السياسية – تقرير: عبدالعزيز الحزي

 

باتت الأنظمة الخليجية التي تدور في فلك الولايات المتحدة، كالسعودية والإمارات، والبحرين وغيرها رهينة توجه أمريكي جديد في المنطقة بدأت ملامحه واضحة من عدم الالتزام بالحماية والتدخل الأمريكي المباشر لصالح تلك الأنظمة، بالرغم من المصالح الكبيرة التي تجنيها واشنطن من تلك الأنظمة.

وفي هذه المرحلة بالتحديد، يعتقد الكثير من المراقبين أن ما حدث في أوكرانيا في ظل العملية العسكرية الروسية، وبقاء الولايات المتحدة تتفرج على كييف واقتصارها على فرض العقوبات يؤكد أنها باتت حليفا غير موثوق به.

ويرى المراقبون أن الأنظمة الحليفة لواشنطن وخاصة في الخليج لجأت خلال الفترة الماضية بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بتلك الصورة، الى التطبيع والتقارب مع الكيان الصهيوني بحثا عن حماية لتلك الأنظمة.

ومع التوجه الأمريكي العام الجديد، الذي بدأ في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، واستمر في عهد دونالد ترامب، وصولا إلى عهد جون بايدن، وهو توجه يسعى، إلى تقليص مساحة التدخل الأمريكي المباشر، إلى الحد الأدنى في عدة مناطق من العالم، على رأسها الشرق الأوسط وهو ما بات واضحا أن حلفاء واشنطن في الخليج، باتوا يدركون تماما حقيقة أن واشنطن تتخلى عن حلفائها بسهولة.

في السياق ذاته، ذهب محللون إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أثبتت تخلي الولايات المتحدة عن حماية حلفائها وأن رد فعل واشنطن الضعيف إزاء التدخل العسكري الروسي يرسل رسائل لحلفائها بأنها لن تدافع عنهم حال تعرضهم للخطر.

وسبق أن تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها الأفغان وسحبت قواتها العسكرية من أفغانستان في31 أغسطس 2021م، وانتهى الانسحاب الأمريكي بعد عملية إجلاء جوي امتدت لأكثر من أسبوعين من مطار كابول حيث سادت الفوضى تلك العملية.

ويذكر أن الغزو الأمريكي لأفغانستان جاء تحت ذريعة القضاء على الجماعات التي نفذت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقتل على مدار السنوات العشرين منذ الغزو الأمريكي حوالي 2461 أمريكيا بين مدني وعسكري علاوة على إصابة حوالي 20000 أمريكي في أفغانستان في تلك الفترة.

وسيطرت طالبان على أفغانستان في 14 أغسطس الماضي بعد أن سقطت العاصمة كابل في أيدي الجماعة المسلحة دون قتال، وهو ما جاء استكمالا لسيطرة طالبان على أغلب أراضي البلاد مع بدء الانسحاب الأمريكي.

وفي ظل هذا التوجه سعت الأنظمة في الخليج الى تقارب كبير مع الكيان الصهيوني وبناء تحالف يعوض التخلي الأمريكي ويوفر الحماية لها بدلا عن الحليفة واشنطن، بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهو الحساب الخاسر لتلك الأنظمة، بحسب الكثير من المراقبين.

والمتابع للتطورات في المنطقة يمكنه أن يدرك بسهولة، أن دول الخليج خلال الفترة الماضية سعت الى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وخلق تحالف جديد لحماية كياناتها في المنطقة وهو ما لا ينسجم مع تطلعات شعوبها.

ووقَّعت الإمارات والبحرين اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني برعاية الولايات المتحدة الأمريكية في 15 سبتمبر 2020، وهو ما اعتبره الفلسطينيون، “يومًا أسود في تاريخ العالم العربي”.

وجاءت الخطوة الإماراتية والبحرينية مخالفة لمصالح الدول العربية والإسلامية، ولتمنح الكيان الصهيوني موطئ قدم جديد في المنطقة.

وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت السعودية والإمارات والبحرين وغيرها من الدول العربية في فتح قنوات اتصال مع الكيان الصهيوني سواء كان ذلك بشكل علني أو سري.

وأظهرت السعودية خلال السنوات الماضية العديد من إشارات التقارب مع الكيان الصهيوني، مثل اللقاءات المفتوحة على هامش المؤتمرات، وزيارة المدوِّنين والصحفيين السعوديين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وإقامة علاقات تجارية مع الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليين، وسماح المملكة للطائرات التجارية الإسرائيلية في مجالها الجوي، وغيرها من الإشارات المماثلة.

وإضافة الى ذلك تشير ورقة بحثية إسرائيلية منشورة على موقع “ناتسيف” للدراسات الاستخبارية في يونيو 2020 الى تعاون استخباراتي بين الطرفين، وتطبيع خلف الكواليس وهو الأمر الذي سيسهم في المزيد من العزل للقضية الفلسطينية عن محيطها العربي.

وفي ظل مسلسل انسحابات واشنطن، من مناطق توتر عديدة في العالم، يبقى العنوان الأبرز، بالنسبة لتلك للأنظمة في الخليج الحليفة لواشنطن هو التخوف الكبير من استمرار بقاء كياناتها في ظل عملية الابتعاد الأمريكي عن المنطقة وتخليها عن توفير الحماية لها.

يشار إلى أن كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي تتوفر في دول الخليج، وهو ما جعلها من مركز استقرار للسوق النفطية ومساعدا للاقتصاد الأمريكي.

وتعتبر منطقة الخليج من المناطق الحيوية في العالم حيث يظهر جلياً فيها دور الجغرافية في تسيير الأحداث السياسية وجعلها هدفاً للقوى العظمى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية الساعية دائماً للسيطرة على المناطق الأكثر ثراءً وبسط نفوذها عليها.