جزّار المملكة.. قصاصٌ ولو بعد حين
لطيفة الحسيني*
لائحة جرائم محمد بن سلمان تطول.. الظلم داخل الجزيرة العربية بلغ حدًّا غير محمول.. إعداماتٌ هائلة وحزّ رؤوس في يوم واحد طال 81 شخصًا، بينهم 41 من القطيف والأحساء.
المعارك الحقوقية داخل مملكة القمع والقتل لا أمل في حصولها. المُحامون هناك أضحوا سعاة بريد بين المحاكم وذوي المعتقلين. محاكمات سرّية لا يدري بها أحد، لا تفصيلًا ولا موعدًا. فجأة يُدان المتّهم المُعذّب والمُنكّل به حتى الموت، أو يقابل ربّه بلا دفاع أو إثبات لبراءة.
كيف ينظر المُدافعون عن الحقوق والحريات للمهزلة الحاصلة في السعودية؟ وأيّة مقاربة يطرحونها؟ هل الأمور ذاهبة الى الأسوأ؟ رئيسة اللجنة العربية لحقوق الانسان ڤيوليت داغر تتحدّث لموقع “العهد الإخباري” عن جريمة “السبت الدامي”، تصفها بأنها “ليست سوى واحدة من وجبات إعدام تميّزت جميعها بوحشيّتها والتستّر خلف عناوين كاذبة لاقتراف المزيد من الجرائم بحقّ أبرياء مارسوا حقّهم المشروع في التعبير عن رأيهم”.
ما جرى برأيها “خرقٌ لمعاهدة جنيف الثالثة والقانون الدولي الإنساني، خاصة مع إعدام أسرى، وتحديدًا إعدام أسيريْن يمنييْن في المجموعة، فهذان كانا مُدرجيْن على قائمة تبادل الأسرى وجريمتهما الانتماء الى اللجان الشعبية، ما يُعدّ سابقة خطيرة لأن أسرى الحرب يُحتجزون، ولا يُعاقبون أو يُعدمون. لا يجوز للمملكة أن تفعل ذلك بل كان عليها إعادتهما فور انتهاء الأعمال العدائية”.
تُشير الحقوقية البارزة على الصعيد العربي والدولي الى مُشاركة بعض المُعتقلين وهم ما زالوا أطفالًا في احتجاجات شعبية مُطالِبة بحقهم في الحرية والعيش الكريم، وتؤكد أن “اعترافاتهم المزوّرة انتُزعت تحت التعذيب الوحشي وبغطاء محاكمات صورية لفّقت التهم الكاذبة، لتصدر الأحكام الجائرة دون أدلّة تُسندها وبتجريد المتّهمين من الحق في الدفاع عن النفس”.
تعتبر داغر أن “وجود 41 ضحية من القطيف فقط في عداد المعدومين يُبيّن وكأن هناك تصفية حساب وإبادة لفئة من البشر”، وتلفت الى أن “الحادثة برمّتها هي عبارة عن صدمة رعب جديدة في المملكة التي تنام وتصحو على المزيد من سفك الدماء والإفقار والإذلال بتشديد القبضة الأمنية لتأمين انتقال الحكم بقوة الأمر الواقع”.
وإذ تسأل داغر عمّا دفع بابن سلمان لارتكاب هذه المجزرة الجديدة مع هذا الكمّ الضخم من الإعدامات وخطف حياة بشر دون رادع، تجزم بأن “الذي حصل هو تجلٍّ لوحشية تطبع نظامًا من رحمه خُلقت “داعش” وأخواتها وتصدّرت مؤخرًا المشهدية بتكرار ممارسات دموية معهودة في أزمنة سابقة، حتى لو أن ابن سلمان صرح حديثًا في مقابلة صحفية: “يجب أن تكون الأحكام وفق الشريعة السمحاء وليس رأي الملك””، غير أنها لا تستغرب “الاستمرار على هذا النهج طالما الغرب مستفيد من ذلك لوسم الإسلام بالإرهاب”.
إزاء هذا الشطط، كيف تُفعّل الاجراءات الحقوقية الدولية تجاه المضطهدين في المملكة؟ تُجيب داغر بتساؤل مُضادّ “كيف سيحدث ذلك اذا كان المجتمع الدولي يُغطّي هذه الجرائم ويغمض العين عنها ويترك ابن سلمان وغيره يفعل ما يفعله، لأن هناك ابتزازًا من هذه المملكة بسبب ثرواتها ودورها الوظيفي لخدمة هذا المشروع الصهيوني”.
من موقعها الحقوقي، تُطالب داغر بأن “يتمّ تغيير هذا النظام الدولي لأنه أثبت عدم أهليّته وكفاءته وجدواه”، وتُعرب في الوقت ذاته عن اعتقادها بأن “ما حدث في المملكة لن يبقى دون قصاص، ففي شرائح حقوق الإنسان ليس هناك من جريمة تسقط بالتقادم، وسيكون هناك بالتأكيد مُحاسبة ولكن فقط عندما يكون هناك مُتابعة ومُطالبة وتقديم كلّ ما يوثّق ذلك لمحاكم تحترم نفسها، إمّا في الداخل وإمّا في الخارج، لمتابعة هؤلاء المجرمين، ولكن هذا يحتاج لأمم متحدة غير مرتهنة للقوى الكبرى أو للصهيونية العالمية التي تمرّر جرائمها من خلفها”.
تعوّل رئيسة اللجنة العربية لحقوق الانسان كثيرًا على الحراك الداخلي القادر على قلب المعادلة. حسب كلامها، عندما لا يتحرك شعب المملكة للتحرّر والاستقلال من هذا النظام، فالإدانات التي نقوم بها لن تفعل شيئًا، طالما أن القوى الأحادية لا تزال تُساند ما الذي يردع الملك او ابنه. الأمم المتحدة تغطّي وتصمت مقابل الأموال التي تتلقّاها من “البقرة الحلوب”، وبناءً عليه هذه الممارسات ستستمرّ”.
تؤكد داغر هنا أنه “عندما يبدأ الحراك من الخارج، فسيظهر حراكٌ في الداخل حيث سيشعر الشعب بأن الغطاء رُفع نوعًا ما”، وتسأل “هل مصلحة الولايات المتحدة رفع الغطاء عن النظام في المملكة؟”.
وفق نظرتها، عندما يغيب دور الشعوب يفعل الحكّام ما يريدون. الوضع كلّه كما ترى يدلّ على “أننا نعيش في مرحلة مفصلية، والأمل بالتغيير حاضر، ما يعزّز ذلك اليمنيين المحاصرين الذين استطاعوا أن يصدّوا كيْد المُعتدين ويقولوا لهم لا تستطيعون تدميرنا، وكذلك الحال في لبنان مع المقاومة التي ردعت العدو الاسرائيلي العاجز عن استباحة أرضنا وسمائنا”، وتختم بأن “إمكانية استمرار منطق الذئاب المفترسة لن تكون”.
* المصدر :موقع العهد الإخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع