لبنان والسعودية.. واقعية الرهان على الانتخابات النيابية
إنَّ ما كشفته القوات المسلّحة اليمنية ليس مجرّد أرقام استعراضيّة، بل هو خلاصة دقيقة تمكّن المحلّلين والمراقبين والمهتمين بالشأن اليمني من قراءة المشهد واستشراف مستقبل العدوان على اليمن. أمام الردّ والردّ المضاد، تُطرَح على بساط البحث مسألةُ مستقبل العلاقة بين لبنان والسعودية، والتي يبدو أنها محكومة بما يلي.
ليلى نقولا *
يبدو أن الانفراجة، التي كانت منتظَرة في العلاقات اللبنانية السعودية بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للخليج، والضغطَ الذي مارسه من أجل الحصول على استقالة وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي قبل وصوله، لم يأتيا بأي جديد، بل إن الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد بعد خطاب الملك السعودي الذي دعا فيه إلى “إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة”.
وردّ الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، على الملك السعودي، معتبراً أن “الإرهابي هو الذي أرسل داعش والانتحاريين إلى العراق، ويشن حرباً على اليمن منذ سبع سنوات، ويحتجز آلاف اللبنانيين في الخليج رهينةً يهدد بهم لبنان كل يوم”.
وأمام الردّ والردّ المضاد، هذين، تُطرَح على بساط البحث مسألةُ مستقبل العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية، والتي يبدو أنها محكومة بما يلي:
1- من الناحية السعودية:
منذ عام 2015، تتراوح علاقة السعودية بلبنان، بين حدّين: الحَرَد والانكفاء من جهة، والغضب والانتقام من جهة أخرى.
واقعياً، منذ بدء “الربيع العربي” وما بعده، شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات مهمة، ساهمت جميعها في شعور السعودية بتراجع دورها في الإقليم.
كان عام 2015 مفصلياً، فذهاب الأميركيين إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران عَدَّتْه السعودية خيانة أميركية وتكريساً لهيمنة إيران على المنطقة، واندفعت بعده السعودية إلى التورط في حرب على اليمن، لم تستطع الخروج منها لغاية اليوم، بل فاقمت مشكلة الأمن القومي السعودي، بعد أن ضربت الصواريخ اليمنية عمق السعودية نفسها.
توتّرت العلاقة بين لبنان والسعودية بعد بدء الأخيرة تدخلها العسكري في اليمن في آذار/مارس 2015، ودعوة حزب الله صراحة، عبر لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، جامعةَ الدول العربية إلى المبادرة إلى “وقف العدوان” و”الذهاب إلى الحل السياسي”، وتأكيده أن “الهزيمة والمذلة ستَلْحَقان بالسعودية”.
وأدّت التطورات في سوريا، ودخول الروس الساحةَ السورية عسكرياً، بطريقة مباشِرة، إلى هزيمة المعارضة السورية المدعومة من السعودية، وسيطرة الأسد على معظم الجعرافيا السورية. وبدأ التحوّل الكبير عام 2016، بعد تحرير حلب، وما تلاه.
وتزامناً في لبنان، أدّت تسوية عقدها التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل، بضوء أخضر أميركي، إلى وصول العماد ميشال عون (حليف حزب الله) إلى رئاسة الجمهورية، في تشرين الأول/أكتوبر 2016، بعد أن كانت السعودية أيّدت وصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية من دون القدرة على فرضه. حاول بعدها الرئيس ميشال عون رأب الصدع في العلاقة مع السعودية، بأن قام بزيارتها، في أول زيارة خارجية له، من دون جدوىً.
مع مجيء ترامب إلى الحُكم في الولايات المتحدة، وبعد أن أدّت التطورات في لبنان، عام 2017، إلى إنهاء البؤرة الإرهابية عند الحدود بين لبنان وسوريا، قرّرت السعودية الانتقال إلى التصعيد في لبنان، فاستدعت رئيس الحكومة (حينها) سعد الحريري إلى الرياض، في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017، وأجبرته على تلاوة بيان استقالة، يتهم فيه إيران بتقويض استقرار المنطقة، ويدّعي فيه أنه مهدَّد بالاغتيال مثل والده.
كان هدف الاستقالة، والخِطابِ المرافق لها، إمّا دفعَ لبنان إلى فتنة سنية شيعية، وإمّا أقلّه إبدال الحريري بشخص آخر تختاره المملكة. لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، فلقد رفض اللبنانيون الاستقالة، وأدّت الضغوط الدولية إلى الإفراج عن الحريري وعودته إلى السلطة، وهو ما لم يغفره وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان للحريري وللبنانيين.
منذ ذلك الوقت، مارست السعودية سياسة الانكفاء، وأبقت على دعمها للقوات اللبنانية وتمويلها، وزار السفير السعودي معراب احتفالاً بحصول جعجع على 16 نائباً في البرلمان اللبناني في انتخابات عام 2018. وباستثاء التمويل الذي حصلت عليه بعض قوى “ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر”، رفضت السعودية كل الدعوات إلى المساهمة في مؤتمرات دعم لبنان، والتي جرت بعد انفجار 4 آب/أغسطس 2020. ومؤخراً، تذرّعت بقضية قرداحي لتقطع العلاقات بلبنان، وتجبر بعض دول الخليج على اتخاذ موقف مماثل.
2- من الناحية اللبنانية:
ينقسم اللبنانيون في النظرة إلى السعودية، فبعض اللبنانيين يجد أن الخيار اللبناني الأول يجب أن يكون للاندفاع إلى الحضن العربي، وأن العلاقات بالعرب تبقى الضامن لازدهار لبنان ونموّه، وأن العلاقة بإيران لم تجلب سوى الانهيار والعقوبات. بينما يقول قسم آخر من اللبنانيين إن السعودية موّلت الإرهابيين ليضربوا كلاً من لبنان وسوريا والعراق، وإن لا نفع في محاباة السعودية، في وقت تمسّ كرامة اللبنانيين كل يوم، وإن العلاقة الوطيدة بالحُكم اللبناني، خلال فترة عهد ميشال سليمان، لم تشفع للبنانيين، ولم تمنع السعودية من إرسال الانتحاريين ليسفكوا دماء الأبرياء في لبنان، خلال عامي 2013 و2014، كما يقولون.
3- ما الذي ينتظر هذه العلاقة؟
يعوّل السعوديون، ومعهم عدد من القوى الغربية، على تغيير الأغلبية النيابية في انتخابات عام 2022، والمتوقَّعة في أيار/مايو المقبل. ويشير كثير من المراقبين إلى أن التدريب وورش العمل انطلقت منذ أشهر، وأن الأموال والتبرُّعات بدأت تصل إلى جهات حزبية وبعض قوى المجتمع المدني، من أجل تحضير الارضية الانتخابية لهزيمة التيار الوطني الحر، بصورة أساسية، كجزء من محاولة عزل حزب الله في الداخل اللبناني.
لكنْ، بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات اللبنانية وتوزُّع القوى السياسية والكتل النيابية فيها، فإن التعويل الخارجي على قيام برلمان جديد، ذي أغلبية نيابية مغايرة تقوم بتغيير سياسة لبنان الخارجية، وتوجيه لبنان على نحوّ مغاير لما هو عليه الآن، ليس واقعياً.
لقد استمرّ حلفاء الأميركيين والسعودية في السيطرة على البرلمان اللبناني، منذ عام 2005 لغاية عام 2018، بالإضافة إلى وصول رئيس للجمهورية مُوالٍ للسعودية والغرب (ميشال سليمان)، ورئيس حكومة لبنانية مُوالٍ للأميركيين والسعودية (فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، تمام سلام)، ولم يستطع كل هؤلاء تحويل وجهة لبنان إلى حيث يريدون، ولم يستطيعوا أن يمنعوا حزب الله من التدخل في الحرب السورية منذ عام 2012، ولم يستطيعوا أن يحوّلوا موازين القوى الداخلية لمصلحتهم.
وعليه، ستكون الانتخابات النيابية محطةً جديدة في حياة اللبنانيين، لكن ما قبلها وما بعدها لن يغيّرا شيئاً، في ظل نظام فيتو متبادَل تمتلكه الطوائف، وفي ظل معادلات قوة تمّ تكريسها على مدى 16 عاماً، منذ اغتيال رفيق الحريري وخروج السوريين من لبنان، إلى اليوم.
* المصدر : الميادين نت
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع