كيف تعيد ساحة المعركة الأوكرانية تعريف العالم
بقلم: جورج فريدمان
السياسية: ترجمة: انيسة معيض, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”:
من المؤكد أن الحرب في أوكرانيا هي مأساة إنسانية، لكن هذا ليس السبب في أنها استحوذت على اهتمام العالم.
بعد كل شيء، هناك أزمات إنسانية تحدث في اليمن وسوريا ودول أخرى وأنا أكتب هذا.
ومن منظور جيوسياسي، من المحتمل أن تكون الحرب لحظة فاصلة- أي إذا استمرت الوحدة السياسية والعسكرية الأوروبية، مما يخلق نموذجاً جديداً لأوروبا ويعيد تعريف أداء النظام العالمي.
القضية الثانوية هي ما إذا كانت نظرة الصين إلى العالم ستتغير أيضاً لأنها إما ان تسعى إلى تفاهم جديد مع الولايات المتحدة أو تصبح أكثر تباعداً عنها.
لقد خاض الروس حرباً سيئة بشكل مفاجئ حتى الآن في أوكرانيا، لاسيما عندما تفكر في أهدافهم: تأمين أوكرانيا كمنطقة عازلة من الغرب، وإظهار القوة الروسية كقوة لا يستهان بها, وحتى الآن أدت الحرب الى نتيجة عكسية.
في بعض الحالات يمكن التغلب على هذا: ففي أفغانستان والعراق وفيتنام، على سبيل المثال، فشلت الولايات المتحدة في فرض إرادتها واعتبرها البعض قوة في طريق الانهيار.
الفرق هو أن تلك الدول لم تكن ضرورية للأمن الأمريكي, فيما تعد أوكرانيا حيوية بالنسبة لروسيا.
لذا تبحث روسيا الآن عن تعزيزات من سوريا وبيلاروسيا ومجموعة فاغنر وما إلى ذلك.
حتى لو وجدت موسكو مشاركين يرغبون بالمساعدة، فإن الأمر يستغرق وقتاً لنقل القوات، وتعريفهم بميدان المعركة، وإدراجهم في الهيكل القتالي.
إذا نجحت موسكو في القيام بكل هذه الأشياء، فإنها لا تزال تنذر بصراع ممتد وطويل الأمد.
بالنسبة للعديد من المراقبين، تشير الحاجة إلى تجنيد قوات أجنبية إلى فشل القادة الروس، وضعف في تدريب القوات وتحفيزها، ومشاكل لوجستية.
إذا أرادت روسيا أن تخلق إحساساً في أوروبا بأنها يمكن أن تغزوها متى شاءت, وهو أمر لم يكن من المحتمل أن تفعله، لكنه شيئاً كان من شأنه أن يدفع أوروبا إلى إيجاد تسوية مع موسكو أو إعادة النظر في علاقتها مع الولايات المتحدة، فقط في حالة انها قد فشلت.
في الوقت الحالي على الأقل، قربت الولايات المتحدة وأوروبا أكثر من ذي قبل.
القتال المستمر والوحشية التي يبدو أن روسيا تعتقد الآن أنها ضرورية لهزيمة أوكرانيا لا تؤدي إلا إلى تحفيزها أكثر.
من الصعب التفكير في نتيجة بالنسبة لروسيا، باستثناء استخدام أسلحة الدمار الشامل التي تجعل الغرب قلقاً بشأن روسيا كتهديد رئيسي.
وهذا ليس فقط بسبب الأداء الضعيف لروسيا في ساحة المعركة, إن وضع القوة العظمى هو في جزء منه عسكري والآخر اقتصادي.
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في عام 2001 (1.6) تريليون دولار، واحتلت المرتبة 11 عالمياً بعد كوريا الجنوبية.
منذ ذلك الحين، عانت روسيا من تقلب أسعار الطاقة، والأزمة المالية لعام 2008, وكوفيد -19, والعقوبات التي تفرض عليها الآن رداً على غزوها لإوكرانيا.
بعبارة أخرى، لم يعد من الممكن اعتبارها قوة اقتصادية أيضاً وهذا يغير فهمنا للعالم حيث كانت روسيا تعتبر قوة عظمى، بسبب قوتها العسكرية واقتصاد ضعيف.
قبل أسابيع من بدء الحرب، سعت الصين إلى تحالف مع روسيا لأنها كانت بحاجة إلى أصدقاء في مواجهة هيكل التحالف الأمريكي الهائل الممتد من اليابان إلى الهند, وكما ذكرت، ليس للصين حلفاء مهمون، باستثناء باكستان.
أدركت الصين أنها لا تستطيع تقديم الدعم الاقتصادي لروسيا- لديها مشاكلها الخاصة التي تحتاج للتعامل معها- ولكن على الأقل، كانت الصين بحاجة إلى بعض المساعدة، والتي كانت تأمل في تحقيقها من خلال تسخير القوة العسكرية الروسية لإجبار الولايات المتحدة وأوروبا على إعادة حساب التهديد الذي تشكله العقوبات ضدها.
بصرف النظر عن الجانب العسكري، استفادت روسيا من إمكانية الحصول على دعم مالي من الصين، أو على الأقل انطباع للمقرضين بأن الصين تدعم الاقتصاد الروسي.
كان من الواضح أن قدرة روسيا على المساهمة بقوة كبيرة في ساحة المعركة الصينية كانت محدودة، وكذلك رغبة الصين في تبني اقتصاد روسي ضعيف.
لقد كان للتحالف قوة زرع المخاوف لدى من يرغبون أن يخافوا, لا يزال التحالف بشكل بلاغي، لكن ليس هناك احتمال الدعم الفعلي.
لقد تضررت روسيا بالفعل من الإجراءات الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، والصين، في هذا المنعطف الاقتصادي، لا يمكنها تحمل الوقوع في الفخ الذي تعيشه روسيا, وأي دعم عسكري سيتعارض مع العقوبات و سيجعل ببساطة، روسيا مسئولة عن الصين.
أعتقد أن قرار بكين إعلان تحالفها مع روسيا كان قائماً على المعرفة بالغزو الروسي.
جعل هذا التحالف جاذباً للصين عندما اعتقدت أن روسيا قادرة على تحقيق نصر سريع وسهل، وهو نصر من شأنه، من الناحية النظرية، أن يجبر الغرب على إعادة النظر في موقفه بشأن الصين التي يمكنها، ربما, تكرار الإستراتيجية الروسية.
لقد أجبر عدم كفاءة روسيا الصين على بذل كل ما في وسعها للتعويض، وبالتالي فهي بحاجة إلى إعادة النظر في علاقتها مع الولايات المتحدة فهي في حالة ركود اقتصادي حاد ولم يؤت تحالفها مع روسيا أي ثمار، كما أنه من غير المحتمل أن يؤتي ثماره.
طورت الولايات المتحدة وأوروبا نموذجاً للحرب الاقتصادية، إذا تم تطبيقه على الصين، فسيبدو مدمراً للغاية.
إذن، تتمثل إستراتيجية الصين قصيرة المدى في الظهور بثقة، والحفاظ على دعمها الخطابي لروسيا وانتقاد الولايات المتحدة، بينما تفكر في خطوتها التالية.
والجدير بالذكر أن تايوان ليست الخطوة التالية, لقد رأت الصين بشكل مباشر أن الحروب يمكن أن تسوء، وبالتالي فإن غزو تايوان أمر يجب تجنبه في الوقت الحالي.
إذا فكرنا في القوى العظمى في العالم، فإننا عادة ما ندرج الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.
ستواجه روسيا مشكلة في الادعاء بشيء من هذا القبيل ما لم تفعل شيئاً فعالاً بشكل مذهل.
تعتبر أوروبا قوة عظمى إذا تماسكت عسكريا واقتصاديا, إنها تفعل ذلك الآن، ولكن مع تبدد الخوف من روسيا، ستظهر التوترات القديمة.
لا تزال الصين قوة عظمى، وإن كانت ذات جيش غير مختبَر واقتصاد مضطرب, في الوقت الحالي، تظل الولايات المتحدة وحدها عظيمة اقتصادياً وعسكرياً.
- موقع Geopolitical Futures”– جيوبوليتيكل فيوتشر”الأمريكي
- المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع