أوكرانيا والمواجهة الروسية الغربية الشاملة
السياسية:
في بداية فبراير (شباط) كتبت مقالة في “اندبندنت عربية” عن سيناريوات الحرب المحتملة في أوكرانيا، وأن هناك أربعة احتمالات يبدو أن اثنين منها تحققا أو على طريق التنفيذ.
أحد السيناريوين كما وصفناه كان عملية روسية شاملة لاحتلال كل أوكرانيا وتغيير النظام في عاصمتها كييف، ووصفت هذا الاحتمال بالصعب لكن ليس بالمستحيل.
وفي سيناريو آخر قدرنا أن موسكو تبغي السيطرة على شرق الجمهورية السوفياتية السابقة وضم الساحل الأوكراني على البحر الأسود بين بحر آزوف وشبه جزيرة القرم، وخلصنا إلى أن هذا السيناريو هو الحد الأدنى للحملة الروسية الذي ما دونه ستخسر موسكو الحرب.
فأي سيناريو هو الذي تحقق؟ الجواب أنه وقت كتابة هذه المقالة أجزاء من السيناريوين تحققت، والأيام والأسابيع المقبلة سوف تروي كامل هذه القصة الدراماتيكية.
من السيناريو الأول، أي السيطرة على مراكز قرار بعيدة من الشرق، زحفت القوات الروسية باتجاه كييف ووصلت إلى ضواحيها من عدة محاور، كما اقتربت من عدة مدن ودخلت بعضها على الجبهة الشمالية.
ومن السيناريو الثاني، أي “سيناريو الحد الأدنى”، حققت روسيا معظم الأهداف، فبعد إعلان الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك دفعت القيادة الروسية بقواتها لتأمين الكيانات المنفصلة، مما يسمح لها بالسيطرة على جزء كبير من الشرق، أما في جنوب البلاد فتقدمت القوات الروسية من القرم وتوسعت في اتجاهات عدة، لا سيما باتجاه ساحل بحر آزوف، مما يعني أن السيناريو الثاني، أي الشرق والجنوب، شبه مكتمل.
إذاً ماذا بعد؟ هل ستتمكن روسيا من تحقيق أهدافها؟ أي من السيناريوات: هل ستنهار الحملة وينسحب الروس؟ هل ستنقسم أوكرانيا؟ ماذا ستفعل الصين؟ هل سينهار النظام العالمي؟ هل ستبقى الأمم المتحدة؟ هل ستتحول حرب أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة؟ هل ستطول المواجهة العسكرية مثل حروب أفغانستان والسودان وإثيوبيا وفيتنام؟ الأسئلة كثيرة ويبدو أن هذه الأزمة مرشحة لكي تطول أكثر مما يتصور بعضهم، فماذا نرى الآن والدخان يتصاعد في السماء الأوكرانية؟
الحرب العسكرية
حتى هذه الساعة تتحرك الآلة العسكرية الروسية ببطء لكن تقدمها مستمر قضماً وهضماً، وبعض اعتبر عدم إسقاط كييف في 48 ساعة فشلاً، ولن نعرف ذلك قبل بعض الوقت.
من دون شك فإن مقاومة الأوكرانيين عامل مهم في تأخير التقدم الروسي، لكن الوضع سيحدده قرار الكرملين بدفع الثمن العسكري وربما المالي لتحقيق أهدافه، فالجيش الروسي لم يضع كل قواته في المسرح، بينما القوات الأوكرانية عبأت كل طاقاتها، فهل تزج موسكو بكل القطع لتحسم الأمر أم تستمر بالسرعة المحسوبة، أي خطوة خطوة لتحقق أهدافها؟
في المقابل، هل ستتمكن دول الـ “ناتو” من تسليح الأوكرانيين؟ وهل بإمكانهم أن يتدربوا على هذه الأسلحة بالسرعة المطلوبة؟ بكلام آخر، المعادلة هي مسألة وقت وثمن بالنسبة إلى الروس، ومسألة تضحيات بالنسبة إلى الأوكرانيين، ومسألة قرارات استراتيجية للحلف الأطلسي.
الـ “بنتاغون” تعتبر أن لروسيا قدرة عددية ونوعية لتحتل كل أوكرانيا، لكنها ستدفع ثمناً باهظاً لتحقيق ذلك، لا سيما إذا سلح الغرب القوات الأوكرانية. إذن القرار الكبير في موسكو لكنه أيضاً بين يدي أصحاب القرار في واشنطن وبروكسيل.
وعلى صعيد “الجبهة الجنوبية” نجحت معظم العمليات البرية والبحرية الروسية لا سيما في محور شمال القرم حيث توسع انتشار المشاة والدبابات الروسية، وكذلك قرب المدن الساحلية في منطقة آزوف، وهي في غاية الأهمية لموسكو، فخليج آزوف نصفه روسي والآخر أوكراني، ومشكلة الروس مع هذا الوضع هي إمكان زيارة السفن الأميركية والأطلسية المرافئ الأوكرانية، وبالتالي الاقتراب من القواعد البحرية الروسية على الساحل المقابل، لذا فأولوية موسكو هي “إقفال آزوف” كلياً وجعله بحيرة روسية كما كان بحيرة سوفياتية قبل العام 1991.
إذن ما أقرب التوقعات الميدانية؟ إذا استمرت المعادلات على ما هي عليه فالروس سيتقدمون على ساحل البحر الأسود ويسيطرون عليه وعلى مرافئه، وسيحسنون أوضاعهم في المنطقة الشرقية ويتقدمون من الحدود الشمالية إلى الداخل الأوكراني، ونقطة الاستفهام ستبقى كييف: هل ستقف القوات الروسية في الضواحي؟ هل ستتراجع؟ هل ستحشد أكثر وتطوق العاصمة؟ هل ستقتحمها؟ سنرى.
اللعبة الدبلوماسية
واشنطن وحلفاؤها يشنون حملة دبلوماسية حادة لعزل موسكو دولياً، وفي الأمم المتحدة مجلس الأمن يتألف من 15 عضواً منهم خمسة دائمون أصحاب حق الـ “فيتو”، وكما فعلت الولايات المتحدة مراراً تفعل روسيا الآن.
الـ “فيتو” الروسي أوقف أي قرار عقابي ضد موسكو، والامتناع الصيني نوع من الاحتياط إذا احتاجت روسيا، ووقوف الهند والبرازيل والمجموعة العربية على الحياد هو تموقع قد يسمح لطرف ثالث أن يساعد في مفاوضات ما.
إذا أرسل مشروع قرار إلى الجمعية العامة عليه أن يحصل على نصف الـ 195 مقعداً زائد واحد، وإذا لم يحصل فتنتهي المبادرة عندها، وإذا حصل الغرب على أكثرية رقمية فيعود القرار للتنفيذ إلى مجلس الأمن حيث بانتظاره الـ “فيتو” الروسي وربما الصيني، وقد تكون المفارقة أن تلعب الصين دوراً خاصاً في تهدئة الأوضاع بين المعسكرين، وبالتالي التوصل إلى لا غالب ولا مغلوب.
العزل الاقتصادي
مما لا شك فيه أن الحملة المتكاملة العقابية التي شنتها أميركا وأوروبا على الاقتصاد الروسي باتت موجعة بقدر أية حملة عسكرية تقريباً، فعزل المصرف المركزي وعدد من البنوك الروسية وفك ارتباط روسيا بالشيفرة المصرفية للتحويل المالي (SWIFT) وانخراط سويسرا على خط المواجهة المالية، تشكل جميعاً حرباً مالية غير مسبوقة في التاريخ، وقد لا يتحمل الشعب الروسي ونخبه الاقتصادية مثل هذا الضغط ويدفعون بالرئيس بوتين إلى التراجع، لكن إذا صمدت روسيا أمام التسونامي فهناك خطر اهتزاز النظام الاقتصادي والقانوني الدولي.
الصراع الروسي الغربي حول أوكرانيا يتزايد يوماً بعد يوم، ويدفع بالعالم إلى المجهول، وأسوأ ما في هذا المجهول تردي أوضاع الناس العادية في كلا الطرفين، أما الأخطر في هذا المجهول فهو انتشار الأسلحة النووية ولو “تكتيكية” على بعض الجبهات، وهو واقع رهيب نأمل بأن لا يسمح به العقل البشري، وإلا فلا حول ولا قوة إلا بالله.
* بقلم : وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندنبدنت عربية ولاتعبر عن راي الموقع