شارل أبي نادر

بعد معاينة ما تم نشره من مشاهد للاستهداف الصاروخي لمركز (اميركي – اسرائيلي) في أربيل، كان واضحًا أنه مختلفٌ عن أغلب الاستهدافات الصاروخية التي كانت تحصل مؤخرًا في العراق، في كردستان أم في بغداد ومحيطها، لناحية الفعالية والعنف، أو لناحية التركيز الدقيق على المقر، والذي أجمعت كل المعطيات والمعلومات أنه مقر أمني تابع للموساد وللمخابرات الأميركية.

هذا لناحية الشكل وطريقة الاستهداف، أما لناحية المضمون والأبعاد المختلفة التي يمكن استنتاجها من الحدث، فهناك الكثير من المعطيات والنقاط المحيطة بالاستهداف، تجعله مختلفًا ومفصليًا، ويمكن أن نحددها بالتالي:

أولًا: إعلان حرس الثورة الإسلامية في إيران مسؤوليته عن الاطلاق الصاروخي، دون أن يعتبره ردًا على الاغتيال الأخير الذي نفذته وحدات جوية إسرائيلية لمستشارين من حرس الثورة في سوريا بل تم اعتباره ردًا على عمليات أمنية – ارهابية كانت قد نفذتها مؤخرًا وحدات الموساد الإسرائيلي في كرمنشاه الايرانية، الأمر الذي يبقي الباب مفتوحًا على عمليات استهداف مرتقبة أخرى ضد مصالح أو مراكز اسرائيلية، ستكون هي الرد على الاغتيال الأخير، خاصة وأن هناك حسابًا مفتوحًا بين إيران و”إسرائيل” في مجال المواجهات والردود وهو لم يغلق حتى الآن.

استهداف "الموساد" في اربيل... شرارةُ مواجهةٍ أم قاعدةُ اشتباكٍ جديدة؟‎‎

ثانيًا: الجرأة التي أحاطت بعملية الاستهداف الصاروخي، مثّلت شجاعة لافتة في الاقدام على العملية بمعزل عن مستوى الاستهداف وقوته، في ظل مروحة واسعة من الظروف والمعطيات التي قد تفرمل هكذا اقدام، من مسار الاتفاق النووي الذي وصل إلى مرحلة حساسة لا تحتمل المخاطرة به، خاصة أن “إسرائيل” تبحث عن أي ثغرة وفرصة لعرقلته، إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي تأخذ بعدًا عالميًا ضبابيًا وخطرًا، قد تدفع بالأميركيين لرعاية اندلاع حرب بديلة في مكان آخر، تضعضع قوة وتماسك الروس مع حلفائهم، وايران هي في مقدمة هؤلاء الحلفاء.

ثالثًا: لناحية القدرة التي ميزت الضربة الصاروخية، بمعزل عن نوع الصواريخ والتي لم يتم تحديدها، وهذه القدرة ظهرت من خلال فعالية الاطلاق وتركيزه الدقيق على الهدف، بكافة الصواريخ الاثني عشر، والتي سقطت جميعها على الهدف ضمن دائرة ضيقة جدًا، اضافة لنجاح كل الصواريخ في تجاوز منظومات الدفاع الجوي، والتي من المفترض أن تكون مفعّلة أو، على الأقل، جاهزة بنسبة كبيرة، لحماية أحد أكثر المراكز المخابراتية الأميركية الصهيونية الناشطة ضد إيران، أولًا في توقيت دقيق وحساس، وثانيًا في بقعة هي الأكثر إمكانية لأن تكون معرضة للاستهدافات الصاروخية.

رابعًا: لناحية النتيجة أو التأثيرات التي فرضتها هذه العملية، والتي قد تكون الأهم من بين هذه النقاط التي يمكن استنتاجها:

لا شك أن ايران، وعبر هذا الاستهداف غير المسبوق (لناحية انه استهداف مزدوج أصاب الإسرائيليين والاميركيين معًا، أو لناحية أنه تجاوز أو وضع جانبًا، كل الخطورة والحساسية التي تحيط بتوقيت وظروف العملية، أو لناحية أنه بدا أشبه بعملية تسلل بين مروحة واسعة من الألغام الإقليمية والدولية المزروعة في كل مكان يحيط بايران وبالمنطقة والعالم) قد أسست لقاعدة اشتباك جديدة بمواجهة الإسرائيليين والأميركيين، فرضتها بجرأة لافتة، وبقدرة مميزة عبر منظومة متطورة من الصواريخ الباليستية، ستبقى هاجسًا وكابوسًا لهؤلاء، وقد تتجاوز تأثيراتها الإستراتيجية تأثيرات الأسلحة النووية التي يجري التفاوض النهائي اليوم عليها.

* المصدر :موقع العهد الإخباري