لماذا يريد ممثلو الدولة دفن جمال خاشقجي
السياسية : بقلم: ديفيد هيرست
ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”
سؤالان بقيا بلا إجابة عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول قبل ثلاث سنوات: من الذي أمر بقتله بشكل قاطع، وماذا حدث للجثة؟
تعتقد جميع مصادر وكالة المخابرات المركزية والاستخبارات التركية والمخابرات البريطانية السرية, أن الجاني هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان, ولكن حتى الآن، كان هذا هو افتراضهم، بناءً على حساباتهم بأن مثل هذه العملية الكبيرة التي يشارك فيها فريقه الأساسي من حراسه الشخصيين لا يمكن أن تبدأ دون موافقته.
بعد أسابيع قليلة من مقتل خاشقجي، زُعم أن فرقة اغتيال أكبر وصلت إلى تورنتو لقتل سعد الجابري، المسؤول السابق في وزارة الداخلية السعودية.
تم الإبلاغ عن الفريق، المعروف باسم فرقة النمر، وإعادته إلى المطار, حيث قال الجابري إن فرقة النمر تم إنشاؤها عندما رفض شخصياً طلباً من محمد بن سلمان لاستخدام القوات الخاصة بوزارة الداخلية لتسليم أمير سعودي يعيش في أوروبا.
في حالة خاشقجي، لم يكن هناك اعتراف ولا شهادة, وفي النهاية لا يوجد دليل على أن محمد بن سلمان أصدر الأوامر.
ومن المحتمل أن تظل القضية قائمة بعد الإفراج يوم الأربعاء عن خالد عائض العتيبي، وهو رجل اعتقلته السلطات الفرنسية على أساس أنه مطلوب من قبل الإنتربول بموجب مذكرة توقيف دولية لدوره في مقتل خاشقجي.
هذا الرجل يمكن أن يجيب على كلا السؤالين. العضو السابق في الحرس الملكي الذي سافر مع محمد بن سلمان في بعض رحلاته الخارجية، يُزعم أن العتيبي كان في المنزل الخاص للقنصل وقت القتل، وكان مسؤولاً عن التخلص من رفات خاشقجي, مما يعني أنه سيكون قادراً على الإجابة على تلك التساؤلات, أسئلة بناءً على أوامر من تحركت فرقة القتل المكونة من 15 فرداً، وماذا حدث لجثة خاشقجي.
عمل كالعادة
زعم السعوديون منذ البداية أن الفرنسيين قد اعتقلوا الرجل الخطأ وأن هذه قضية خطأ في الهوية: “التقارير الإعلامية التي تشير إلى أن شخصاً متورطاً في جريمة ضد المواطن السعودي جمال خاشقجي تم القبض عليه في فرنسا كاذبة”.
“المدانون بارتكاب الجريمة يقضون حاليا عقوباتهم في السعودية.”
المسؤولون الأتراك يتوسلون الاختلاف حول قضية الهوية|, حيث يقولون أن الرجل السعودي الذي قبضت عليه السلطات الفرنسية كان يحمل جواز سفر للفريق الذي قتل خاشقجي بنفس الاسم ورقم جواز السفر.
قارن الأتراك عمليات مسح جواز السفر التي قدمها الفرنسيون بعمليات المسح الخاصة بهم، والتي تم التقاطها أثناء مرور فرقة النمر عبر قسم الشخصيات المهمة في مطار إسطنبول في يوم الذي تمت فيه عملية القتل.
قال المدعي العام في باريس في بيان, إن عمليات التحقق المتعمقة لتحديد هوية الشخص, أثبتت أن المذكرة لم تنطبق عليه, ولو قرر المدعي العام خلاف ذلك، لكانت حادثة دبلوماسية حقيقية قد انفجرت، لأن الحقيقة المحزنة هي أنه بعد ثلاث سنوات، تريد جميع الجهات الحكومية المعنية دفن خاشقجي،بجثة أو بدونها.
لا تريد تركيا ولا فرنسا ولا الولايات المتحدة, في الواقع استمرار المواجهة الدبلوماسية التي أحدثها مقتل خاشقجي, إنهم جميعاً يريدون التعامل مع ولي العهد.
اعتقل العتيبي بموجب مذكرة توقيف دولية أصدرها الانتربول نيابة عن محكمة تركية لا تزال تحاكم 26 سعوديا غيابيا.
في الشهر الماضي، سألت هذه المحكمة السلطات السعودية عما إذا كان المشتبه بهم قيد المحاكمة في اسطنبول قد واجهوا العدالة في الرياض.
لم تؤكد السعودية أبداً هوية ثمانية رجال أدينوا في محاكمة صورية أجراها السعوديون, إذا كان الجواب هو “نعم”، إذن، من الناحية النظرية، يمكن للمحكمة التركية إسقاط القضية على أساس أنه لا يمكن محاكمة نفس الرجال مرتين عن نفس الجريمة, لكن تركيا لم تسحب في أي وقت من الأوقات مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحق السعوديين الـ 26 الذين تزعم مسؤوليتهم عن مقتل خاشقجي.
