاتحاد الأوروبي قاعدة عسكرية تشرف على حركة النقل البحرية في المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، وأقامت “إسرائيل” مراكز للتنصت والتجسس الإلكترونيّين في أرتيريا. وإزاء ذلك، أقامت الصين لأول مرة قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، واختارت جيبوتي أيضاً مقراً لها. وتُعَدّ هذه القاعدة هي الأكبر في الإقليم، وكلف تأسيسها ما يربو على ستمئة مليون دولار أميركي، ووضعت فيها عشرات الآلاف من الجنود مزودين بتجهيزات عسكرية متنوعة.

وفي مطلع هذا العام، عينت الصين السفير شيويه بينج مبعوثاً خاصاً للرئيس الصيني في القرن الأفريقي، قام هذا المبعوث فور تعيينه بزيارات لكل دول الإقليم، بحيث زار الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا والسودان وكينيا، بالإضافة إلى زيارة كل من دولتي أوغندا وجنوب السودان. ومن خلال هذه الزيارات تبيّن أن الصين توسع فضاء هذا الإقليم بإضافة أوغندا وجنوب السودان، وتصنع منه وحدة إقليمية كبيرة يمكن تسميتها القرن الأفريقي “الأكبر”.

في أول تصريح له، قال المبعوث إنَّ جهوده ستصوب نحو تعزيز خطة التنمية السلمية للمنطقة، ومساعدة دول المنطقة على تحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار على المدى الطويل، كما أن بلاده ستدعم هذه الدول لمواجهة التحديات ولاتّباع طريق الوحدة وتحسين الذات، كما أنها ستوفر لها منبراً لتسوية خلافاتها بصورة سلمية من خلال التفاوض.

وبعد زيارة المبعوث الصيني للسودان ولقائه رئيس مجلس السيادة، تداول بعض المؤسسات الإعلامية خبراً نُسب إلى مصدر دبلوماسي رفيع، جاء فيه أن الحكومة الصينية قدمت مقترحاً إلى دول القرن الأفريقي، يقضي بتشكيل منظمة تحت مسمى اتحاد دول القرن الأفريقي. ويهدف المشروع إلى قيام اتحاد يعمل على تعزيز التعاون، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، ويتضمن المقترح توحيد العملة وإنشاء خطوط سكك حديد ومواصلات تربط بين عواصم هذه الدول، وإطلاق حرية الحركة بين أجزاء هذا الاتحاد، ليتمكن مواطنوه من التحرك من قُطر إلى آخر بحرية ومن دون قيود. ووعدت بتمويل كل هذه المشاريع، وفي سبيل إنضاج الفكرة واستكمال التفاهم والتوافق عليها، ستعقد الصين مؤتمراً منتصف هذا العام يضم قادة هذه الدول لإعلان هذا الاتحاد.

تربط الصينَ وأفريقيا علاقاتٌ وثيقة، أرادت بكين تعزيزها عبر التعاون الاقتصادي بصفة عامة، والاستثماري بشكل خاص، على النحو الذي جربته في السودان خلال العقود الثلاثة الماضية، وأرادت تطويره وتعميمه في سائر دول القارة، فاتَّخذت السودان مدخلاً لهذه الدول بحكم موقعه وبحكم تأثيره فيها، ونجحت في تعزيز علاقاتها بـ 53 دولة أفريقية من أصل 54، بحيث تخلفت عن هذه المسيرة مملكة سوازيلاند التي ترتبط بعلاقة بتايوان. وطوّرت الصين علاقاتها بأفريقيا انطلاقاً من تلك التجربة حتى بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين أفريقيا نحو 250 مليار دولار في عام 2019، تعمل على مضاعفتها كل ثلاثة أعوالم، بحسب الاستراتيجية الصينية، ووفقاً للتفاهمات القائمة بينها وبين دول القارة التي ترعاها الصين عبر منتدى التعاون الصيني الأفريقي، “فوكاك”، الذي يضم كل ثلاثة أعوام قادة أفريقيا والرئيس الصيني لمتابعة تطور مسيرة العلاقات بينهم.

وفي هذا السياق، توثَّقت علاقات الصين بدول القرن الأفريقي، وأقامت فيها استثمارات كبيرة، وقدَّمت إليها دعماً كبيراً أيضاً، اقتصادياً وسياسياً، وأعفت جزءاً من مديونيتها على هذه الدول وسائر دول القارة، وشرعت منذ بداية هذه الألفية في تأسيس علاقات متعددة الأوجه على الرغم من أن الوجه الاقتصادي هو الوجه الأبرز. ففي دول القرن الأفريقي “الأكبر”، ركزت الصين على منح القروض، وبموازاة ذلك الاستثمار في مجالات التنقيب عن البترول والمعادن، وخصوصاً في السودان وجنوب السودان والصومال وإثيوبيا، ثم الاستثمار في مجال البنى التحتية. وفي هذا المجال، كان التركيز الصيني على الموانئ الجوية والبحرية، فشيدت مطار أديس أبابا الجديد الذي أصبح أكبر مطار في أفريقيا، من حيث السعة، ومن حيث اتساع نطاق الحركة مع كل أنحاء العالم. كما شيدت أكثر من مطار في الصومال، وعملت سابقاً على بناء مطار دولي جديد في الخرطوم. أمّا في مجال الموانئ البحرية، فبنت الصين عدداً من الموانئ البحرية في الصومال وجيبوتي، وشرعت عملياً في ربط هذا الإقليم عبر السكك الحديدية، بحيث بنت خطاً للسكك الحديدية ربط بين جيبوتي وإثيوبيا الدولة الحبيسة، وصاحب ذلك اشتغالها على بناء عدد من الطرق البرية داخل دول هذا الإقليم وبين أقطاره، كأنها في ذلك الجهد تهيئ هذا الإقليم لدور متعاظم في مبادرتها الاستراتيجية، الطريق والحزام.

لن تجد الصين عناءً كبيراً في زيادة حجم حضورها ذي الأوجه المتعددة، لأن الحكومات والأنظمة الأفريقية تنظر إلى الصين نظرة مغايرة لنظرتها إلى الدول الغربية بصفة عامة، والولايات المتحدة الأميركية بصفة خاصة، لأن صحائف تاريخها خالية من السوابق الاستعمارية، ولأن سياسة الدول الغربية قائمة على تحقيق مصالح أُحادية تعود إلى هذه الدول، وليس على قاعدة الشراكة وقاعدة رابح رابح، ثم إنها تتدخل بصورة سافرة جداً في الشؤون الداخلية للدول، وتعمل على صناعة أزمات ومفاقمة أخرى. ومع كل ذلك، لا تتحقق للدول الأفريقية مكاسب من هذه العلاقات التي تأسست فقط على عامل القوة والإكراه، وأدركت الحكومات أن الغرب يريدها تابعاً ليس أكثر.

لهذا، فإن هذا المشروع الصيني سيجد القبول، رسمياً وشعبياً، وخصوصاً أن الحضور الصيني في أفريقيا يُنظَر إليه بمقدار من الترحاب والقبول، ولاسيما بعد النمط الذي اعتمدته الصين في علاقاتها الأفريقية، والذي يحقق استجابة معقولة لمطالب الحكومات الأفريقية وحاجاتها، والذي كان عنوانه التعاون غير المشروط بشروط سياسية.

إن تأسيس اتحاد لدول القرن الأفريقي “الأكبر” فكرة مهمة للغاية. وعلى الرغم من أنه يصنع فرصة في مستقبل زاهر لدول هذا الاتحاد تساهم في إحداث نقلة تنموية مهمة، وعلى الرغم من أنها تحقق للصين أهدافاً استراتيجية تتصل برؤيتها الاستراتيجية التي تُعَدّ مبادرة الطريق والحزام من أبرز مكوناتها، ولأن هذا المشروع يساهم في توسعة نطاق نفوذها في هذا الإقليم ومضاعفة مكاسبها الاقتصادية والسياسية، المحروسة بقاعدتها العسكرية، والاستفادة من الإقليم كونه يمثّل قلب القارة الأفريقية في تعظيم وجودها ومكاسبها فيها، وخصوصاً أنها تمثل مستودع الكون الخاص بالمواد الخام، في كل صنوفها، ولكونها سوقاً ضخمة ذات تعداد سكاني يعادل حجم سكان الصين تقريبا، إذ يبلغ نحو مليار ونصف مليار نسمة.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن لهذا المشروع تحديات كبيرة تواجهه وتقف أمامه. ومن أبرز تلك التحديات قدرة الصين ذاتها على مقابلة استحقاقاته، وخصوصاً تجاه القوى الغربية ذات المصالح التاريخية هناك، وذات النفوذ والحضور الأقدم، وربما الأقوى. وهنا، يبرز السؤال بشأن التوقيت الذي أعلنت فيه الصين هذا المشروع، الذي تزامن مع الحرب الأوكرانية التي استوعبت قدراً من طاقات الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، وما إذا أرادت الصين إنجاز مشروعها في هذه الظروف، التي ربما تجعل الغرب غير قادر بما يكفي على مقابلة حربين في آن واحد، حرب في أوكرانيا، وأخرى سياسية اقتصادية في أفريقيا. ثمة أسئلة أخرى تتعلق بالتحديات داخل كل دولة من دول هذه المنظومة، ستجيب عنها وعن كل الأسئلة الأخرى معطيات المؤتمر الذي سينعقد منتصف هذا العام، ومخرجاته.

* بقلم :محمد حسب الرسول
* المصدر : الميادين نت ـ المادة الصحفية تعبر عن راي الكاتب