السياسية:

شكَّل الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس بوركينا فاسو روش مارك كابوري، صدمة لفرنسا وللمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إكواس)، خاصة أنه يأتي في ظل ضغوط شديدة على الانقلابيين في مالي لتسليم السلطة لمدنيين، وتصاعد الانقلابات العسكرية في المنطقة، أمام ضعف الجيوش المحلية وحلفائهم في مواجهة الهجمات المسلحة.

وليس ذلك فقط، فروسيا عبر شركتها الأمنية “فاغنر” تنتظر على أبواب الدول الإفريقية لاستغلال أي تراجع للغرب لملء الفراغ، وتعزيز تواجدها العسكري في نقاط مختلفة من العالم استعدادا لأي مواجهة كونية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

  كابوري فشل في إخضاع الجيش

لم يكن الانقلاب العسكري على كابوري، مفاجئاً في بلد شهد من قبل 7 انقلابات منذ استقلاله في 1960 عن فرنسا، وفي منطقة الساحل وغرب إفريقيا التي وقعت فيها 3 انقلابات في أقل من عام بكل من تشاد ومالي وغينيا.

لذلك سعى كابوري، منذ اعتلائه السلطة في 2015، لإضعاف خصومه في الجيش، والقيام بخطوات استباقية لإجهاض أي انقلاب قبل حدوثه، بل فرض حظر التجوال في الليلة التي تحرك فيها الانقلابيون للإطاحة بحكمه، في 23 يناير/كانون الثاني 2022، لكن دون أن يتمكن من إيقافهم هذه المرة.

وتشير “إذاعة فرنسا الدولية”، إلى أنه في مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، قُبض على عدة جنود في إطار تحقيق بتهمة “محاولة زعزعة استقرار مؤسسات الجمهورية”. 

ومن بين هؤلاء الجنود المقدم “إيمانويل زونجرانا”، قائد فيلق من فوج المشاة 12. وكان قائد قوة القطاع الغربي في مكافحة الإرهاب.

ويوضح المحلل السياسي المالي، مدير مركز مراقبة المواطنين، سياكا كوليبالي، “يبدو أن القوات بأكملها ليست على استعداد لقبول فكرة تورط هذا الضابط – بالإضافة إلى المتمردين- فهم لن يوافقوا على التعيينات الأخيرة لقادة بعض الوحدات”.

  الإرهاب يغذي الانقلابات

تتشابه دوافع الانقلابيين في بوركينا فاسو مع الأسباب التي أدت إلى وقوع 3 انقلابات في مالي منذ 2012.

فسقوط عدد كبير من الضباط والجنود قتلى وجرحى في مواجهات مع الجماعات المسلحة، سواء في مالي أو بوركينا فاسو، سبب حالة سخط وسط العسكريين ضد السلطات المدنية، محملين إياها مسؤولية عدم توفير الدعم والإمكانيات الكافية للجنود لمواجهة الجماعات “الإرهابية”، ما تسبب في وقوع هذه الخسائر الفادحة في صفوف زملائهم.

وعلى سبيل المثال، أدى مقتل 50 عنصراً من رجال الدرك في منطقة إيناتا في بوركينا فاسو، إلى توتر الأجواء ليس فقط في صفوف القوات المسلحة البوركينابية بل أيضاً بين السكان.

 فبحسب إذاعة فرنسا الدولية، “حدثت تغييرات على رأس القوات المسلحة، والسكان يطالبون بتحقيق نتائج على صعيد الأمن”.

وكانت مطالب المتمردين قبل نجاح الانقلاب “المزيد من الوسائل لمحاربة الإرهاب، وإجراء تغييرات داخل هيئة الأركان العامة”.

فالكثير من الجنود البوركينابيين فقدوا أرواحهم نتيجة نفاد ذخيرتهم وتأخر وصول الدعم، ولا يريد زملاؤهم أن يلقوا نفس مصيرهم، إذ لم توفر لهم الحكومة أسلحة حديثة لمحاربة الإرهاب والذخيرة الكافية، وبخطط ميدانية أكثر فاعلية بدل تركهم لقمة سائغة بين فكي تنظيمي القاعدة وداعش في مناطق صحراوية نائية وبعيدة عن العاصمة واغادوغو ومدنها الرئيسية.

والمؤسف أن فشل الحكومة البوركينابية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، يدفع المواطنين إلى تقبل فكرة تولي العسكريين الحكم في البلاد، لمواجهة التهديد الإرهابي.

إذ إن العديد من المواطنين في واغادوغو خرجوا للتظاهر ودعم الانقلابيين  وأقاموا حواجز مؤقتة في العاصمة. في اليوم السابق، قامت الشرطة بتفريق المظاهرات المناهضة للرئيس كابوري.

فالوضع في البلاد كان محتقناً للغاية شعبياً وعسكرياً، وكابوري كان يدرك ذلك جيداً بدليل إجرائه عدة تعديلات في حكومته ناهيك عن تغييرات في صفوف قادة الجيش، لكنه لم يتمكن سوى من تأخير انفجار الوضع، لكن هذا الانفجار قد يمتد إلى دول أخرى في الجوار القريب.

  فرنسا تخسر أحد حلفائها

سقوط كابوري في انقلاب عسكري، يضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمام صدمة جديدة، قبيل أسابيع وليس أشهراً من انطلاق حملته الانتخابية لرئاسيات أبريل/نيسان المقبل.

فمجموعة الخمسة ساحل، التي تتزعمها فرنسا، وتضم كلاً من موريتانيا والنيجر، بالإضافة إلى مالي وبوركينا فاسو وتشاد، شهدت بلدانها الثلاثة الأخيرة انقلابات أطاحت بأنظمتها الجمهورية الهشة.

ووقعت باريس في مفارقة إزاء التعامل مع الأنظمة الانقلابية في الساحل، فبينما تدعم نظام محمد إدريس ديبي في تشاد، إلا أنها دخلت في خلاف حاد مع النظام الانقلابي في مالي.

ورغم إدانتها للانقلاب في بوركينا فاسو، إلا أنه لم يتضح بعد طريقة تعاملها مع زعيم الانقلابيين العقيد بول هنري داميبا، هل ستختار القبضة الحديدية التي تتعامل بها مع باماكو أم ستعمل خيطاً حريرياً مثلما هو الحال مع نجامينا؟

فأي تشدد فرنسي مع الانقلابيين في بوركينا فاسو، سيدفع واغادوغو نحو حضن روسيا على الطريقة المالية.

لكن الاعتراف بالانقلاب كأمر واقع في بوركينا فاسو سيشجع العسكريين في النيجر وموريتانيا ودول خليج غينيا إلى الإطاحة بأنظمتها الجمهورية كقطع الدومينو، الواحدة تلو الأخرى.

“الإيكواس” تحت التهديد

في الوقت الذي كانت تنتظر المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) أن تكلل عقوباتها القاسية ضد الانقلابيين في مالي، بإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن، إذا بها تفاجأ بانقلاب بوركينا فاسو الذي ستكون له تداعيات سلبية على المنظمة وعلى المنطقة.

أحد هذه التداعيات إضعاف العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضتها إيكواس على باماكو، والتي من بينها غلق الحدود البرية والجوية والبحرية مع مالي، واستدعاء السفراء من باماكو، وتجميع المعاملات المالية معها.

ومن بين جميع أعضاء إيكواس، وحدها غينيا التي لم تنضم إلى هذه العقوبات، لأنها هي الأخرى شهدت انقلاباً في 2021، لكنها لن تكون وحيدة بعد أن التحقت بوركينا فاسو بنادي الأنظمة الانقلابية في غرب إفريقيا.

وأدانت “إيكواس”، في بيان، الانقلاب في بوركينا فاسو، الذي وصفته بـ”العمل شديد الخطورة”، وحذرت من أنه “لن يتم التسامح معه”.

وطالبت “العسكريين بالعودة إلى الثكنات، والحفاظ على النظام الجمهوري، وتفضيل الحوار مع السلطات لحل المشكلات، وحمّلتهم مسؤولية السلامة الجسدية للرئيس كابوري”.

روسيا على الأبواب

 على الرغم من الموقف الروسي المعلن برفض الانقلاب في بوركينا فاسو، إلا أنها من غير المستبعد أن تستثمر سياسياً وأمنياً في هذا البلد المغلق جغرافياً.

إذ قال أليكسي زايتسيف، نائب مدير إدارة الإعلام بالخارجية الروسية: “ننطلق من موقف مبدئي يتعلق بعدم قبول التصرفات غير الدستورية لتغيير السلطة. وندعو إلى إطلاق سراح رئيس البلاد كابوري فوراً، وكذلك العودة العاجلة إلى الحكم المدني في هذه الدولة”.

وبالنظر إلى تجارب سابقة في مالي، فإن موسكو وقفت إلى جانب الانقلابيين، رغم موقفها “المبدئي” برفض الانقلابات.

ويتشابه الوضع في بوركينا فاسو ومالي في كونهما يشتركان بحدود طويلة تشهد انتشاراً كثيفاً للجماعات المسلحة، وبالأخص تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”، وجماعة “النصرة” التابعة للقاعدة، وخاصة فرعها “جماعة تحرير ماسينا”.

ومع إقرار فرنسا بفشلها في القضاء على الجماعات الإرهابية في شمال مالي، وتمددها في دول الساحل الإفريقي، وبداية توغلها في دول خليج غينيا عبر بوابة بوركينا فاسو، فليس من المستبعد أن يلجأ الانقلابيون في واغادوغو إلى الاستعانة بروسيا في مواجهة التهديد الوجودي الذي تمثله الجماعات الإرهابية في البلاد.

إذ توفر موسكو للدول الإفريقية أسلحة وذخائر متنوعة بأسعار وشروط أقل بكثير من تلك التي تقدمها الدول الغربية، فضلاً عن احتمال الاستعانة بمرتزقة فاغنر لمواجهة هذه الجماعات المسلحة.

فبعد موجة “الربيع الإفريقي” التي انطلقت من بوركينا فاسو في 2014، يمثل الانقلاب الأخير احتمال عودة موجة معاكسة للانقلابات العسكرية تحت غطاء مواجهة التهديد الإرهابي الذي يلقى بعض “التأييد الشعبي”، لسكان اختاروا الاستنجاد بالأفعى للنجاة من الغرق.  

* المصدر : عربي بوست