التجارة العالمية: ضوابط الصادرات تفاقم أزمة الجوع وتنذر بكارثة غذائية
السياسية:
قالت منظمة التجارة العالمية إن الحكومات تُخاطر بتكرار الأخطاء في أزمات الغذاء السابقة بفرض قيود على الصادرات وسط تصاعد أسعار السلع والطاقة. وفي مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، حثّت نغوزي أوكونجو-أيويالا، التي أصبحت المديرة العامة للمنظمة قبل عام، الدول على إعفاءات براءات الاختراع للقاحات كورونا، وهي قضية أثارت الجدل منذ إطلاق لقاحات في مواجهة الوباء. وقالت أوكونجو-أيويالا، إن أزمة سلسلة التوريد العالمية ستستمر لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقاً.
وتميزت فترة ولاية أوكونجو-أيويالا بموجات مُتتالية من فيروس كورونا، والتي أدت إلى توقف الإنتاج والنقل، والازدحام الشديد في حركة الحاويات البرية والبحرية، وتمزق أسواق الطاقة والغذاء العالمية بسبب حرب أوكرانيا.
وقالت المديرة العامة للمنظمة: “آمل أن نكون قد تعلمنا شيئاً ما” من أزمة الغذاء العالمية السابقة في 2007-2008، في إشارة إلى فترة تسببت فيها المشكلات في الجفاف في البلدان الرئيسة المنتجة للقمح والأرز، إلى جانب زيادة في تكلفة الطاقة. وأضافت :”العلامات التي نراها الآن لا تظهر أن دول العالم قد تعلمت كثيراً، لأننا نواجه نفس الوضع المتمثل في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع أسعار الطاقة والدوامة الناشئة”.
وأضافت: “يجب أن نحاول عدم تعقيد المشكلات من خلال فرض قيود على الصادرات قد تشجع الآخرين على وضع قيود التصدير الخاصة بهم”. وحثّت حكومات العالم التي لديها مخزون فائض في منتجات مثل الزيوت النباتية والحبوب على طرحها في الأسواق العالمية، على الرغم من أنها رفضت ذكر بلدان معينة.
وقالت أوكونجو-أيويالا، وزيرة المالية النيجيرية السابقة والعضو المنتدب للبنك الدولي، إن نحو 12 دولة فقط من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية فرضت حتى الآن قيوداً على الصادرات الغذائية في ظل الأزمة الحاصلة، وهو ما يُسمح له بالقيام به بموجب ثغرة في قواعد منظمة التجارة العالمية.
ووضعت حرب أوكرانيا ضغوطاً شديدة على منظمة التجارة العالمية كمنتدى تفاوضي، حيث امتدت الانقسامات بين روسيا وتحالف الحكومات الغنية الداعمة لأوكرانيا إلى المحادثات. وأصدرت تلك الحكومات بياناً في منظمة التجارة العالمية يدين موسكو، ومنعت طلب بيلاروس للانضمام إلى المؤسسة وسحبت ما يسمى وضع “الدولة الأكثر رعاية” لروسيا، مما مكّنها من فرض رسوم جمركية أعلى على السلع الروسية مقارنة بالأعضاء الآخرين في المنظمة.
وقالت أوكونجو-أيويالا، إن الحكومات التي تسحب وضع الدولة الأولى بالرعاية تتصرف في إطار حقوقها. وقالت: “من الواضح أنه شيء لا نشجعه، ولكن بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، يمكن القيام به”. وأضافت: “لقد توصّل الأعضاء إلى طرق لمواصلة التفاوض على الرغم مما وصفته بأنه “وضع حساس للغاية”.
وفي أحد التطورات الإيجابية، كانت الحكومات على وشك التوصل إلى اتفاق اختراق للتنازل عن حماية براءات الاختراع للقاحات كورونا بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، من أجل تسهيل الإنتاج في البلدان النامية. إلا أن مسودة الاتفاق التي وافقت عليها مجموعة التفاوض الأساسية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند وجنوب أفريقيا قد تعرضت لانتقادات من قبل شركات الأدوية، كونها تدوس على حقوق الملكية الفكرية، وكذلك من قبل النشطاء الصحيين، لكونها ضيقة للغاية. وسيُعرض الاقتراح على جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية للموافقة عليه، الأمر الذي يتطلب دعماً بالإجماع.
وقالت أوكونجو-أيويالا: “أعتقد أننا يجب أن نتحرك لأن هذا حل عملي”. وأضافت: “علينا أن نتذكر أن منظمة التجارة العالمية هي منتدى تفاوضي، وليس منتدى إملاءات. فهي ليس مكاناً يمكن أن يأتي فيه أحد الأطراف ويقول: هذا ما أريده، فقط أعطه لي”.
وجاءت مسودة الاتفاقية على الرغم من الاختلاف الصارخ بين التعليق الشامل للملكية الفكرية الذي طالبت به في البداية جنوب أفريقيا، وبخاصة الهند، والنهج الأكثر محدودية الذي يدفعه الاتحاد الأوروبي. وقالت: “حقاً يجب الثناء على الوزراء لتخصيصهم الوقت اللازم لذلك”. وتابعت: “لقد تفاوضوا وحاولوا الحصول على إطار لا يفرضونه على أحد، إنهم يقولون فقط أن هذا قد يكون أساساً يمكننا المضي قدماً على أساسه”.
*الازدحام في سلاسل التوريد العالمية
أيضاً هناك القضية الكبيرة الأخرى التي تحاول منظمة التجارة العالمية مُعالجتها هي الازدحام في سلاسل التوريد العالمية، حيث بدأ الازدحام، لا سيما في موانئ الساحل الغربي للولايات المتحدة، في عام 2021 بعد زيادة هائلة في الطلب على السلع الاستهلاكية المعمرة، ومن ثم طال أمد الازدحام بعد تفشي المتحورة “أوميكرون”، والتي أوقفت الإنتاج والنقل، لا سيما في الصين. كما أدّت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الوضع من خلال إغلاق طرق التجارة وحرمان خطوط الشحن من البحارة الأوكرانيين والروس.
وفي العام الماضي، كانت المديرة العامة للمنظمة متفائلة في البداية بأن مشاكل سلسلة التوريد ستُحلّ نفسها بسرعة، لكنها قالت إنها أصبحت أكثر كآبة بشكل تدريجي بشأن القضايا عميقة الجذور.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، عُقدت قمة للرؤساء التنفيذيين لشركات الشحن والخدمات اللوجستية والتجارة. وقالت عقبها: “بعد الاستماع إلى [الرؤساء التنفيذيين]، أعتقد أن هناك مزيداً من المشاكل الهيكلية، مما قد يعني أن بعضاً منها قد يمتد لبعض الوقت”.
وأضافت: “الأمر ليس مجرد ازدحام في الموانئ. إنها مشاكل على الأرض. قالوا ليس لدينا مستودعات كافية، وليس لدينا ما يكفي من سائقي الشاحنات، بالتالي لم تعُد هذه وظيفة جذابة لعديد من الشباب”.
وتطرقت أوكونجو-أيويالا في حديثها إلى انبعاثات الكربون، حيث قالت إن التوجه نحو صافي انبعاثات الكربون أدّى إلى إجهاد النظام من خلال طلب سفن مختلفة، مما أثّر على كمية البضائع التي يمكن نقلها.
*بقلم : كفاية أولير ـ صحافية
*المصدر: اندبندنت عربية ـ المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر الكاتب