هل تراهن “المبادرة الكويتية” على تدمير لبنان؟
النقاط الـ 12 التي حملها موفد ابن سلمان الكويتي باسم "الشرعية الدولية"، أشبه ببيان إعلان حرب على لبنان. لكن عدوانية المراهنة على التدمير تتيح المواجهة لتغيير جذورها في "دولة الطائف".
قاسم عز الدين *
يعبّر أحمد ناصر محمد الصباح، في بيان إعلان الحرب، عن اصطفاف إيمانويل ماكرون و”المجتمع الدولي” مع محمد بن سلمان في المراهنة على التفجير في لبنان، وعن انتهاء التعويل على اللعبة الانتخابية “لإنقاذ لبنان من الاحتلال الإيراني ودولة حزب الله”.
الرئيس الفرنسي مال عن تصوّراته “الإصلاحية” في لقاء الرياض، تحت تأثير “الشراكة الاستراتيجية” لبيع أسلحة الدمار لدول العدوان على اليمن، وتأثير الخرق الفرنسي لمصلحة الشركات التي حملها معه ماكرون لتكون مدماكاً في تجديد ولايته الرئاسية.
الأحلام الفرنسية مع “المجتمع الدولي” في الاعتماد على المنظمات غير الحكومية والقوى المعادية للمقاومة، من أجل تغيير سلطة الحكم نحو “دولة حيادية” تابعة على غرار سلطات الاستتباع العربية، ذهبت هباءً منثوراً، على الرغم من “الدعم الإنساني” السخي، أملاً بثورة ملوّنة؛ فمنظمات الموظفين التي انتشرت كالفطر تناثرت كرغوة الصابون.
إدارة بايدن التي تبدو مرغمة على التهدئة النووية مع إيران، تحرص على أن لا تشمل هذه التهدئة انفراجة استقرار في ما تسميه “الأذرع الإيرانية” (اليمن والعراق ولبنان)، بل على العكس من التهدئة، تجنح إلى التوتر حيث عجزت عن المساومة عليها مع إيران في المباحثات النووية لمصلحة “إسرائيل” والدول الغربية.
في هذا السياق، تشدّد إدارة بايدن على دعم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لاستكمال تدمير اليمن، على الرغم من الوعود الانتخابية المنافقة بتهذيب صفاقة ابن سلمان. وفي لبنان تميل إلى توكيل ابن سلمان إدارة الصراع مع “دولة حزب الله”، لتحقيق الشروط الاسرائيلية التي تبنّاها “المجتمع الدولي والجامعة العربية”.
البيان الرقم واحد
موفد ابن سلمان الكويتي يسلّم المعنيين في لبنان أهداف “المجتمع الدولي” والجامعة العربية من وراء مراهنة ابن سلمان على التفجير، بالتكافل والتضامن مع أميركا وفرنسا و”إسرائيل” والجماعات التابعة في لبنان.
أهداف لم تبلغها عدوانية الاستعمار الغربي في عالم الجنوب، ولا صفاقة الاحتلال الإسرائيلي في غزو بيروت المحتلّة عام 1982 أو في العدوان على لبنان عام 2006. فلا الاستعمار الغربي ولا الاحتلال الإسرائيلي تبلغ بهما العنجهية مبلغ الاشتراط “أن لا يكون لبنان منصّة لأي عدوان لفظي”.
فكمّ الأفواه وأنفاس الناس “عن العدوان اللفظي”، وإجبارهم على التسبيح بحمد “وليّ الأمر” وتقبيل الأيادي إذا أرادوا أن يدعوا عليها بالكسر، هما حلم أعتى الطغاة الذين لا يجاهرون بالتصريح به، سوى المصابين منهم بداء السادية في صحراء يباب.
في هذا السياق، يحدّد ابن سلمان على لسان موفده الكويتي أهدافه في نسخة طبق الأصل عن أهداف أعلنتها “إسرائيل” (17 أيار) إثر احتلال بيروت وانتخاب أمين الجميّل، وأعادت تكرارها إبّان عدوان 2006 قبل أن تدحرها المقاومة وتفرض عليها معادلة توازن الرعب.
لكن ابن سلمان يرسم خطة عمل “بشأن دعم سيادة لبنان واستقلاله” عن حزب الله. وفور التزام لبنان بخطة الحرب والتفجير، يعد “بالعمل مع المؤسسات الدولية على حل الأزمة المالية”، وعلى طريق هذا المسار “يضع لبنان نظام تبادل معلومات أمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي” (غرفة عمليات).
نعي دولة الطائف
الضغط السعودي لتجميد سعد الحريري وتيار المستقبل، هو الخطوة الأولى في خطة العمل للتفجير السياسي قبيل حسم إلغاء الانتخابات التي يتعذّر على ماكرون وبايدن و”المجتمع الدولي” المطالبة بإلغائها وبفوضى الشلل المتفجّر.
ولا ريب في أن ابن سلمان يسعى لتوسيع الضغط على مروحة واسعة من الأتباع والموالين لتحريك كل منهم في خطة الصراع لتعطيل سلاح المقاومة وإغراق حزب الله في أتون الاهتراء الداخلي المتفجّر على جميع الأصعدة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
قد يكون العمل لاستنكاف “ممثلي السنّة” عن الانتخابات والمشاركة السياسية، هو أقرب المنال وأسهله في المدى المنظور. وربما لا يقتصر التصعيد في خطة التفجير على “تحييد السنّة”، ويحتاج من أجل إلغاء الانتخابات إلى تقديم النواب والوزراء استقالاتهم… وصولاً إلى تجميد عمل قيادات في الجيش والقوى الأمنية والإدارات الحكومية… وتجميد عمل دولة الطائف في الجانب المتعلّق “بمنع الحرب الأهلية”.
جعجع وميليشياته المسلّحة يمكن أن يتحرّكوا بشكل آخر لتعزيز حلم قديم في إنشاء “كانتون مسيحي” لا يبصر النور من دون ارتكاب مجازر بحق المسيحيين ومواجهة حربية مع التيار الوطني وغير الموالين. وعلى الطريق نفسه “يتحصّن” وليد جنبلاط في الجبل.
جماعات “داعش” والقاعدة جاهزة للتفجير والسيارات المفخّخة في كل مكان، ولديها القدرة والخبرة على تنويع الدعم بين السعودية والاستخبارات الغربية، وبين تركيا الطامحة إلى إنشاء “منطقة آمنة” في شمال لبنان ومنطقة عكار.
السعودية عرّابة دولة الطائف المنهارة، ينعاها ابن سلمان في مسعاه لإنشاء محميّة سعودية “كدولة موز” إسرائيلية ــ دوليّة، والبطريرك الراعي يدعو إلى مباركتها في مؤتمر دولي.
المقاومة من جهتها تعوّل مع القوى السياسية المعارضة على معجزة إعادة إحيائها وهي رميم. لكنه جهد هائل يذهب سُدى في الوقت الضائع، ويصطدم باستعصاء تجميل ما أفسده الدهر، وباستخدام اهتراء القعر سلاحاً سياسياً وأمنياً لتفجير الصراع ضد المقاومة.
ما مات فات. فالقوى الدولية والعربية والمحلّية التي أطلقت محرّك تأسيس دولة الانهيار والفساد في الطائف، يُطلق معظمها محرّك التفتيت والتدمير من أجل تأسيس مزرعة دمويّة طيّعة. ولا مناص من المواجهة، لكن الفيصل يتمثّل في إمساك الثور من قرنيه، لتأسيس دولة في مشروع بدائل من تأسيس مزرعة.
* المصدر : الميادين نت
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع