إردوغان و”إسرائيل”.. من المصالحة إلى التحالف العسكري؟
ينتظر أن يزور خلوصي أكار "تل أبيب" خلال الأيام القليلة المقبلة، يليه زيارة رجب طيب إردوغان.
حسني محلي*
بعيداً عن اهتمامات الإعلام التركي والعربي والدولي، تشهد العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني تطورات مثيرة قد تجعل من تل أبيب حليفاً عسكرياً استراتيجياً لأنقرة التي يبدو واضحاً أنها تستعد لمثل هذه المرحلة الجديدة، داخلياً وخارجياً. فقد أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو (14 نيسان/ أبريل) أنه سيزور تل أبيب قريباً جداً، ومعه وزير الدفاع خلوصي أكار، بدلاً من وزير الطاقة الذي كان عليه أن يبحث مع المسؤولين الإسرائيليين تفاصيل التنسيق والتعاون المشترك لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي والمصري إلى تركيا، ومنها الى أوروبا، وهو الموضوع الذي قيل إنه يحظى بدعم أميركي، كما هي الحال بالنسبة إلى مشروع نقل غاز كردستان العراق إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، بتنسيق تركي-إسرائيلي مشترك. ويفسّر ذلك الزيارات المتتالية التي قام بها رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان برزاني ورئيس حكومة الإقليم مسرور برزاني إلى أنقرة خلال الشهرين الماضيين فقط، وتمّ خلالها أيضاً مناقشة الدور التركي في تأليف الحكومة العراقية الجديدة.
وعودة إلى زيارة وزير الدفاع خلوصي أكار، والتي من المتوقع لها أن تكون خلال الأيام القليلة المقبلة، وستلحق بها زيارة الرئيس إردوغان إلى تل أبيب، فلا بد من التذكير بالاتفاقية التي سبق أن تمّ التوقيع عليها بين الطرفين في العام 1995-1996. وكان حينها الإسلامي نجم الدين أربكان رئيساً للحكومة، واتفق مع تل أبيب على تحديث طائرات أف-5 وأف-16 ومعها دبابات أم-60 التركية، مقابل المليارات من الدولارات. كما لا بد من التذكير بشراء تركيا (2005) لمجموعة من الطائرات المسيّرة الإسرائيلية، واستخدمتها ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني جنوب شرق البلاد وفي شمال العراق. وجاءت موافقة أنقرة (أواسط 2011) على القاعدة الأميركية جنوب شرق البلاد قرب مدينة مالاطيا، في إطار المساعي التركية لتطوير علاقاتها مع تل أبيب. وكانت مهمة هذه القاعدة هي رصد التحركات العسكرية الإيرانية، وإبلاغ تل أبيب بأي صواريخ إيرانية قد تستهدفها حتى يتسنّى للقبة الحديدية التصدي لها قبل دخول الأجواء الإسرائيلية.
الفتور والتوتر اللذين عانت منهما العلاقات التركية – الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، لم يمنعا أنقرة من تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية التي حققت أرقاماً قياسية لا تتناسب مع مقولات الرئيس إردوغان ضد “إسرائيل”. ولكنها تتفق مع الموقف التركي المتناقض، حيث لم تستخدم أنقرة حق الفيتو ضد انضمام “إسرائيل” إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD (أيار/ مايو 2010) وانضمامها بصفة مراقب إلى الحلف الأطلسي (أيار/ مايو 2016).
التناقضات التركية في العلاقة مع تل أبيب بما في ذلك إغلاق ملف سفينة مرمرة (كما هي الحال في إغلاق ملف خاشقجي) يشبّهها البعض بتناقضات السلطان عبد الحميد الذي قيل عنه إنه لم يتنازل عن فلسطين لليهود في الوقت الذي تثبت فيه الوثائق التاريخية عكس ذلك، حيث قدّم الكثير من التسهيلات لليهود للهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي وبناء المستوطنات فيها.
مع التذكير أيضاً بتلاقي الأهداف التركية والإسرائيلية في سوريا، حيث دعمت أنقرة الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد دمشق في الشمال، وكانت تل أبيب تفعل ذلك في الجنوب بدعم من الأردن ودول الخليج، كما هي الحال للوضع على الحدود مع تركيا، وباعتراف حمد بن جاسم.
زيارة جاويش أوغلو وأكار التي تهدف إلى تحقيق التوازن في علاقات أنقرة مع تل أبيب ودول المنطقة الأخرى بعد المصالحة مع الرياض والقاهرة (سامح شكري سيزور تركيا قريباً) يريد لها الرئيس إردوغان أن تبعد تل أبيب عن نيقوسيا وأثينا، وسبق لهذه الدول الثلاث أن وقّعت على العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والأمني والاستخباري، وكان ذلك تارة برضى ودعم مصريين وأخرى إماراتي وسعودي، في الوقت الذي ستسعى فيه أنقرة خلال الزيارة إلى إقناع تل أبيب بأن لا تعترض على بيع طائرات أف-35 الأميركية لتركيا، بعد اتفاق الطرفين التركي والأميركي حول قضية صواريخ أس-400 الروسية التي اشترتها أنقرة من موسكو قبل عامين، من دون أن تقوم بتفعيلها بعد ردّ الفعل الأميركي.
العلاقات التركية – الإسرائيلية التي يُتوقّع لها أن تشهد قفزة نوعية بعد الزيارة التي سيقوم بها إردوغان إلى تل أبيب، يسعى الطرفان إلى دعمها في شتى المجالات، بما فيها تبادل الزيارات الاستخبارية والإعلامية والأكاديمية ورجال الأعمال، بل وحتى الوفود الدينية في إطار ما يُسمّى حوار الأديان والحضارات المدعوم أيضاً من الإمارات، الطرف الثالث في الحوار والتنسيق، ولاحقاً التحالف التركي – الإسرائيلي.
ويفسّر ذلك وصف إردوغان لما قام به الشباب الفلسطيني بالعمل الإرهابي، ومن دون أن يقول ذلك بحق عمليات القتل والإجرام التي يقوم بها الجيش والأمن الإسرائيليّان يومياً ضدَّ الفلسطينيين داخل المسجد الأقصى. واعتبر ذلك إبراهيم كالين، المتحدث باسم إردوغان، “خطاً أحمر بالنسبة إلى تركيا”، ناسياً أن أنقرة قد نسيت وتناست كل خطوطها الحمر، عندما سلكت كل الطرق والوسائل من أجل مصالحة تل أبيب، بما في ذلك لقاء إردوغان مع حاخامات اليهود. والأغرب من كل ذلك، أن بعض الدول العربية التي تجرّأت وأصدرت بيانات “الاستنكار” لِما قامت به تل أبيب داخل المسجد الأقصى، رجّحت الحديث عن “استخدام مفرط للعنف بحق الفلسطينيين”، كما ورد ذلك في بيان الخارجية العراقية، وتتوقع لها تل أبيب أن تكون البلد العربي الجديد في مسلسل التطبيع، بعد تسلّم جماعة مقتدى الصدر وحلفائه السلطة في بغداد. وهو الاحتمال الذي يجعل من التنسيق والتعاون والتحالف المحتمل بين تل أبيب وأنقرة أكثر أهمية في حال فشل المساعي الإقليمية والدولية لإعادة ترتيب أمور المنطقة، قبل أو بعد الاتفاق النووي مع إيران، ولذلك علاقة بالتطورات المحتملة في الحرب الأوكرانية. فالدور الإسرائيلي في هذه الحرب لا يختلف كثيراً عن الدور التركي، ما دامت لأنقرة وتل أبيب علاقات وطيدة جداً بكييف في جميع المجالات، والأهم العسكرية والاستخبارية، وهو ما قد يتطلب حواراً وتنسيقاً تركيين -إسرائيليين ينعكسان بنتائجهما المستقبلية المحتملة على موازين القوى في المنطقة، وخاصة إذا فشلت المساعي الإقليمية والدولية في إبعاد إيران عن الحدود مع “إسرائيل” سواء كان ذلك في سوريا ولبنان أم عبر باب المندب الاستراتيجي بالنسبة إلى تل أبيب.
ويبدو أنها تستذكر مقولات مؤسّسها بن غوريون الذي قال: “إسرائيل بحاجة إلى ثلاث رئات تتنفس عبرها الأكسجين في محيطها العربي المعادي، وهي تركيا وإثيوبيا وإيران”.
وبخسارة الأخيرة ترى في كسب الأولى والثانية قضية وجودية، منذ أن اعترفتا بكيانها فور قيامه فوراً، واحتفظتا دائماً معه بعلاقات علنية وسرية، مهما كانت شعارات حكامها المتناقضة، كما هي الحال في علاقات أنقرة بحماس، وضَحّت بها بين ليلة وضحاها من أجل الحليف الجديد!
* المصدر :الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع