السياسية :

كان النهج الدبلوماسي الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، مثل بقية العالم، قائمًا على حماية المصالح الأمريكية دائماً، وتختلف مهمة الدبلوماسيين الأمريكيين وفقًا للسياسة الخارجية للإدارات المختلفة.

المهام المختلفة للدبلوماسيين الأمريكيين في العالم… من التجسس إلى التحركات العسكرية

لكن وجود الدبلوماسيين الأمريكيين في مختلف البلدان، وخاصةً في منطقة غرب آسيا، يتعارض إلى حد كبير مع طبيعة المهمة المعتادة للدبلوماسيين حول العالم.

كانت السفارات الأمريكية حول العالم جزءًا من أدوات المخابرات والتجسس الأمريكية دائماً. إضافة إلى ذلك، قامت الولايات المتحدة مؤخرًا بتوسيع دور دبلوماسييها بما يتجاوز مهمتهم الأساسية، وتشمل المهام الجديدة لهؤلاء الدبلوماسيين جمع المعلومات من البلدان حول العالم؛ بحيث يقوم موظفو وزارة الخارجية الأمريكية بجمع المعلومات من بطاقات الائتمان وأرقام جوازات السفر وخطط العمل وغيرها من المعلومات الشخصية من كبار المسؤولين الأجانب.

ويجادل المسؤولون الأمريكيون بأن الدور الاستخباراتي للدبلوماسيين الأمريكيين يتماشى مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن هذا ما كان يفعله الدبلوماسيون الأمريكيون منذ سنوات. کما تشارك وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية(CIA) أيضًا في تشکيل الملفات الشخصية لكل مسؤولي دول العالم.

وتظهر بعض البرقيات التي أرسلتها وزارة الخارجية الأمريكية إلى دبلوماسييها، أن حكومة الولايات المتحدة طلبت منهم تقديم تفاصيل عن شبكات الاتصال التي تدعم الجيوش ووكالات الأنباء في جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك، ترسل الولايات المتحدة بانتظام عملاء استخباراتها إلى دول مختلفة في شكل بعثات دبلوماسية.

لكن على مدى العقدين الماضيين، ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق، تجاوز النشاط الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة، وخاصةً في العراق، التجسس إلى العمليات العسكرية. حيث إنه قبل بضع سنوات، تحولت السفارة الأمريكية في بغداد التي تبلغ مساحتها 42 هكتارًا في البداية إلى ثكنة عسكرية كبيرة، والآن يجري تنفيذ مشروع بناء مماثل لهذه السفارة في لبنان.

كواليس تغيير السفراء الأمريكيين في مختلف الدول

كما ذكرنا سابقًا، فإن للدبلوماسيين الأمريكيين في الغالب واجبات غير واجبات الدبلوماسيين الآخرين في العالم.

وعليه، وبالتزامن مع تغيير السياسة الخارجية لهذا البلد، إذا لم يتمكن الدبلوماسيون السابقون من تنفيذ الاستراتيجية الجديدة لواشنطن في دول مختلفة، فسيتم استبدالهم؛ حتى لو لم تنته فترة مهمتهم.

وفي هذا السياق، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا باستبدال السفراء الأمريكيين من أجل تغيير سياسته في مناطق مثل الشرق الأوسط. على سبيل المثال في أواخر أكتوبر الماضي، تم تعيين جيف فليك، أحد الحلفاء الرئيسيين لبايدن، سفيراً جديداً للولايات المتحدة لدى تركيا، والذي تربطه علاقات وثيقة بفتح الله غولن المعارض للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

النقطة المهمة في تعيين جيف فليك سفيراً للولايات المتحدة في أنقرة، هي سجله الحافل في دعم مدارس فتح الله غولن في الولايات المتحدة، المتهم بالتورط في تنظيم وقيادة انقلاب يوليو 2016 ضد أردوغان، ومن هذا المنظور يبدو أن هذا الخيار مرتبط ببعض التحركات الأمريكية لإزاحة أردوغان من السلطة، والتي بدأت بعد وصول بايدن إلى السلطة.

إن تعيين سفير أمريكي جديد في أنقرة له تاريخ في دعم جماعة فتح الله غولن، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تركيا والمطالبة الشعبية باستقالة أردوغان، يثير احتمال أن ينفذ خططًا للإطاحة بأردوغان.

وفي شرق آسيا أيضًا، ومع تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة واشتداد التحدي بين القوتين العظميين، ظلت السفارة الأمريكية في الصين شاغرةً منذ أكثر من عام ولم يكن للولايات المتحدة سفير لدى الصين.

لكن بايدن قدم “نيكولاس بيرنز” إلى مجلس الشيوخ في أغسطس الماضي كسفير جديد لدى الصين، ووافق مجلس الشيوخ على اختياره. كما أن خبرة بيرنز في العمل مهمة للغاية، حيث انضم إلى مجلس الأمن القومي الأمريكي في عام 1990.

وخلال رئاستي جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، تم انتخابه مديرًا للشؤون السوفيتية ثم مديرًا أول لروسيا وأوكرانيا وأوراسيا.

ثم شغل منصب سفير الولايات المتحدة في اليونان عام 1997 وسفير الولايات المتحدة لدى الناتو في عام 2001، وشغل منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية من 2005 إلى 2008، في عهد جورج دبليو بوش.

لذلك، يعتقد بعض الخبراء أن وجود خبير متمرس لديه معرفة عميقة بالعلاقات الصينية الأوروبية، كرئيس للسفارة الأمريكية في بكين، قد يعكس وجهة النظر القائلة بأن بيرنز من المفترض أن يراقب بذكاء علاقات الصين مع أوروبا، ويمنع الصين من ممارسة نفوذ كبير بين حلفاء الولايات المتحدة.

ما هي مهمة السفيرة الأمريكية الجديدة في العراق؟

لكن في غرب آسيا والمنطقة، أعلنت الولايات المتحدة قبل نحو أسبوع تعيين سفير جديد في العراق. حيث أعلن بايدن أنه يعتزم تعيين ألينا رومانوفسكي، السفيرة الحالية لواشنطن في الكويت، سفيرة له في العراق.

رومانوفسكي سفيرة الولايات المتحدة في الكويت منذ عام 2019. أكملت رومانوفسكي جزءًا من تعليمها في جامعة تل أبيب وتتقن الفرنسية والعربية والعبرية. ومن 2016 إلى 2020، شغلت رومانوفسكي منصب نائبة المنسق الرئيسي لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركية.

ومن عام 2015 إلى عام 2016، شغلت منصب منسق المساعدة الأمريكية لأوروبا وأوراسيا، وعملت بشكل وثيق مع مكتب شؤون جنوب ووسط آسيا ومكتب مدير المساعدة الخارجية.

کما عملت رومانوفسكي أيضًا کمساعدة لوزير الخارجية للشؤون التعليمية والثقافية من 2005 إلى 2011، ونائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى من 2005 إلى 2005. ومن عام 2011 إلى عام 2015، شغلت منصب نائبة مدير مكتب الشرق الأوسط في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

انضمت هذه الدبلوماسية الأمريكية إلى وزارة الخارجية في عام 2003 لإنشاء مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق الأوسطية(MEPI)، وكانت أول مديرة لها من 2003 إلى 2005.

وقبل انضمامها إلى وزارة الخارجية، عملت السفيرة الأمريكية الحالية لدى الكويت في وزارة الدفاع من عام 1990 إلى عام 2003، وتقلدت مناصب عليا في هذه الوزارة.

مع تصاعد الضغوط من أجل انسحاب القوات الأمريكية من العراق والإعلان الرسمي عن انتهاء المهمة العسكرية لتحالف واشنطن في العراق، ينظر الخبراء والمراقبون في المنطقة إلی تعيين إلينا رومانوفسكي سفيرةً جديدةً للولايات المتحدة في العراق، وهي من ذوي الخبرة في منصب رفيع في جهاز مكافحة الإرهاب الأمريكي، بنظرة الريبة والشك.

وصف الكثيرون رومانوفسكي بالخبيرة في “إدارة الإرهاب”، وأشاروا إلى نية الولايات المتحدة المحتملة لإعادة احتلال العراق، وتكرار السيناريو الذي حدث في عام 2014 مع دخول داعش إلى الأراضي العراقية.

دخلت واشنطن العراق عام 2014 بذريعة محاربة الإرهاب، ورسَّخت وجودها العسكري في هذا البلد، وقد عينت الآن سفيرةً لدی العراق يمكنها بسهولة إدارة الإرهاب بمظهر دبلوماسي وسياسي.

ويرى المحللون أن السفيرة الأمريكية الجديدة في بغداد تعتزم إعادة تنفيذ سيناريو انعدام الأمن في العراق تحت عنوان “إدارة الإرهاب”، لإقناع العراقيين بأن الأمن في بلادهم لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود القوات الأمريكية.

وتتعزز هذه الفرضية عندما نرى أن الولايات المتحدة ليس لديها نية حقيقية لسحب قواتها من الأراضي العراقية، بل غيَّرت فقط عنوان وجودهم في هذا البلد، بعنوان “المهمة الاستشارية”. لكن من الناحية العملية لن يكون هناك تغيير في المهمة الأساسية لهذه القوات، والتي تقوم على زعزعة استقرار العراق من خلال استهداف مجموعات المقاومة وتنشيط الإرهاب.

ولذلك، لا يمکن أن نتوقع أن تتوقف تحرکات واشنطن بعد إعلان انتهاء المهمة العسكرية الأمريكية في العراق، لمواصلة مشروعها لزعزعة استقرار وأمن العراق والتآمر على فصائل المقاومة، وخاصةً بعد بدء مهمة إلينا رومانوفسكي في هذا البلد.

* المصدر : الوقت التحليلي