إعادة العلاقات
قال مصدر حكومي لموقع ميدل إيست آي، إن تسليم العتيبي قد يكون فرصة لإغلاق قضية خاشقجي من خلال إلقاء اللوم كله على هذا الرجل.
لا يمكن أن يكون هناك شك في أن تركيا تريد بالفعل استعادة العلاقات ليس فقط مع السعودية، ولكن مع محمد بن سلمان شخصياً, ولا يمكن تحقيق ذلك دون إغلاق قضية خاشقجي.
اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعاهل السعودي الملك سلمان مرتين, حيث صرح مستشار أردوغان، إبراهيم كالين، علانية أنه يعتقد أنه يجب على تركيا والسعودية المضي قدماً.
وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك جهود لترتيب لقاء بين الرئيس التركي وولي العهد السعودي في الدوحة.
لم يحدث هذا لأن مسارات رحلاتهم “لم تتماشى”، ولكن يبدو الآن أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يجتمعوا.
تم استبعاد السعودية من التقارب الذي تم الترويج له على نطاق واسع وعلني للغاية بين أردوغان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والذي نتج عنه برنامج بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمارات الإماراتية في تركيا ووفد إماراتي في أنقرة للحديث عن شراء طائرات تركية بدون طيار.
لكن على الرغم من الإشارات الدافئة الصادرة عن أنقرة، فإن المقاطعة السعودية للبضائع التركية مستمرة، كما أن القرار الأخير بإغلاق المدارس التركية في المملكة أذهل أنقرة.
وفي حين أنه لا يوجد شيء شخصي بالنسبة لمحمد بن زايد وبراغماتيته تجعله قادراً اليوم على احتضان أردوغان- الذي كان يرغب بشدة في عزله في عام 2016 – بالنسبة لمحمد بن سلمان، كل شيء شخصي.
يلقي الأمير السعودي باللوم على أردوغان نفسه في الحملة التي استمرت ثلاث سنوات والتي حولت ملك المستقبل إلى منبوذ دولياً.
تريد فرنسا أيضاً جني الأموال من تعويض محمد بن سلمان. أصبح الرئيس إيمانويل ماكرون أول زعيم غربي يكسر العزلة الدبلوماسية للأمير السعودي من خلال لقائه علناً الأسبوع الماضي.
كانت محاولات ماكرون للتوسط في الخلاف بين السعودية ولبنان، والتي تسبب بها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي جراء الانتقاد العلني للحرب التي تقودها السعودية على اليمن.
كان جوهر الاجتماع، من وجهة نظر ماكرون، هو الوصول الوشيك لوفد تجاري مكون من 100 شركة فرنسية، بما في ذلك TotalEnergies و EDFو Thales و Vivendi .
دافع ماكرون عن نفسه ضد الاتهامات بأنه كان يعيد محمد بن سلمان إلى دائرة الضوء، وقال للصحفيين في دبي: “[يمكننا] أن نقرر بعد قضية خاشقجي ليس لدينا سياسة في المنطقة، وهو خيار يمكن للبعض الدفاع عنه، لكنني أعتقد ان فرنسا تلعب دوراً مهماً في المنطقة, هذا لا يعني أننا متواطئون أو أننا ننسى.”
أوه نعم، إنه كذلك.
قالت أغنيسكالامارد، التي كشف تقريرها بصفتها المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي عن المزيد من الحقائق حول مقتل خاشقجي، إنه يؤلمها أن ترى فرنسا، “بلد حقوق الإنسان”، تصبح أداة لسياسة تأهيل الأمير السعودي.
أخيراً، يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لم يتصل بــ بن سلمان بعد، دفن خاشقجي. تاركاً كل تلك الكلمات النارية التي قالها كمرشح رئاسي بعيداً عنه بعيداً – ماذا عن السعودية كونها “دولة منبوذة” مع “ليس لها قيمة اجتماعية تعويضية؟” – قرر بايدن في وقت مبكر من رئاسته عدم معاقبة ولي العهد، على الرغم من اكتشاف المخابرات الأمريكية أنه وافق بشكل مباشر على عملية القتل.
مرة أخرى، فشلت الدول الغربية في نفس معايير العدالة وحقوق الإنسان التي تستخدمها لتبرير ضرب ومعاقبة وقصف الدول في جميع أنحاء العالم.
مرة أخرى، يتم التشدق بقضية حماية الصحفيين الذين يدفعون أرواحهم للتحدث علانية.
مرة أخرى، يُسمح للقتلة والمختلين عقلياً بالوقوف على المسرح الدولي، مثل الأعمال التجارية الكبيرة والمغلفات في شركتهم.
ماذا غير موت جمال خاشقجي؟ لا شئ.
المفاجأة الوحيدة هي أن حملة المطالبة بالعدالة لقتله استمرت ثلاث سنوات فقط.
- المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع
- موقع “ميدل إيست آي”االبريطاني