إيهاب زكي

“التهديد الذي يواجه أوكرانيا، يشبه التهديد الذي يواجه الكيان الإسرائيلي”، هذا ما قاله الرئيس الأوكراني في خطابه للـ”كنيست”، كما قال أيضاً: “تعرفون ما قالت غولدا مائير، نحن نريد أن نعيش، ولكن جيراننا يريدوننا أموتاً، وهذا لا يمنحنا الكثير من الوقت للتسويات”.

رغم أنّ اللغة التي استخدمها فلاديميير زيلنسكي كانت استجدائية، إلّا أنها كانت تحمل في طياتها النزق الطائش، حيث كرر مراراً بعض التساؤلات، من قبيل لماذا لا تفرضون العقوبات على روسيا؟ لديكم نظام دفاع جوّي فعّال، فلماذا لا تدعموننا به؟ أين مساعداتكم لنا؟ كما اعتبر أنّ ما سمّاه الغزو الروسي خطر على أوكرانيا وعلى “اليهود”.

إنّ استنجاد زيلنسكي بالكيان المؤقت، يشبه استنجاد محتضرٍ بميتٍ إكلينيكياً، حيث إنّ هزيمة زيلنسكي تكاد تكون الإجماع الوحيد بين المعسكرين المتطاحنين، روسيا والناتو، وهو يستنجد بكيانٍ أوهن من حماية نفسه، فرغم وجود الدفاع الجوّي الفعّال حسب زيلنسكي، سارع الكيان لطلب وقف النار في معركة سيف القدس، وهذا تحديداً بسبب فشل نظام الدفاع الجوّي الفعّال، والإثبات مجدداً أنّ القبة الحديدية نظامٌ فاشلٌ ميدانياً.

إنّ زيلنسكي هاوٍ سياسياً، وهو مجرد مهرجٍ وضعته الولايات المتحدة على المسرح، ليؤدي دوره، لذلك من الصعب عليه إدراك المأزق الذي يعيشه الكيان المؤقت، وهو مأزقٌ بين السندان الأمريكي والمطرقة الروسية، والكيان كما حلف الناتو، يدرك هزيمة زيلنسكي العسكرية، الفرق أنّ الناتو يحاول الاستفادة القصوى من إطالة وقت الحرب، بينما الكيان تؤذيه الإطالة كما سيؤذيه النصر الروسي.

يدرك الكيان المؤقت أنّ ألدّ أعدائه في محور المقاومة، يمتازون بعلاقاتٍ متينة مع موسكو، وهي على العكس تماماً من العلاقات مع واشنطن، لذا يعتبر أنّ موسكو قد تكون الملاذ الحصري، خصوصاً بعد إشارات الإعلام العبري للرعب الذي سيطر على أنظمة الخليج، بعد الموقف المتراخي لواشنطن من الحليف الأوكراني، والحقيقة أنّه رعبٌ لم يستثنِّ الأوصال “الإسرائيلية”.

لذا ليس من السهل على هذا الكيان المتداعي، اتخاذ مواقف حادّة التطرف، استناداً للقوة الأمريكية ولأحاديتها، ولا يمكن له الذهاب بعيداً في استفزاز روسيا بوتين، وما وساطة الكيان إلّا دليل على موقف حيادٍ ولو ظاهرياً، وهي بالمناسبة الوساطة التي رفضها زيلنسكي أمام الكنيست بشكلٍ يشبه التقريع، حيث قال “يمكن الوساطة بين الدول، لكن لا يمكن الوساطة بين الطيب والسيئ”.

اللافت أنّ زيلنسكي ينتهج سنّة المطبّعين العرب، حيث يعتقد جازماً، أنّ الطريق إلى قلب واشنطن يمر عبر تل أبيب ” القدس المحتلة “، وهذا يعني قطعاً أنّ زيلنسكي يستشعر الخذلان الأمريكي، والأهم أنّه يستشعر ألّا أفق لتغيير المواقف الأمريكية، وهذا ما يتنافى مع تصريحه بأنّ فشل المفاوضات سيؤدي لحربٍ عالمية ثالثة، حيث إنّ الولايات المتحدة لن تجازف بما من شأنه أن يؤدي لصدامٍ مباشر مع الجيش الروسي، كما يُلح زيلنسكي مثلاً بفرض حظرٍ جوي في الأجواء الأوكرانية.

وبالمقابل فإنّ المطبعين العرب، يحاولون التشبه أو التماهي مع مواقف الكيان المؤقت من الأزمة الأوكرانية، حيث محاولات الادعاء التمايز عن المواقف الأمريكية، وهذا قد يؤشر إلى دخول عصر المظلة “الإسرائيلية” لحماية المطبعين، نيابةً عن مظلة الحماية الأمريكية، وهو المخطط الأمريكي الذي كان قيد التفيذ إبّان العهد الترامبي، وستكون سياسات الكيان المؤقت هي ترمومتر السلوكيات السياسية للكيانات التطبيعية.

لا تستطيع التطبيعيات العربية السير منفردةً بلا سيّد، حيث إنّ وجودها يعتمد على تلك الحماية، فالسعودية مثلاً لا تستطيع وقف عدوانها على اليمن بقرارٍ سعودي محض، بل يجب أن يكون القرار أمريكياً، وكذلك الإمارات، لا تستطيع اصطناع هامش مناورة، دون أوامر أمريكية، لذلك ونحن جميعاً نتابع ما يحدث من فروقاتٍ مفتعلة ومستجدة بين المواقف الأمريكية ومواقف لكيانات التطبيع، علينا أن نلاحظ التماهي في مكانٍ آخر، وهو الكيان المؤقت، وقد تكون الأزمة الأوكرانية، هي التمرين الأول والحي على تكليف الكيان بممارسة الحماية، نيابة عن واشنطن.

المصدر : موقع العهد الاخباري
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من الموقع ولاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع