السياسية:

* بقلم : أماني الطويل – كاتبة وباحثة

بد من النظر في سلة حصاد الأفارقة منها، فهل حصلوا على ما يساوي مستهدفاتهم من هذه القمة السادسة من نوعها على مدى ما يزيد على عقدين، أم أن الأوروبيين كان حصادهم هو الأهم والأكثر كسبا؟

الملاحظة الأساس التي يمكن سوقها هنا أن العلاقة التعاقدية التي تم الاتفاق عليها بين أوروبا وأفريقيا مع القمة الأولى في القاهرة عام 2000 تم اختراقها، إذ لم تعقد القمم المشتركة كل ثلاث سنوات، كما كان مقرراً، ذلك أن القمة الثانية لم تعقد إلا عام2007 في لشبونة والثالثة في العاصمة الليبية طرابلس عام 2010، والرابعة في بروكسل عام 2014، ثم قمة أبيدجان 2017، وأخيراً قمة باريس بعد خمس سنوات.

وربما يكون من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على مسارات القمم السابقة ونتائجها، ذلك أن قمة القاهرة سعت إلى تدشين مبادئ الشراكة بين الطرفين على أن يكون الفاعل غير الرسمي هو محورها، أي أن تلعب الحكومات مجرد دور هامشي في دعم الحوار والمبادرات بين الأطراف غير الرسمية، ولكن تبلورت رؤى أكثر تقدماً في قمة لشبونة لتؤسس وثيقة للشراكة الاستراتيجية في ثمانية مجالات، يأتي على رأسها قضايا السلم والأمن والتعاون الإقليمي.

أما قمة أبيدجان عام 2017 فقد عقدت تحت شعار “الاستثمار في الشباب من أجل مستقبل مستدام”، كما احتلت قضايا الإرهاب والهجرة وتهريب البشر مساحة كبيرة في جدول الأعمال، بالتزامن مع تنامي الإرهاب في أوربا وتصاعد أرقام المهاجرين إليها، حيث تمكن أكثر من مليون لاجئ ومهاجر من دول أفريقيا والشرق الأوسط من الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، ولعل هذه الحال هي ما دفعت إلى أن يكون تأهيل الشباب وقدراتهم على المستويين التكنولوجي والمهني، وكذلك محاربة الهجرة غير الشرعية، هدفين ممتدين من قمة أبيدجان إلى قمة باريس عام 2022.

أما المكسب الواضح والواقعي للأفارقة من قمة باريس الراهنة فهو في القطاع الصحي، إذ تم اعتماد عدد من العواصم الأفريقية كمراكز لتصنيع اللقاحات ضد فيروس كورونا، وهي كل من مصر وتونس وجنوب أفريقيا وكينيا والسنغال ونيجيريا، لتمكين القارة الأفريقية من إنتاج لقاحاتها الخاصة لمكافحة وباء كورونا وأوبئة قد تكون في الطريق كما يحذر راهناً بيل غيتس.

 وبطبيعة الحال ستكون هذه المراكز أيضاً مؤهلة، ربما في فترة قصيرة، لإنتاج علاجات الوباء الذي تم الإعلان عن نجاح الاختبارات المعملية عليه، ولكن ستبرز هنا معارك نقل براءات الاختراعات ومدى موافقة الشركات عليها، وهل يمكن أن تقدم الحكومات الغربية تعويضات مالية للشركات عن إعلان براءة اختراعات أساس لسلامة الإنسانية؟

إذاً المكسب الأفريقي مازال منقوصاً في ضوء الرفض الأوروبي بامتلاك الأفارقة براءة الاختراع لتصنيع اللقاحات، كما طالب بذلك رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا خلال القمة الأفريقية – الأوروبية، إذ تم الاتفاق على عقد اجتماع بهذا الشأن بعد ستة أشهر، بينما تم تقديم تعهد أوروبي بتكثيف المجهود للتطعيم في أفريقيا بمقدار نصف مليار جرعة لقاح تقريبا قبل حلول فصل الصيف.

وربما لا يمكن النظر إلى المكسب الأفريقي من دون بيان المصلحة الأوروبية فيه، وأيضا المصلحة العالمية، ذلك أن الأنانية الغربية في حرمان دول العالم الثالث عموماً من اللقاحات نتج منها أن متحورات كورونا كان موطنها العالم الثالث، حيث أنتجت جنوب أفريقيا متحورتين آخرهما “أوميكرون”، بينما أنتجت أميركا اللاتينية متحورة “دلتا”.

وقد تكون منظمة الصحة العالمية ورئيسها الإثيوبي أدهانوم غيبريسوس لعبا دوراً محورياً في تأسيس مركز المنظمة للحمض النووي الريبوزي الذي هو تقنية متطورة تستخدمها شركات مثل “فايزر- بيونتك” و”مودرنا” في إنتاج لقاحاتها الواقية من “كوفيد-19″، وذلك بعد إقدام الدول الغنية على تخزين اللقاحات، والشركات على إعطاء الأولوية للحكومات التي يمكنها دفع أعلى سعر، مما يجعل الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط في ذيل قائمة الانتظار للحصول على لقاحات “كوفيد-19”.

* ماذا يتوقع الأفارقة من اجتماع نادي باريس؟

كما قام الأوروبيون بشكل جماعي بإعادة توزيع13  مليار دولار من حقوق السحب الخاصة الأفريقي في شأن مكافحة الوباء، وذلك من أصل 55 مليار دولار أعادت الدول الغنية تخصيصها على مستوى العالم للقارة، وهو أقل بكثير من هدف100   مليار دولار الذي طالب به الاتحاد الأفريقي للتخفيف من تأثير الوباء، وهي نتيجة اعتبرها عدداً من القادة الأفارقة والمنظمات غير الحكومية غير كافية.

نقاط الخلاف بين الجانبين الأفريقي والأوروبي كانت واضحة على امتداد سبع موائد مستديرة تمت هيكلتها لتستوعب نقاش القضايا بشكل جاد بين الخبراء بعيداً من الأشكال الخطابية التي يمكن استخدامها لإبراء الذمة، خصوصاً من جانب القادة السياسيين الذين تكون مساهماتهم في مخططات للعمل التفصيلية مفقودة.

ملف محاربة الإرهاب تسيد النقاشات الأفريقية – الأوروبية، ذلك أن الانسحاب العسكري الأوروبي من مالي له انعكاسات واضحة على قضايا الأمن الأفريقي بشكل عام، وهو ما أشار إليه رئيس الاتحاد الأفريقي ماك سال رئيس السنغال، مشيراً إلى “عدم وجود بدائل واضحة جاهزة يمكن أن تواجه تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة دول الساحل الأفريقي”، بينما كانت الأغراض الفرنسية من القمة بعد انسحابها من مالي هو “أن تكون معركة محاربة الإرهاب في أفريقيا شأناً أوروبياً مشتركاً بعد أن ارتفعت فاتورة كلفه على باريس مالياً وعسكرياً”.

المنظور الأوروبي إزاء مسألة تحمل الأعباء جاء مخيباً للآمال، وربما يرجع ذلك إلى أن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أكد “أن أوروبا لن تكون قادرة على مساعدة أفريقيا، بينما يسود فيها عدم الاستقرار وانعدام الأمن”، مشيراً في ذلك إلى الانقلابات العسكرية والنزاعات والإرهاب والإتجار بالبشر والقرصنة التي تجتاح القارة الأفريقية وتؤثر في أوروبا سلباً.

ويبدو وزير خارجية الاتحاد الأوروبي متجاهلاً في هذا الأمر لدور الشركات العابرة للجنسية ذات المنشأ الأوروبي في الحصول على الموارد الأولية بعوائد غير عادلة على المستوى الاقتصادي، وهو ما ينتج أوضاع الفقر المدقع والقائدة إلى عدم الاستقرار السياسي، ودعم قدرات التنظيمات الجهادية في التوسع في عمليات تجنيد البشر المعوزين.

فكرة الحصول على الموارد الطبيعية الأفريقية من الجانب الغربي عموماً والأوروبي خصوصاً بلا عوائد عادلة طرحها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في “قمة إيجبيس”، وهي قمة للطاقة عقدت في القاهرة قبيل عقد القمة الأوربية – الأفريقية، وتم تكرارها من جانبه في باريس بالتوازي مع طرح منظور مصري لمحاربة الإرهاب يقوم على التعاون الأوروبي مع الدول ذات القدرات العسكرية في أفريقيا بشكل فعال، بعدما أفسدت باريس للقاهرة مجهوداً في هذا السياق عام 2015، وتدخلت بمقاربة”G5”  وهي مقاربة قائمة على تكوين قوة عسكرية من خمس دول أفريقية هي تشاد ومالي ونيجيريا والنيجر بوركينا فاسو، وكانت بتمويل جزئي خليجي، ولكنها أيضاً مقاربة لم تثبت نجاحاً على مدى خمس سنوات.

الدول المنافسة لأوروبا في أفريقيا كانت الغائب الحاضر في هذه القمة، وأبرزها الصين وروسيا، وبطبيعة الحال لم يتم التداول علناً في مسألة تغيير توازنات القوى في القارة السمراء، ولكن قد تكون الأساليب الأوروبية لمواجهتها تبلورت في سياق مغاير للماضي، فبعد أن كانت هناك شروط غربية لتقديم المنح والمساعدات لأفريقيا، ممثلة في إعادة الهيكلة على الصعيد الاقتصادي ودعم التحول الديمقراطي بأساليب خشنة أحياناً، تغيرت الاستراتيجيات الأوروبية لحد الانقلاب تقريباً لتكون مماثلة للمنهج الصيني في عدم التدخل، ذلك أن رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين أعلنت استراتيجية شاملة للاستثمار في أفريقيا بقيمة 150 مليار يورو على مدى سبع سنوات لأفريقيا، وتم الإعلان “أن هدف هذا التمويل هو مساعدة مشاريع يريدها الأفارقة وينفذونها من أجل تغيير اقتصاداتهم”، طبقاً للاختيارات الأفريقية، إذ “لم يعد من الوارد أن نقول لهم ما يجب عليهم فعله، وهذا هو الوضع الجديد في الشراكة”.

الموقف الفرنسي في القمة اتخذ أسلوباً مغايراً نسبياً، إذ قال الرئيس الفرنسي “إن أولويات هذا التمويل الأوروبي ستوجه لقطاعي الطاقة والبنية التحتية بشكل أساس”، وهما قطاعان متوافق عليهما أوروبياً باعتبار أنهما أحد أهم أعمدة خطة الاتحاد الأفريقي للتنمية 2013 – 2062.

الإعلان الختامي للقمة الأوروبية – الأفريقية أكد استمرار الشراكة بين المنظمتين الإقليميتين الأهم في النطاقين القاريين، الاتحاد الأفريقي ونظيره الأوروبي، لكن يبدو لنا أن هذه الشراكة لن يكتب لها النجاح إلا على أسس العدالة وعدم الاستغلال، وذلك بتوافر إرادة سياسية أوروبية في مغادرة المتحورات الاستعمارية بكل أشكالها، وإنتاج علاقات تعاونية من أجل مجال مشترك أكثر عدلاً واستقراراً، يظلله أمن إنساني جامع أصبحت البشرية تتوق إليه.

* المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر الكاتب
* المصدر : اندبندنت عربية