بسام أبو شريف*

تحتل كلمة دقيق مكانا استراتيجيا في اللغة السياسية هذه الايام فالدقة مطلوبة في حسابات المعارك الاستراتيجية والتكتيكية هذه الايام وهذه الايام مشبعة هي بالخطط والحروب اللفظية والحروب التي يمكن ان نتخيلها على الاجهزة الالكترونية بفاعلية كبيرة دون اطلاق نار وكلمة دقيق تنطبق ايضا على التكتيكات السياسية والاستراتيجيات السياسية والاعلامية التي نشهدها هذه الايام في سباق ومعترك واشتباك وفض اشتباك على جبهات كثيرة قد تشمل العالم باجمعه .

لكن اللحظات التي نمر بها اكسبت كلمة دقيق ذات معنى كبير وتاثير كبير وربما تداعيات كبيرة على صعيد احداث منطقة الشرق الاوسط .

لنبدأ الحساب حساب الشرق الاوسط في ظل الصراع الاستراتيجي الاميركي الروسي:

اولا: المعارك التي خاضها بايدن ضد روسيا والمؤامرات التي حاكها والخطط التي رسمها خبراؤه كانت باغلبها خطط دقيقة الصنع اعلاميا واستهدف بايدن وفريقه من هذه االمعركة الدقيقة الصنع استهدف تركيع اوروبا بشكل كامل للرغبات والاملاءات الامريكية وفي الوقت ذاته تحقيق اكبر كمية من الربح من الدولارات التي يحتاجها بايدن في تمويل خططه الداخلية التي تقوم حكومته الآن بمواجهتها مواجهة الصعاب اذ أن الكنغرس يصرف للحكومة الامريكية موازنتها شهريا ولم يقر لها الموازنة بشكل عام وبرز خلال تلك المعارك الاعلامية السياسية معركة لم يكن بايدن يحسب حسابها وهي ارتفاع اسعار النفط في العالم مما سبب نتائج لو يكن يتوقعها بايدن فزادت مكاسب روسيا بعشرات المليارات من الدولارات من ريع النفط وبنفس الوقت ارتفع سعرالبرميل حتى كاد يلامس المئة دولار وكانت قمة تلك المعارك زيارة المستشار الالماني لروسيا ولقائه الشهير مع الرئيس بوتن لقد اوقع بايدن في فخ الهدوء والاطمئنان والاصرار والتصميم على مطالب روسيا وفي الوقت الذي لعَبت به مناورات خطط لها بوتن في بلاروسيا وفي القرم وعلى الحدود الاكرانية في الوقت الذي لعبت فيه هذه دورا في اشعال هستيريا في البيت الابيض مما جعلها تطمئن الى ان خططها سارت في المسار الذي خطط لها ووقعت في الكمين الذي نصبه لها بوتن وفكه في زيارة المستشار الالماني لموسكو فبوتن لم يعط اي رئيس او زعيم اوروبي ما اعطاه للمستشار الالماني وهنالك مصالح مشتركة بين روسيا والمانيا عنوانها خط الغاز الذي كلف كثيرا تلك الدول التي بنته ومر في اراضيها وكذلك اعتمدت عليه المانيا واوروبا اعتمادا كبيرا في مستقبل حسابات الطاقة الاوروبية اعلن بوتن في اللقاء اكثر من مرة ان المانيا تعتمد في الطاقة على روسيا بمقدار الثلث لالمانيا فقط اي ان المانيا تعتمد في ثلث ما تنفقه من طاقة على ما تستورده من روسيا من نفط وغاز وهذا يعني ان اعتماد المانتا على روسيا اعتماد كبير وهذا يعني ايضا في وجهه الآخر ان بحث اي سلام في اوروبا واستقرارلا يمكن ان يتم الا بمشاركة روسية وهذا ما اعلنه المستشار الذي كان قبل لقاء بايدن وتلقى كل التحريض من بايدن ليشعل ويبقي المعركة مشتعلة مع بوتن واذا بالمستشار يقول ان المنطق يقودني الى القول بان الطريق نحو السلام دبلوماسيا غير مسدود وان الحوار مع روسيا حول طمأنتها لامنها هو امر ضروري وان امن اوروبا لا يمكن ان يبحث او يقرَر دون مشاركة روسية فاعلة تبنى مستشار النانيا الموقف الروسي دون ان يقول ذلك وكان بهذا يجيب على تحريض بايدن من موسكو بان الاوروبيين قرروا الحوار مع موسكو لبحث تنفيذ اتفاق منسك وبحث متطلبات الامن الروسي كما تراها موسكو وهي محددة بعدم انضمام اكرانيا لحلف النانو وفي الوقت ذاته بعدم نشر الصواريخ المهددة لروسيا وفي اراض تعد جوارا لروسيا الاتحادية ، هذه حسابات دقيقة تاتي ضمن اشتعال المعارك البلوماسية الاعلامية السياسية والتي سخنت كثيرا بما ارسل من سلاح لاكرانيا وما ارسل من مساعدات مالية لاكرانيا وبما حرضت عليه اكراتيا فبايدن استخدم اكرانيا اداة من اجل استفزاز روسيا وايضا استخدمها من اجل جلب مزيداّ من الدخل من خلاال ابتزاز الاوروبيين وانهاك الروس في معارك لم تقم حقيقة ولم تشتعل حقيقة ولكنه مثلت كلها في الاجهزة الالكترونية على شاشات الاعلام والسياسة والتصريحات والزيارات المتبادلة.

ثانيا اللفظ (الدقيق ) خلال تلك المعارك التي نشبت بين البيت الابيض والكرملن فوجيء البعض بان لافروف وزير الخارجية الروسي الذي كان منهمكا في تلك المعركة ابرز بالرغم من كل التفاصيل المتعلقة باكرانيا والحشود والتهديدات والمناورات والتدريبات ابرز موضوع الاتفاق النووي الايراني وموضوع الشرق الاوسط واعلن لافروف ان الاتفاق حول اعادة احياء موضوع النووي الايراني بات وشيك الوقوع وان ايران تقف موقفا ايجابيا وواضحا وانه يؤيد الموقف لايراني ثم تلا ذلك تصريح له ندد فيه بالغارات الاسرائيلية على سوريا والاهداف السورية وقال ان هذا خرق واضح لسيادة سوريا لا تسمح به موسكو كان شويغو منهمك كل الانهماك بالاشراف على مناورات معقدة في بيلاروسيا شاركت فيها روسيا باسلحة حديثة لم يراها الغرب من قبل ومناورات في جزيرة القرم ضمت اكثر من ثلاثين الف جندي روسي واسلحة جديدة واسطول في البحر الاسود واسطول في البلطيق وغيرها من المناورات والتدريبات كان منشغلا جدا وفجأة نرى شويغو يطير الى سوريا الى قاعدة حميميم ليراقب مناورة وتدريبا خاصا اجرته ثلاثين سفينة وثلاثين طائرة في تلك المنطقة التي تعدها الكرملن اعدادا استراتيجيا لمعركة قادمة واستقبل الرئيس الاسد وزير الدفاع شويغو في منطقة قريبة من حميميم وتحدث معه حول الاستراتيجية المستقبلية وجاء شويغو الى سوريا تحت عنوان مراقبة التدريبات التي تجريها الميج 31 والسفن الجديدة التي تحمل صواريخ جديدة وشبكة دفاعية جديدة متقدمة جدا جاء ليراقب ذلك ولكن في الحقيقة ومن اجل الدقة جاء ليدشن مرحلة جديدة في التصدي لعدوانية اسرائيل وغير اسرائيل وقد اعلن بوضوح ان روسيا سوف تتعاون وتدعم سوريا كل الدعم الى ان تتحرركامل الارض السورية تحررا كاملا وتعود السيادة السورية كاملة على كامل ارضها .

هذا الاعلان موجه للولايات المتحدة وموجه لاسرائيل وموجه لتركيا وموجه لكل الدول التي تشارك فيما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب الذي يتخذ من ذلك ذريعةلااحتلال الارض السورية ونهب ثرواتها النفطية والغازية من شمال شرق الفرات لكن “الدقة والدقبق” يتطلب منا ان نقول ان شويغو جاء ليتاكد من فاعلية الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت واستخدمت في التدريبات التي جرت في البحر المتوسط قبالة طرطوس وجاء ليختبر الذخيرة الجديدة للميج 31 والتي هي ادق ذخيرة صنعها الروس حتى الان واثبتت فاعليتها وجاء ايضا ليجرب تلك الشبكة القادرة من حميميم لتغطية كل الساحة السورية من اجل التشويش على اية ضواريخ تطلق على سوريا او اية ذخيرة مدمرة متقدمة ودقيقة يرسلها الاعداء لتقتل ابناء سوريا وجنود سوريا .

هذا التحدي هو ايضا من باب الدقيق اسلحة جديدة دقيقة تحمل في طياتها قدرة على منع صواريخ الاعداء من الوصول لاهدافها وتحمل في الوقت ذاته الرد الذي يمكن استخدامه ردا على تلك الاعتداءات وهذا تدشين لمرحلة جديدة ومعادلة جديدة وعلى اسرائيل ان تتوقع الان ان اية ضربة توجهها لسوريا سوف يليها ضربات من سوريا توجه لاسرائيل ردا على العدوان.

هذا الامر ليس تحليلا فقط بل استنادا لما قاله شويغو وما قاله لافروف وما يقوله بوتن الان من باب التحدي الكبير في الشرق الاوسط لميزان قوى سوف يميل تدريجيا لصالح محور المقاومة باسناد من موسكو رغم بعض الثغرات الموجودة خاصة في موضوع اليمن وموضوع العراق ، وثالثا استمع الجميع لخطاب حسن نصرالله ليوم القادة الشهداء تحدث نصرالله تحت شعار نحمي ونبني عنوان القائد نصرالله هو عنوان نحمي ونبني الذي قال فيه ان لبنان الهوية هي هوية الحرية وحرية التعبير بشكل خاص وان حزب الله سوف يخوض الانتخابات بكل عنفوان ولن كما يقول اعداء حزب الله لن يحاول تاخير او تاجيل او الغاء الانتخابات وهذا تحد واضح لآخر مرحلة من مراحل التآمر على لبنان بعد ان فشلت كل المحاولات السابقة في جر حزب الله لحرب اهلية او جر حزب الله للانتقام من جرائم ارتكبت علنا ضد الحزب او محاولات الصاق التهم بحزب الله حول مرفأ بيروت وغيره كل هذه المعارك فشلت ولن يتبقى سوى معركة واحدة هي مرحلة تأليب الشعب ضد حزب الله من باب الانتخابات بحيث تسقط قيمة وفاعلية حزب الله في المؤسسات التشريعية وهذا سوف يقود الى خسارته سياسيا بشكل كبير.

هذا ما يفكر به العدو لكن نصرالله كان واضحا كل الوضوح بان حزب الله سوف يخوض الانتخابات وانه ما زال متمسكا بالمعادلة الشعب الجيش المقاومة وتحدث عن الجيش اللبناني وانه يسعى ويتمنى ان يقوى الجيش اللبناني لانه اداة في الدفاع عن لبنان وسيادة لبنان وفي الحفاظ على وحدة لبنان وسيادته على ارضه وايضا وجه القائد حسن نصرالله صاروخا دقيقا جدا لمحاولات الولايات المتحدة اغراء بعض ضباط الجيش بالميل اكثرللخضوع لاملاءات الولايات المتحدة تحت اغراءات تافهة للجيش اللبناني واعلن نصرالله مرة اخرى عن قدرة حزب الله على تامين احتياجات الجيش ان هو وافق من ايران سواء كهبة او كقرض او كما تريد لبنان لتقوية هذا الجيش دفاعا عن لبنان ووحدته وسيادته ، لكن الدقيق اكثر فيما اعلنه نصرالله هو انه فاجأ الصديق والعدو بانه لا حاجة لحزب الله لان يهرب صواريخ دقيقة من صنع ايراني الى لبنان لان الشباب اللبناني وشباب حزب الله تمكنوا من تطوير الصواريخ الموجودة لدى حزب الله بالآلاف من تطويرها من صواريخ غير دقيقة الى صواريخ دقيقة وقال بصريح العبارة اصبحت صواريخنا كلها دقيقة وعلى اسرائيل ان تفهم انها الآن محاطة بآلاف الصواريخ الدقيقة جدا وان عليها ان تحسب حساب ذلك .

واعلن نصرالله ان الحزب وخبرائه ومهندسوه تمكنوا من تطوير المسيرات وتصنيعها محليا وان الحزب ينتج المسيرات المتقدمة وانه مستعد ان يبيعها تمن يريد شراءها ان كانت تلك الصفقة ضد معسكر الاعداء .

واعلن نصرالله ان اسرائيل لا تجرؤ الآن على ارسال مسيرات الى سماء لبنان لان الحزب تمكن من تطوير اسلحته بحيث يسقط تلك الطائرات واصبحت طائرات اسرائيل المسيرة وغير المسيرة بلا حماية واهاف يستطيع الحزب ان يطلق عليها النار ويسقطها .

وعلى ضوء ذلك وعلى ضوء هذه الدقة التي يمتلكها حزب الله الان اضطر الاعداء للعودة للاسلوب القديم في التجسس على حزب الله وقوى المقاومة وهو عملاء العدو على الارض وهذا يعني ان اسرائيل بصدد تنشيط وتجديد شبكاتها في لبنان وهنالك عملاء يبيعون انفسهم ويبيعون الوطن للعدو مقابل حفنة من الدولارات ومن الدقة ايضا اعلن نصرالله ان الحزب سيستمر في الدفاع عن لبنان الحر لبنان الحرية وانه سوف يدعم اليمنيين للدفاع عن قضاياهم في لبنان والبحرينيين في الدفلع عن قضاياهم في لبنان لان قضايا اليمنيين والبحرانيين هي قضايا الفلسطينيين واللبنانيين والعرب اجمعين قضايا الحرية ومواجهة العدوان والاعداء .

ومن باب الدقة ايضا تحدى القائد حسن نصرالله هؤلاء العملاء داخل لبنان بالقول استنادا لما اعلنه محمد بن سلمان والجهات الامريكية المعنية بان لبنان تسلم منهم 30 مليار دولار وطرح السؤال اين هي الثلاثين ملبار دولار اين انفقتموها من سرقها نريد جواب لان الشعب اللبناني سيذهب للانتخابات وبذهنه هذا السؤال لانه يريد جوابا على اين ذهبت الثلاثين مليار دولار .

من باب الدقة والدقيق تحدث حسن نصرالله ليعبر عن ما يجول في صدور محور المقاومة لينصر كلمة الحق كلمة المدافعين عن حقوق الشعوب ضد الظالمين والظلم كلمة الذين يعانون من تعاون وتطبيع العلاقات بين بعض الحكام العرب واسرائيل من الذين يرون انه لا بد من التصدي لهذا الحلف الشرير الذي يريد قطع رقاب الشعوب واحنائها وتركيعها والسماح للعدو بنهب ثرواتها .

تحية للدقة والدقيق تحية لحسن نصرالله ولمحور المقاومة انه امل الشعوب في الانتصار على اعدائها ورفع راية الحرية والكرامة والعزة وفتح الطريق واسعا امام التطور والنمو امام الغلال والدواء امام العلم امام تبوء هذه الامة مكانها اللائق بين الامم .

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع