الخطوط الحمراء اليمنية والحاجات السعودية الثلاث للتهدئة
طالب الحسني*
بات من المؤكد الآن وبعد فشل العروض السعودية للخروج من الحرب في اليمن ، أن الطرف الوحيد الذي يحدد نهاية الحرب وشكل الحل، هي صنعاء وليس التحالف الذي تقوده الرياض منذ2015، وهذا فرز طبيعي وجزء من ترتيبات النتائج التي أسفرت عنها هذه الحرب وهي تدخل عامها الثامن على التوالي 2015-2022.
ما من أحد بمقدوره أن يشكك في هزيمة التحالف “العربي الإقليمي الدولي” في الحرب على اليمن، وهي من المرات القليلة التي يخسر فيها تحالف بهذا الحجم، على الأقل خلال العقود المنصرمة.
لقد أفرزت الحرب أن صنعاء والتكتل العسكري والسياسي والقبلي الذي تقوده حركة انصار الله اليمنية ( الحوثيون ) هو الكاسب الأكبر وهو من يتحكم في مصير الحرب ، ومستقبل اليمن ، بل ويؤثر بدرجة كبيرة على مستقبل السعودية ، ولا نبالغ اذا قلنا أنه يضع تاثيرا كبيرا على المنطقة ، ذلك أن تغيير خارطة التحالفات السياسية مع او ضد الولايات المتحدة الأمريكية لا بد له ان يضع اليمن بموقعها الاستراتيجي باللون المضاد ، والمهم هنا ايضا مع من ، وضد من .
منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 وقبلها أفغانستان 2001 -2002 فإن منطقة الشرق الأوسط كلها تشهد تدافعا عنيفا ليس بين الشرق والغرب مثلما حصل قبل سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990 -1992 بل بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الاوروبيين ومعهم معظم الدول العربية وبين القوى المناهضة لهم في المنطقة.
علينا أن نعترف كعرب أن من قاد هذا التحول هو الجمهورية الاسلامية في إيران، بعد أن اصطفت الدول العربية في المحور الأمريكي الغربي، ساعد في ذلك غرق الولايات المتحدة الأمريكية في الحربين العراقية والافغانية.
شاهدنا انسداد الافق أمام القوة الأمريكية حتى وهي تؤسس مزيدا من القواعد العسكرية في المنطقة ان كان في العراق أو الخليج أو أفغانستان أو حتى في الضفة الافريقية من البحر الأحمر وصولا إلى القرن الأفريقي، إذ أنه مع هذا الاتساع والتمدد العسكري الأمريكي حتى في المساحة التي كان يشغلها الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه ومن بينها جنوب اليمن ، لكنه مني بخسارة كبيرة انعكست سريعا لتحدد مصير الهيمنة الأمريكية، نضج هذا الانهيار في الأوانة الاخيرة بتلك الصورة التي حصلت خلال الانسحاب الامريكي الاوروبي من أفغانستان والتمهيدات الحثيثة للانسحاب من العراق وسوريا وان تأخرت سنوات فهو انسحاب حتمي.
لن أتمدد كثيرا في التفاصيل حتى أعود إلى اليمن من البوابة التي بدأتها ، استعصاء الحرب التي مولتها وشاركت فيها الولايات المتحدة الامريكية وأبرز الدول الأوروبية ، إذ أن نتائج الحرب التي قادتها السعودية والإمارات كوّنت يمنيا معاديا للهيمنة الأمريكية ليتموضع الآن في محور المواجهة.
اليمن الجديد القادم سيخرج من الحرب منتصرا ، هذا يعني الكثير بالنسبة لبلد حرم لعقود من أن يكون له جيش قوي واقتصاد متماسك ، وحرم من ذلك لأسباب تتعلق بما تعتبره السعودية والولايات المتحدة الامريكية حتمية الحفاظ على الأمن القومي الخليجي ، وقد كشف الرئيس الاسبق على عبد الله صالح في 2016 خلال مقابلة مع تلفزيون الميادين امتعاض السعودية حين شاهد الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز عرضا عسكريا احتفاليا في الذكرى العاشرة للوحدة اليمنية ، أي في 2000 ، استجاب صالح لهذه “الضرورات” وبدأ بتدمير الصواريخ تحت اشراف الولايات المتحدة الامريكية في محافظة مأرب شرق اليمن.
ما نراه حاليا، هي خطوط حمراء ترسمها صنعاء امام التحالف اذا أراد ان يتخطى الأزمة:
الأولى: رفع الحصار مقابل وقف الهجمات على السعودية ، وهو ما تؤكد عليه صنعاء إن كان في المبادرة التي اطلقها الرئيس المشاط وانتهت قبل ساعات أو في خطابات السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الأخيرة ’ ورفع الحصار يعني ان تنتهي الاهداف السياسية من الحصار ـ فالهدف ليس التجويع فقط ، بل صناعة ازمة داخلية في اليمن ، تعتقد السعودية أنه يمكن استثمارها ضد حكومة صنعاء
الثانية: سحب القوات الاجنبية، السعودية والاماراتية والامريكية والبريطانية من جنوب اليمن، وان كان هذا الشرط قد يستغرق وقتا ولكنه في المقابلة يشكل ورقة ضاغطة على التحالف وايضا يزيد من شعبية حكومة العاصمة صنعاء، وفي المقابل هو يحرج الاطراف الداخلية المتحالفة مع السعودية، فهؤلاء لا يستطيعون أن يطالبوا ببقاء قوات اجنبية في اليمن.
الثالثة: حوارا مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية كأطراف حرب وليس مع أدواتهم الذين لا يملكون قوة مستقلة قادة على الحرب بمفردها، وبالتالي لا يملكون قرار الحرب ولا قرار السلم .
هذا السقف العالي يتعارض مع حاجات السعودية الثلاث للخروج من الحرب ووقف إطلاق النار ورفع الحصار وسحب القوات التابعة للتحالف المتمركزة في جنوب اليمن.
الحاجة الأولى: إبقاء الحصار كورقة ضغط على صنعاء للقبول بأي مشاورات ” يمنية يمنية ” تضمن للرياض عودة حتى شكلية لبعض حلفاءها، وبالتالي يوفر لها القدر الممكن من الغطاء السياسي لإنهاء العمليات العسكرية والحصار دون الحاجة لإعلان الهزيمة والاستسلام,
الحاجة الثانية: حماية النفط من الاستهداف بالتزامن مع ارتفاع قيمة الطاقة جراء الازمة الروسية الغربية، ويتطلب ذلك إما تهدئة طويلة والذهاب إلى مفاوضات ومشاورات دون أفق زماني إلى حين تنتهي أزمة أوكرانيا ، وليس من المعلوم حتى الآن كم ستستغرق.
الحاجة الثالثة: وقف الاستنزاف في حرب اليمن التي تتجه إلى مسارات مجهولة بالنسبة للسعودية ، والواضح الوحيد فيها، هو عدم القدرة على الحسم العسكري، بيما كان الرهان على الوقت خاطئا ، لقد ساعد لاوقت في تضخم قوة صنعاء عشرات المرات عما كانت عليه في 2015.
* نقلا عن :رأي اليوم