ماذا وراء الغموض الصيني من الحرب؟
العالم يشهد اللحظة الحاسمة في تاريخه.. هل باتت شمس الأمبراطورية الأمريكية على موعد مع الغروب؟ إيران والكيان الإسرائيلي وتركيا تبحث عن مكان.. وأي مصير ينتظر العرب وأي أوراق يمتلكونها الآن؟
السياسية – تحليلات :
هل أشعل الرئيس الروسي حربا عالمية بغزوه المفاجئ لدولة أوكرانيا؟
سؤال بات يردده الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وسط ترقب للقادم المجهول.
اللافت في الحرب التي تدور رحاها في الأراضي الأوكرانية كان غموض الموقف الصيني، حيث يرى المحللون أن الموقف الصيني هو الذي سيحسم الحرب، و يعجل بغروب شمس الامبراطورية الأمريكية.
د. حسن نافعة يرى أن اوروبا والقوى الغربية لم تكن موحدة وراء امريكا مثلما هي عليه الان.
وأضاف أن مصير الأزمة الاوكرانية، وبالتالي مستقبل النظام الدولي كله، سيتوقف على موقف الصين والى أي حد باتت على استعداد لان تلقي بثقلها وراء روسيا.
وأردف: نحن نعيش الآن لحظة حاسمة في تاريخ العالم.
نظام عالمي يلفظ أنفاسه الأخيرة
برأي د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية فإن قضية أوكرانيا قد كشفت عن أن هيكل النظام الدولى الذى بنته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية بما يخدم مصالحها هى وحلفائها الغربيين يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وأضافت أن التباين فى المواقف داخل ذلك التحالف كان شديد الوضوح فى الأزمة بما صار معه من المستحيل على الولايات المتحدة أن تفرض إملاءاتها على الأطراف الدولية الكبرى، مشيرة إلى أن ألمانيا كانت آخر الملتحقين بالموقف الغربى فى قضية أوكرانيا، وظلت فرنسا حتى اللحظات الأخيرة تسعى للتوصل لحل عبر المفاوضات.
وأشارت إلى أن رفض الولايات المتحدة وحلف الأطلنطى تقديم الضمانات الأمنية التى طلبتها روسيا دفع بالأزمة للهاوية، لافتة إلى أن روسيا طالبت بضمان عدم ضم أوكرانيا لحلف الأطلنطى وبالحد من نشر قوات الحلف فى الشرق الأوروبى، والذى يمثل فى الواقع تنفيذًا لما تعهد به بوش الأب لجورباتشوف عشية انهيار الاتحاد السوفيتى.
الغموض الصيني !!
وقالت إن الغموض الصينى المقصود عزز من أزمة أوكرانيا من موقف روسيا، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الصينى عشية بدء الأزمة قال إنه «يتحتم احترام الاعتبارات الأمنية المشروعة للدول». لكن الصين، التى أعلنت مع روسيا فى بيان مشترك قبل أسابيع عن «شراكة بلا حدود»، تحتفظ بعلاقات متميزة مع أوكرانيا. ومن هنا سعت الصين لاتخاذ موقف يحتفظ بتوازن حساس اتضح فى تصريحات ممثل الصين لدى الأمم المتحدة، الذى قال إن بلاده «سوف تستمر فى دعم المحادثات والسلام بطريقتها الخاصة»!
وخلصت إلى أن التحدى الروسى- الصينى المزدوج صار يشكل ضغطًا على السياسة الخارجية الأمريكية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة كانت تستعد لتركيز كل إمكاناتها شرقًا نحو الصين فى إطار الاستراتيجية التى أطلق عليها «المحور الآسيوى»، وهو- برأيها – السبب الرئيسى فى سعى الولايات المتحدة للتراجع فى الشرق الأوسط حتى تكثف من وجودها فى آسيا. وقالت إن الدوائر المهيمنة على صنع السياسة الخارجية الأمريكية صارت تعتبر الصين هى «التهديد الأول» لأمريكا اليوم.
ولفتت إلى أن الوضع فى أوكرانيا صار يفرض على أمريكا ليس فقط التوجه نحو آسيا وإنما تركيز جزء من مواردها وانتباهها نحو أوروبا.
وتابعت: “الواضح أن استراتيجية تطويق روسيا عبر مد قوات حلف الأطلنطى بقوة إلى أوروبا الشرقية، المجال الحيوى لروسيا، هى أهم أسباب الأزمة الأوكرانية الحالية. فروسيا اعتبرت ذلك الامتداد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى بسبب نشر نظم صاروخية من حولها، الأمر الذى جعل انضمام أوكرانيا، المتاخمة لها، للحلف تهديدًا وجوديًا لها. وانفجار الأزمة صار يعنى أن على أمريكا أن تكرس من تحالفاتها ووجودها العسكرى فى أوروبا، وإعادة الحسابات وترتيب الأولويات بما قد يعنى المزيد من التراجع فى الشرق الأوسط للحد الأدنى.”.
واختتمت مؤكدة أن التراجع فى الشرق الأوسط لا يعنى انسحابًا أمريكيًا منه بالمطلق، وإنما يعنى العمل، بقدر الإمكان، عبر وكيل إقليمى، الكيان الإسرائيلي هى المرشح الأول للعب دوره، خصوصًا بعد اتفاقات السلام التى عقدتها مع عدد من الدول العربية مؤخرًا.
خيارات صعبة للعرب
الشاعر المصري فاروق جويدة يرى أن العالم العربى لم يكن فى حاجة إلى انقسامات جديدة، مشيرا إلى أن التدخل الروسى واجتياحه الأراضى الأوكرانية جاء ليضع الدول العربية أمام اختيارات صعبة بين روسيا وأمريكا.
وأضاف أن العلاقات بين الدول العربية، خاصة دول الخليج تحتل مكانة خاصة فى ظل اتفاقيات البترول والدفاع المشترك والمصالح التى امتدت عشرات السنين.. وعلى الجانب الآخر فإن الوجود الروسى حقيقة لا ينكرها أحد، خاصة عندما وقف الاتحاد السوفيتى مع الدول العربية فى قضايا كثيرة مهدت لعودة روسيا إلى علاقاتها القديمة وارتبطت بعلاقات اقتصادية مع عدد من الدول العربية فى صفقات السلاح وبرامج التنمية..
وقال جويدة إن الدول العربية فى حيرة الآن أمام أمريكا وروسيا خاصة إذا امتدت المعارك ولم تحقق روسيا أهدافها من التدخل فى أوكرانيا أو إذا تدخلت أطراف أخرى فى الحرب ووجد العالم العربى أن الظروف تفرض عليه أن يختار.
وتابع قائلا: “إن أكثر من دولة عربية فى حاجة إلى السلاح الروسى وقد تحتاج إلى قطع غيار يصعب توفيرها، كما أن البترول من أهم المجالات التى لا يمكن الاستغناء عنها مع الشركات الأمريكية، ولا شك فى أن هناك دولا لا يمكن تحديد مواقفها”.
وقال جويدة إن إيران تؤيد التدخل الروسى وتركيا ـ رغم عضويتها فى حلف شمال الأطلنطى إلا إنها تعمل ألف حساب لروسيا ـ أما إسرائيل فهى دولة بلا مبدأ وتلعب على كل الحبال، مشيرا إلى أنه وسط هذا كله فإن الثلاثى الكيان الإسرائيلي وإيران وتركيا يريد أن يأخذ مكانا فى ظل النظام العالمى الجديد.
ودعا العالم العربى أن يحدد أهدافه أمام أطماع الآخرين بحيث يدافع عن استقلاله ولا يتحول الى أداة فى أيدى الآخرين..
واختتم قائلا: “إن لدى الدول العربية أوراقا كثيرة يجب أن نحافظ عليها، وفى مقدمتها البترول والموقع والملايين الذين يمثلون قوة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها.. المهم أن تراجع الدول العربية حساباتها ومواقفها بما يحفظ أوطانها وشعوبها.. إن العالم يعيش فترة عصيبة فى خسائرها وتضحياتها وأيضا مكاسبها وأرجو ألا تكون الشعوب العربية من الخاسرين”.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع رأي اليوم