حسن عردوم  

 

 

 

لا يوجد مبرر واحد للتحالف السعودي الإماراتي للاستمرار في الحرب على اليمن بعد كل ما حدث، سوى أنه يعيش على كومة من المخاوف من مستقبل اليمن في ظل قيادة أنصار الله، وهذه المخاوف هي التي تجعله يواصل حربه إلى ما لانهاية وبدون هدف، غير مدرك للواقع المُر الذي ستفرضه قوة توازن الردع التي وصل إليها اليمن مؤخراً، وتطبيق ما كان يتوعد به قائد أنصار الله من اللجوء إلى الخيارات الاستراتيجية التي ستكون البديل في حال قرر التحالف الاستمرار في عنجهيته ومواصلة قصفه للبنية التحتية للجمهورية اليمنية.

المراقبون للتطورات الحاصلة في الحرب على اليمن يرون أنها قد خرجت عن إطار الاقتتال الداخلي وأخذت بعداً استراتيجياً وإقليمياً، وبدأ أنصار الله بتطبيق الخيارات التي أعلن عنها السيد الحوثي في بداية ما سُمي بـ”عاصفة الحزم”، والتي أخذت ردة فعل قوية حينها من قبل ناشطي التحالف، حتى خرج العسيري ذات مرة، ليجيب عن سؤال حول ماهية تلك الخيارات، فأجاب ساخرًا: قد تكون “زامل لعيسى الليث”، غير مدرك أن طائرات الدرون وصواريخ ذو الفقار اليمنية قد تتجاوز المدن السعودية وتصل إلى أبوظبي ودبي، وهي مدنٌ كانت توصف بالأكثر أماناً في العالم، حتى صارت ملاذاً للكثير من المستثمرين الدوليين، دون أن يعلموا أنها ستصبح ذات يوم مدناً “غير آمنة”، كما يؤكد ذلك ناطق القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، داعياً أبوظبي لأخذ تلك التهديدات على محمل الجد وإيقاف عدوانها وحصارها على الشعب اليمني.

نحن أمام مرحلة جديدة، قد تكون خارجة عن سيطرة التحالف، لاسيما مع انتقال الحرب من الداخل اليمني إلى خارج الحدود، والوصول إلى مستوى التصعيد بالتصعيد، والرد بالمثل على كل غارة يشنها التحالف على أية منطقة في اليمن، وهي مرحلة ليست في صالح الدولة الخليجية الثرية المعروفة بـ”الملاذ الآمن” في المنطقة، خاصة وأن اليمنيين ليس لديهم ما يخسرونه بعد سبع سنوات من تدمير المدمَّر وقتل آلاف الأسر والأطفال اليمنيين من قِبل دول تحالف العدوان على اليمن.

قد تكابر أبوظبي نوعاً ما، وتتخذ قرار مواصلة الحرب والدخول في معترك ليس لها من تبعاته سوى خسارة سمعتها، التي هي في صميم أهدافها الاستراتيجية، في حين كان يجب أن تكتفي بتصعيدها الأخير في اليمن، وأن تنفِّذ ما وعدت به من تقليص لوجودها العسكري في عام 2019م، حتى لا يؤثر ذلك على أمنها الداخلي وتنسحب على ضوئه الشركات الأجنبية والمستثمرون الأجانب، وتتحول طموحاتها إلى كيفية التصدي للصواريخ اليمنية والطائرات المسيّرة.

ومن هذا المنطلق يتساءل الكثيرون: هل ستتلقف دولة الإمارات الرسائل اليمنية التي تبعثها القوات المسلحة بين الفينة والأخرى، لتخرج من اليمن ولو بالحفاظ على أمنها، بعيداً عن توسيع النفوذ في بلدٍ قيل عنه، إنه مقبرة الغزاة؟

بينما يرى البعض الآخر أنه يجب على أبوظبي ألَّا تقارن نفسها بالمملكة العربية السعودية في امتصاص الضربات اليمنية، وعليها ألاّ تراهن على المجتمع الدولي في الدفاع عن أمنها وحمايتها من الهجمات اليمنية، حيث أن لدى المجتمع الدولي ما يكفيه من القضايا التي تجعله غير قادر على فعل شيء معها، سوى التعبير عن القلق والإدانة بشدة لبعض ضربات القوات المسلحة اليمنية المزعجة التي قد يكون لها صدى واسع نتيجة لاستهداف المنشآت الحيوية في العمق الإماراتي، والتي يمكن أن تتجنبها بالنزول من فوق الشجرة والإعراض عن التوصيات الإسرائيلية التي تشجع أبوظبي على خوض وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب اليمني، بحجة أن إيران لها يد في اليمن، متجاهلة في الوقت ذاته جذور العلاقة الإيرانية الإماراتية والممتدة منذ عشرات السنين والتعاون المشترك في المجال التجاري والإستثماري في أكثر من مجال.

ومع هذا لقداستطاعت “تل أبيب” وبعض دول الغرب كأمريكا أن ترسم صورة ذهنية لدى حكام دول الخليج بأن دولة إيران “الإسلامية” هي عدوهم التاريخي، بينما إسرائيل التي تلتهم فلسطين وتطمح بالمزيد أصبحت هي الحليف الرئيس والشقيق لدول الخليج، في حين أن أبناء فلسطين يموتون يومياً على أيدي الإسرائيليين، بينما ايران حاضرة منذ نجاح ثورتها بدعمها للمقاومة الفلسطينية، وخير دليل تلك الزيارة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية لطهران، في أواخر العام الماضي وخرج الى الملأ قائلا “نقدم بكل فخر انتصار عملية سيف القدس لرئيس إيران الجديد ولشعبها” وهي رسالة كشفت عن حقيقة الداعم الوحيد لقضية فلسطين وشعبه، وبرهنت على أن اسرائيل قد نجحت في تحويل بوصلة العداوة، ورسخّت “فوبيا” إيران في “مخيلات”حكام دول الخليج.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع