إسماعيل المحاقري*

في دوامة من الإخفاق العسكري والسياسي تعيش المملكة السعودية، وعلى أعتاب العام الثامن من الصمود اليماني تتجرع مرارة حربها العدوانية صواريخ باليستية ومجنحة، وطائرات مسيرة تستهدف عصب اقتصادها وشريانها الحيوي تحت مرأى ومسمع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الذي لا زال يغمض عينيه عن مأساة اليمنيين وأزمتهم الموصوفة بالأشد في العالم.  

وفي عملية كسر الحصار الثانية بمراحلها الثلاث على منشآت الشركة النفطية الأكبر في العالم، وبما سبقها وسيتبعها في قادم الأيام انطلاقا من تحذيرات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي كرد عملي على تشديد الحصار وتفاقم أزمة المشتقات، يستوطن الخوف قلوب حكام المملكة والقلق يسيطر على مواقفهم وقراراتهم الانفعالية باتجاه تشديد الحصار وزيادة المعاناة.

ومع انعدام وسائل التصدي والحماية السعودية في ظل التحليق المتواصل للطائرات والصواريخ اليمنية وتوالي ضرباتها، لم تعد بيانات الإدانة والتعهدات الأمريكية بتوفير مزيد من الدعم العسكري ذات قيمة أو تأثير على أرضية النفط، ولا على موازين القوى الميدانية، فالمطلوب من واشنطن اليوم أن تستلم رايتها وتخوض حربها بشكل مباشر ودون أي مواربة.

ولتحقيق هذا الهدف وجد النظام السعودي في أمن الطاقة العالمي والإضطرابات الحاصلة في أسعار النفط،، البوابة الأوسع للعبور إلى ضفاف التعافي الأمني والاقتصادي، ليعلن مصدر في خارجيته إخلاء المسؤولية من أي نقص في إمدادات البترول بدعوى تصاعد ما أسموها الهجمات اليمنية، على أمل جر المجتمع الدولي إلى مزيد من التورط في اليمن، وطمعا في التملص من استحقاقات العدوان وتداعياته.

وخروجا عن المألوف والمعتاد تطلب السعودية من المجتمع الدولي صراحة ودون أي تردد الوقوف بحزم لمنع ما وصفوها الهجمات التخريبية التي تشكل تهديدا مباشرا لأمن الإمدادات البترولية في هذه الظروف بالغة الحساسية في أسواق الطاقة العالمية، وهذا ما عبر عنه أيضا أمين الناصر الرئيس التنفيذي لشركة أراكو في محاولة مكشوفة لوضع العراقيل أمام دعوة الرئيس بايدن لزيادة الإنتاج السعودي من النفط.

وسواء أقرت المملكة بتصاعد قدرات اليمنيين أم لم تقر، فالواقع سيفرض عليها التعايش معها مكرهة ومجبرة، ودون الإسراع بإنهاء الحصار الاقتصادي، ما من شك أن وتيرة عمليات الرد ستتصاعد على المنشآت الحيوية داخل العمق السعودي ضمن بنك أهداف واسع ومركز، وسقف التوقعات بارتفاع أسعار النفط سيظل مفتوحا على كل الاحتمالات وقد سجلت الأسعار العالمية ارتفاعا بنحو ستة في المئة في أعقاب عملية كسر الحصار الثانية مدفوعة أيضابأزمة اوكرانيا.

ومن عناوين المرحلة استنادا إلى تصريحات رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط خلال ترؤسه اجتماعا لحكومة الانقاذ بأن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الحصار لا يبدو أن السعودية تملك أي خيار لدفع المخاطر والتهديدات عنها وهذا ما عاد وأكده وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي بقوله “إن القادم سيختلف شكلا ومضمونا ويكون مرعبا لدول العدوان بكل المقاييس العسكرية التي تتضمنها إستراتيجية معركة التحرر والاستقلال التام والشامل”، فاليمن يضيف وزير الدفاع يتقدم بخطوات واثقة في بناء معطيات عسكرية استراتيجية من شأنها أن تقلب موازين القوى رأسا على عقب وتحقق مفاجآت غير مسبوقة، وتكون الكلمة الفصل لأصحاب الحق والموقف والجغرافيا والإرادة اليمنية والقرار الوطني غير المنقوص.

في الأفق السياسي واستباقا للتحرك الأممي تسابق السعودية الزمن لجمع شتات الوكلاء المحليين في الرياض تحت مسمى الحوار الجامع بين اليمنيين، وهي بذلك لن تغطي على حقيقة دورها الأصيل في العدوان على اليمن، وإن تصنعت ضبط النفس، ولا يمكن بأي حال أن تقنع العالم بأنها طرف وسيط لا ناقة له في الحرب ولا جمل وقد أضحت بين مأزقين الأول وهي تناشد العالم لمساعدتها في دفع الضربات عن شريانها الحيوي والآخر يكمن في عجز الدفاعات الجوية الأمريكية عن التصدي للصواريخ والمسيرات اليمنية وهذا ما لفتت إليه الصحافة الغربية في أكثر من مناسبة.

في هذا السياق وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية سلطت الضوء على البُعد الأمني لعملية كسر الحصار الثانية، وقالت إنها أصابت نفس خزان النفط الذي استهدفته القوات اليمنية قبل عامين في جدة، حسبما أظهرته صور للأقمار الصناعية. وأوضحت أن الخزان كان قد أصيب بصاروخ كروز يمني في نوفمبر 2020، وتبلغ سعته 500 ألف برميل من الديزل، وقد كلف إصلاحه حوالي 1.5 مليون دولار.
مجلة “ناشونال ريفيو” الأمريكية هي الأخرى اعتبرت العملية تطورا خطيرا في تهديد امدادات النفط الحيوية للنفط السعودي، لأنه استهدف مصنع توزيع نفط تابع لأرامكو في جدة، وهو موقع مهم يستهدف الممر الضيق للبحر الأحمر وسيعطل ممر الشحن الحيوي.

ومن الناحية العملية والموضوعية فإن من يملك المعلومة الدقيقة والقدرة على ضرب نفس الأماكن ذات التاثير الاقتصادي لأكثر من مرة رغم بعد مسافته، فإنه قادر على التحكم بموازين القوى وفرض قواعد اشتباك جديدة، وهذه الحقيقة المرة التي لا يريد النظام السعودي ولا الامريكي تقبلها.

ووسط الخيبات السعودية تملك الأمم المتحدة فرصة التوصل إلى هدنة في شهر رمضان المبارك، ودون أن يستجد أي طارئ او محاولة سعودية للاستمثار  من المتوقع أن ترحب صنعاء بالدعوة الأممية شرط أن يترافق أو يسبق الإعلان عنها خطوات بناء الثقة تبدأ بإدخال سفن النفط والغاز للتخفيف من معاناة المواطنين المعيشية.

وفي أروقة السياسة ودهاليزها يدخل اليمن المعترك وفي جعبته الكثير من الأوراق، والرهانات لافشال أي مخطط أو تسوية لا يكون لليمنيين اليد الطولى فيها، تحت قاعدة “الرياض هي المعتدي المأمور أمريكيا على اليمن” ومن يهمه أمنه وحماية الاقتصاد العالمي عليه الدفع نحو السلام وليس صب الزيت على نار الصراع بجديد بطاريات الباترويت الاعتراضية التي وصلت مؤخرا إلى المملكة بعد اشتراط الأخيرة زيادة الدعم الأمريكي لعدوانها مقابل زيادة انتاجها من النفط، وفاقد الشيء هنا لا يعطيه، فلا أمريكا قادرة على تأمين حدود السعودية والاخيرة كذلك صنبور نفطها بيد اليمنيين وتحت رحمة صواريخهم وطائراتهم المسيرة.

* المصدر :موقع العهد الإخباري