هدفُ الهجوم على المقاومة..التفرغُ لإنشاء مدينة نيوم ومجتمع الاستهلاك والترفيه والسياحة الجنسية
عبدالسلام بنعيسي*
لا يمكن لرجل سياسة، أن يُعلِّقَ، بشكل اختياري، نشاطَه السياسي والهيئة السياسية التي ينتمي إليها، والانتخابات على الأبواب. تعتبر السياسة لمن يمارسها، بمثابة الهواء الذي يستنشقه المرء، لكي يستمر على قيد الحياة. وحين يضطر السياسي سعد الحريري لتعليق عمله السياسي رفقة تياره، فهذا يعني أن هناك قوة قاهرة أكبر منه، هي التي أجبرته على تجرِّعِ هذا القرار.
ما أسماه رئيس تيار المستقبل بالنفوذ الإيراني في الساحة اللبنانية، ليس إلا مشجبا يعلق عليه الرجل مشاكله التي تأتيه من الدولة السعودية، ومن ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان تحديدا. النفوذ الإيراني ليست إلا العبارة الكودية لكلمة مقاومة، ممثلة في حزب الله.
لكن إذا تمعن المرء في الوضع الداخلي اللبناني، سيجد أن حزب الله هو الحلقة الأضعف من بين باقي الهيئات السياسية اللبنانية الأخرى، فرغم ترسانته من السلاح، فإن الحزب يبدو عاجزا عن تصريفها، أو حتى التلويح بها في الداخل، فباستثناء أحداث 7 آيار 2008 والتي اضطر فيها حزب الله لإشهار سلاحه دفاعا عن نفسه، ومنعا لتسليمه، من جانب فؤاد السنيورة ووليد جنبلاط، للكيان الصهيوني لكي يفتك به، يعيش الحزب وكأن سلاحه، عبء عليه داخل لبنان، لقد قُتل مؤخرا للحزب ولحليفه حركة أمل 7 عناصر في أحداث الطيونة، ولم يتمكن الحزب إلى الآن من دفع العدالة اللبنانية لمحاكمة الذين دبروا وأشرفوا على عملية القتل والاغتيال.
كما أن الحزب لا يستطيع أن يعرض على القضاء حتى بعض العملاء الذين اشتغلوا لسنوات عديدة في صف جيش الاحتلال الصهيوني، واقترفوا جرائم ضد أتباعه من اللبنانيين، ومنهم عامر الفاخوري الذي تم تهريبه من لبنان إلى أمريكا أمام أنظار الحزب، وها هو القاضي طارق بيطار لا يزال يمارس مهامه ويقاضي، بشكل استنسابي، من يريد، في تفجيرات مرفأ بيروت، ولا يستطيع حزب الله زحزحته من مهامه، وها هي المصارف والبنوك، والجهاز الأمني، وقيادة الجيش، والإدارة، كلها خارج سلطة حزب الله، وها هم كل معارضيه لا يتوقفون لحظة واحدة، ليس فقط عن توجيه النقد اللاذع له، ولكن عن كيل الشتائم لقيادته، دون أن يمتلك القدرة لمنعهم من التطاول على رموزه، فلماذا إذن اتهام الحزب المذكور ببسط نفوذه على لبنان؟ وأين يتجلى هذا النفوذ الإيراني؟؟؟
السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا تتنقل في البلد بطوله وعرضه، وخارج التنسيق مع وزارة الخارجية اللبنانية، وتجتمع مع من تشاء من اللبنانيين، وتوزع الأموال، وتعطي الأوامر التي تنفذ في الحال، وتحرض ضد حزب الله، ونفس الأمر يقوم به سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري، إنه يصول ويجول، ويستقبل من يشاء، ويتصرف في لبنان وكأنه ضيعة في ملكيته، ويتهم حزب الله بالإرهاب، ولا من يردُّ عليه من المسؤولين اللبنانيين، في حين أن فريق إيران لكرة القدم حين جاء للبنان، تم تفتيش حقائب لاعبيه في المطار، في تعمُّدٍ مقصودٍ لإهانة إيران ومعها حزب الله، فمن هي إذن الجهة التي لديها نفوذ في لبنان؟ ولمن الكلمة العليا في هذا البلد؟ هل لإيران، أم للسعودية وللولايات المتحدة الأمريكية؟؟
اتهام حزب الله بالتسبب في توتير علاقات لبنان مع دول الخليج بسبب تدخله في حرب اليمن إلى جانب الحوثيين، اتهامٌ واهٍ وباطل، ففي عدوان تموز 2006 لم يكن الحزب المذكور، لا في الحديدة، ولا في صعدة، ولا في صنعاء يقاتل ضد السعودية، فلماذا بادرت وقتها الرياض إلى توفير التغطية السياسية للعدوان الصهيوني على لبنان باتهام حزب الله بالمغامرة والتسبب في العدوان؟ لقد كان الحزب مستهدفا من طرف الإعلام السعودي، بتوجيه من السلطات السعودية، قبل دخول قواته في مواجهة، مع تكفيريي داعش والنصرة، إلى جانب الجيش العربي السوري، الاستهداف السعودي للحزب كان قائما منذ زمن بعيد.
وإذا تجاوزنا كل هذه الحقائق وافترضنا أن حزب الله على خطأ وأن السعودية تعاقبه وتحاربه، لاعتبارات طائفية، فماذا عن المقاومة في قطاع غزة؟ لماذا الحصار الخليجي مضروبٌ عليها هناك؟ ولماذا اعتقال بعض قادتها وسجنهم في الرياض؟ هل هؤلاء أيضا شيعة وينفذون أجندة إيران الشيعية في القطاع المحاصر؟؟ أليسوا كلهم سنة؟ ثم كيف تفاوضُ الرياضُ طهران وتسعى لتطبيع علاقاتها بها في حين تقوم بمحاربة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله بسبب علاقاتهم بإيران؟ أليس في هذا التصرف تناقضا فجًّا؟؟
واضح أن الغاية من تعليق تيار المستقبل لنشاطه السياسي، هي استهدافُ حزب الله، لإغراقه في حرب أهلية، في أفق اجتثاثه من الجذور، لإنجاز التطبيع، ومعه توطين الفلسطينيين في لبنان، وفدرلة البلد، وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وجعله كيانا هشا، بلا تأثير ولا مفعول، بل تابعٍ للكيان الصهيوني، فاسترجاع الدولة السورية لعافيتها، ووجود مقاومة في غزة، وفي لبنان واليمن والعراق، وبالصواريخ الدقيقة التي باتت تملكها، يحول دونهم والتخلص من القضية الفلسطينية وتصفيتها نهائيا، لأنها قضية تزعجهم، وتسبب لهم المشاكل مع شعوبهم المتمسكين بنصرتها.
إنهم يريدون التفرغ لإنجاز مشاريعهم الكبرى من قبيل مدينة نيوم، حيث يسود مجتمع الاستهلاك، والترفيه السطحي، وتزدهر السياحة الجنسية. ولذلك يسعون لدمج الكيان الصهيوني، دولةً طبيعية في العالم العربي، ويرومون من وراء هذا الدمج الحصول على الشرعية الأمريكية والصهيونية لإعادة تأهليهم والقبول بهم حكاما لبلدانهم، وغض الطرف عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من جانبهم، في حق شعوبهم، وشعوب أخرى مجاورة لهم.
لكنهم يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، فأمتنا العربية شبّت عن الطوق، وماردها خرج من القمقم، ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تهزم مقاومتها الأبية، فالكيان الصهيوني إلى زوال، وأمريكا ستنسحب مهزومة من منطقتنا، وستسترجع الأمة العربية عافيتها وتضامنها، ووحدتها، وستحقق تقدمها وازدهارها، فهذه أمة قادت العالم من دمشق وبغداد والأندلس 10 قرون، وهي تكافح وتناضل لتصل ماضيها بحاضرها، وتصبح، مثل الهند والصين وروسيا، أمة لها مكانتها بين الأمم، ولا أحد في العالم بإمكانه أن يقف في طريقها لتحقيق هدفها المشروع هذا..
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع