احمد عبدالباسط الرجوب

توالت الاستعدادات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، لاستخدام القوة الخشنة وغزو هذا البلد في ظل مصالح موسكو المُهدَّدة في أوكرانيا ورغبتها في إثبات نفسها لاعبا جيوسياسيا، وبالتزامن مع تراجع الردع الأميركي،.. وهو ما آل اليه الحال مع بداية الغزو الروسي المجحفل الى اوكرانيا صبيحة يوم الخميس 24 شباط / فبراير 2022 حيث لا تزال رحى المعارك الضارية بين الجانبين الروسي والاوكراني على اشدها ، وتسابق المحللين والعرافين في استمطار التكهنات الى اين ستنتهي هذه الحرب الضروس في الزمان والمكان..

السؤال المطروح لماذا خاطر بوتين بقلب الطاولة جيوسياسيا واقتصاديا، في حين أنه مستفيد بإبقاء الوضع القائم إقليميا على ما هو عليه ، كلنا يعرف بأن روسيا استولت على شبه جزيرة القرم عام 2014 وحين فرض الغرب عقوبات على روسيا عقابا لها على ضمها جزيرة القرم فإنها لم تترك اثارا عميقة على الاقتصاد الروسي؛ فلا يزال اقتصاد روسيا الكُلي مستقرا. وفي الوقت نفسه، ظلت يد روسيا قابضة على سوق الطاقة الأوروبي عبر خط الأنابيب “نورد ستريم 2″، الذي سيُرسِّخ من اعتماد ألمانيا على الغاز الطبيعي الروسي (برغم اعلان المانيا توقف العمل بهذا المشروع على خلفية دخول القوات الروسية الى اوكرانيا)، وبالتزامن مع ذلك، بين الولايات المتحدة وروسيا محادثات من أجل الاستقرار الإستراتيجي بينهما، إذ التقى الرئيسان بوتين وبايدن في حزيران / يونيو 2021 الماضي في خضم جهودهما لبناء علاقة مفهومة أكثر للبلدين ، وفي السياق وعلى ضوء ما قدمت اليه هناك نطرح الاسئلة التالية:

هل كانت روسيا تعد لهذه الحرب منذ زمن؟

لقد أعادت موسكو بناء وضعها المالي منذ إقرار العقوبات الغربية عليها عام 2014، وتملك في حوزتها 620 مليار دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي، كما أن لها سطوة مُعتَبَرة على أوروبا هذا العام بالتحديد نظرا لأسعار الغاز المرتفعة والنقص المتوقَّع في إمدادات الطاقة. وبينما تتعاظم ثقة روسيا سياسيا واقتصاديا، فإن انتباه واشنطن وتخصيصها مواردها للمنافسة مع الصين لعله أقنع بوتين بأن أوكرانيا الآن بُقعة ذات أهمية هامشية بالنسبة إلى الولايات المتحدة ، أعلنت روسيا وعلى لسان الرئيس بوتين مرارا وتكرارا بأنهم ضاقوا ذرعا بالدبلوماسية، وأنهم يرون اندماج أوكرانيا المتزايد مع الولايات المتحدة وحلف الناتو أمرا لا يُمكنهم السكوت عنه، ومن ثمَّ فإن المسرح مُهيَّأ لروسيا كي تُعيد ضبط الموازين بواسطة القوة، ما لم تتوصَّل مع واشنطن وكييف إلى حل سلمي للأزمة وهو لم يحصل وما ادى الى الغو الروسي الائر حاليا لا احد يتكهن متى ستضع هذه الحرب اوزارها..

وفي ذات الاستعدات الروسية للحرب على اوكرانيا فقد قامت القيادة الروسية على انجاز جملة من الاجراءات لتقوية البنية الاقتصادية والعسكرية نوجز منها ما يلي:

قبل 3 اسابيع من الحرب اعلنت روسيا بانها وقعت اتفاقيات للنفط والغاز مع الصين بقيمة 117 مليار دولار..

انشأت روسيا نظاماً للمبادلات المصرفية خاصّاً بها هو (CIPS) ، تعتمد فيه على 20 في المئة من تحويلاتها المحلية بديلا عن نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت SWIFT) وبرغم ان النظام الروسي غير متكافيء مع السويفت ، حيث يضم السويفت قرابة 11000 مصرف وبنك على مستوى العالم في 200 دولة وارسال 42 مليون رسالة مصرفية يوميا..

في موازاة البند (2) اعلاه ، بدأت ايضا روسيا بالاعتماد على النظام المالي الصيني (CPSF) ، وقد بلغ حجم التعامل به (49 – 50) مليار دولار ، مقارنة مع السويفت العالمي 400 مليار دولار تعاملات السويفت.

تستخدم روسيا حاليا في جزء من مبادلاتها الخارجية العملة الصينية بدلا من الدولار .

تخلصت موسكو حوالي 30% من احتياطاتها المالية والمقدرة بـــ 186 مليار دولار وتحويلها الى العملة الصينية (الايوان) ، وكذلك حوالي 20% احتياطي ذهب (اي ما مجموعة 50% بالايوان والذهب) من الاحتياطي وليس الذهب.

عسكرياً.. النشاط العسكري الروسي في الأشهر الماضية يتجاوز كثيرا دورته التدريبية المعتادة، حيث تحرَّكت الوحدات العسكرية لآلاف الكيلومترات إلى المقاطعة العسكرية الغربية المتاخمة لأوكرانيا، كما أرسلت بقية أفرع الجيش من القوقاز وحداتها إلى شبه جزيرة القرم، وليست تلك بتدريبات اعتيادية، بل جُهد واضح لإعادة توزيع الوحدات والمُعدِّات من أجل عمل عسكري محتمل،وفي خضم الاهتمام العالمي بهذه الازمة الكونية اطلقت روسيا يوم الثلاثاء بتاريخ 15/2/2022 مناورات واسعة النطاق في البحر المتوسط بمشاركة 140 سفينة و60 طائرة، مستخدمة قاذفات وطائرات مجهزة بصواريخ أسرع من الصوت انطلاقا من قاعدتها ( حميم ) الجوية في سوريا على شاطيئ المتوسط ويعد هذا من المؤشرات الدالة على أن منطقة الشرق الأوسط وتحديدا العالم العربي وشمال أفريقيا طوال عقود ظلت ساحات تنافس على النفوذ والمصالح بين الولايات المتحدة وروسيا تتجاذب حولها الأدوار وصراع النفوذ بين القوى الكبرى…

مؤشرات الاستعداد الروسي لهذه الحرب؟

من خلال المتابعات ورصد بعض المؤشرات نستطيع ان نصل الى حقيقة مفادها بان الرئيس بوتين ومطبخة السياسي والاقتصادي قد خططوا بالتجهيز لهذه المعركةمنذ فترة غير وجيزة ، ومما تجدر الاشارة اليه هو التوافق الغير معلن الروسي الصيني على هامش حضور الرئيس بوتين احتفالية الالعاب الاولمبية في بيجين  في 4 شباط / فبراير 2021 ، وهذا لا يعني ان الاتفاق الروسي الصيني وليد اشهر بل هو منذ فترة تمتد الى 20 سنة سابقة فقد وُضع الحجرُ الأساسُ للعلاقات الروسية – الصينية في 5 آذار / مارس 1992، عندما جرى التوقيع على اتفاقية العلاقات التجارية والاقتصادية، والتي شكّلت الأساس القانوني للتعاون بين البلدين. و ما بين عامَي 1992 و1999، وقّع الجانبان على حوالى 100 وثيقة مختلفة تتناول بالتفصيل الصلات الاقتصادية، قبل أن تشهد بداية الألفية الثانية نموّاً واضحاً في تلك العلاقات، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين عامَي 2000 و2009 إلى أكثر من 55.9 مليار دولار أميركي،وتُعدّ الصين أكبر شريك تجاري لروسيا، سواءً من حيث الصادرات أو الواردات، وهذا ما يُعدّ دليلاً إضافياً على حجم التعاون لكلتا الدولتين ، ولبيان مدى الانخراط الروسي الصيني في العلاقات التجارية والتنسيق المشترك بينهما نلقي الضوء على بعض المؤشرات التي يمكن الاستدلال بها على مدى التقارب الروسي الصيني وهى على سبيل المثال ليس للحصر ابتداءً:

بلغ نمو التبادل التجاري بين روسيا والصين خلال عام 2021 نسبة  35.8 % بما قيمتة 146.88 مليار دولار أمريكي.

ارتفعت الصادرات الصينية إلى روسيا خلال الفترة المشمولة بالتقرير بنسبة 33.8 % على أساس سنوي حيث بلغت 67.565 مليار دولار، وزادت الواردات من روسيا إلى الصين بنسبة 37.5 % لتبلغ 37.5 مليار دولار.

بلغت التجارة بين روسيا والصين في شهر كانون الاول/ ديسمبر 2021، 16.44 مليار دولار، وبلغت الصادرات من الصين إلى روسيا 8.136 مليار دولار، والواردات من روسيا إلى الصين 8.306 مليار دولار.

قفز التبادل التجاري بين البلدين من 4.87 مليار دولار في العام 1995 الى 105 دولار في العام 2019 ومن المتوقع ان يصل الى 200 مليار دولار خلال الاعوام 2022 – 2024.

منذ العام 2021 تذهب 9.8 % من الصادرات الزراعية الروسية الى الصين.

وقعت شركة “سويوز فوستوك” لأنابيب الغاز الخاصّة وشركة غازبروم”، اتفاقية لتنفيذ أعمال التصميم والمسح كجزء من بناء خط أنابيب الغاز الذي سيمتدّ من روسيا إلى الصين عبر منغوليا. والكمّية تعادل حجم الغاز الطبيعي الذي تضخه روسيا إلى ألمانيا، أي نحو 50 مليار متر مكعّب من الغاز سنوياً وسيسمح هذا المشروع بإمداد ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى الصين، حيث ستكون شركة “سويوز فوستوك” في منغوليا استمراراً لخط أنابيب الغاز الروسي “باور أوف سيبيريا 2”.

صفوة القول … لم تؤتِ الإستراتيجية الروسية في أوكرانيا أُكلها بحل سياسي مقبول، فبعد حملة انتخابية أبدى فيها رئيس أوكرانيا “فولوديمِر زِلِنسكي” انفتاحا على الحوار مع روسيا، غير انه قلب الطاولة على إمكانية التوصُّل إلى حل مع روسيا قبل عام بشكل وبدَّد آمال روسيا بأن تُحقِّق أهدافها بواسطة الدبلوماسية .. هذا ووصلت المحادثات بين روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا إلى طريق مسدود (اتفاق النورماندي)، ولم تعُد موسكو ترى سبيلا للفكاك من العقوبات الغربية، ومن ثمَّ تبعثرت الجهود السياسية والدبلوماسية في هذا الصدد، في حين تعلم موسكو علم اليقين بأنها نالت مرادها سابقا حين سلكت مسلك القوة، الامر الذي اوعز فيه بوتين بوضع سلاح الردع النووي الروسي على الطاولة وكما قلت في مقال سابق لقد وضع بوتين استراتيجة مكبر الصوت من اوكرانيا … الايام حبلى بالمفاجآت..

المصدر: رأي اليوم

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع