ليلى عماشا

* النص التالي ليس تحليلًا سياسيًا، وكلّ تشابه بينه وبين التحليل هو محض مصادفة.

اجتاحت الحرب الروسيّة-الأوكرانية منصّات التواصل ووسائل الإعلام. هذا يحلّل وذاك يدين وفي الزاوية من يفعّل خيار الإسقاطات على المعركة التي تدور بعيدًا عنّا، نسبيًّا.

السيناريو الأميركي نفسه. تتغيّر الإدارات في بلاد الشرّ العابر للقارّات ولا تتبدّل سيناريوهاتها. يتغيّر شكل الحرب وأرضها ولا يحاول الإعلام المتأمرك تحديث أساليبه في التغطية، أو بمعنى أدق في  التعمية. قل هو نقص في الإبداع، أو ربّما هو لجوء إلى الوصفات المجرّبة دون المخاطرة بتجربة وصفات إعلامية جديدة قد لا ترضي الذوق الأميركي.

من ناحية أخرى، على الأرض الافتراضية التي يؤثّثها الناس بالآراء وبالتعليقات وبالصّور، المشهد الذي يأتي تحت عنوان “روسيا-أوكرانيا” مختلف. في لبنان، كان لا بدّ للجمع المتأمرك أن يحشد الصور والكلمات ضدّ روسيا، ليس لشيء سوى لأن “ربّه الأميركي” يستهدفها، تمامًا كما فعل ضدّ سوريا، وضد العراق وضدّ اليمن وضدّ نفسه في لبنان. وبطبيعة الأحوال لا يصحّ الهجوم الإفتراضي على روسيا ورئيسها بدون صناعة مظلومية “أوكرانية” عبر استخدام المشاهد المؤلمة التي تتركها كلّ حرب في الدنيا، بل وعبر استخدام صور لا علاقة لها بالحرب التي تدور الآن: فتارة نجد “عهد التميمي” تحوّلت إلى فتاة أوكرانية تواجه جنديًا روسيًّا، وطورًا نلمح صور قصف غزّة مرفقة بعبارة تشير إلى ليل كييڤ مثلًا.

أمّا في العالم، في أوروبا وأميركا خصوصًا، فالمشهد لا يقلّ نفاقًا وكذبًا، ولا سيّما أنّه معزّز بقرارات عجيبة ضدّ روسيا تصل حدّ الكوميديا السوداء والركيكة في آن، كإلغاء الأدب الروسي من مناهج الجامعات الأوروبية العريقة، أو إزالة الأطباق التي تأتي وصفاتها من المطبخ الروسي من قوائم الطعام في الفنادق والمطاعم. ولم يعد من المستغرب أن نسمع مثلًا بحظر الأسماء ذات الأصل الروسي في بلاد العالم.

وهذا إن دلّ على شيء فعلى سخافة من يريدون عالمًا بلا روسيا، ومن استخدموا أوكرانيا طعمًا عبر رئيس يتحدّر من مهنة التهريج.

الإعلام العالمي الذي صنع لنا، نحن الذين نسمّى دول العالم الثالث، إعلامًا يجتهد في تسخيف كلّ شيء ويحترف الكذب والتضليل ويعمل بكدّ على استغباء الجمهور وتسطيح العقول، أظهر قدرة ريادية في ارتكاب كلّ هذا بوقت قياسيّ في الحرب الروسية الأوكرانية. حتى المحطات والوكالات الصحافية التي ارتبط اسمها بما يسمّيه الغرب زورًا بالصحافة الموضوعية و”المتحضّرة” (وفقًا لمعاييره الكاذبة طبعًا)، أظهرت غباءً واستغباءً اعتدنا متابعته على قنوات كـ”العربية” و”الجزيرة” وظنّ البعض أنّه صناعة غربية تستهدف فقط أسواقنا العربية ليتبيّن أنّه منهج اعلامي معتمد في كلّ الأرض وقد بقي استخدامه خفيًّا في الغرب حتى عاش هذا الغرب حربًا على أرضه، واستهدف مكوّنًا أساسيًّا من أبناء جلدته البيضاء لأن هذا المكوّن القويّ يرفض الخضوع لما يريده السرب الغربي مجتمعًا.

نعود إلى المشهد، حرب تدور في قارة أخرى. ننقسم حيالها كلّ بحسب ما يهوى ومَن، بل كلّ بحسب ما يعادي ومَن. وإن كان يمكن للأحرار الذين ارتشفوا البغض للأميركي ولمصالحه في كلّ مكان عذر لأن هذا الأميركي هو وجه الشرّ العالميّ، فلا عذر لمن رأوا في وجه الشرّ ربًّا يعبدونه، ويميلون معه كيفما مال.

هي الحرب الأولى التي نتابعها من خارج المسافة صفر، على الأقلّ بمعيار المكان. وهو المشهد الأول الذي نراه وندرك أنّه قد جُرّب ضدنا سابقًا، وهي الطبعة الغربية المنقحة للمنهج الإعلامي الذي استخدم ضدّنا طوال أعوام، وبقي فاشلاً.

هي حرب ولكلّ حرب أسلوبها في صناعة الألم، لكنّ الإعلام الأميركي، الأداة الحربية الأحدث، لا تتغيّر أساليبه، مهما اختلف الجمهور ومهما تباعدت ميادين القتال.

* المصدر :موقع العهد الإخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع