التحالف السعودي أمام خيار تجرع “كأس السم” في مأرب أو القبول بشروط صنعاء
عليان عليان*
بعد أشهر قليلة من زحف الجيش اليمني واللجان الشعبية باتجاه مدينة مأرب الاستراتيجية وبعد معارك قاسية خاضها الجيش ، تمكن خلالها من تحرير كافة مديريات محافظة مأرب ، باستثناء مديرية واحدة ألا وهي مديرية ” الوادي” لم يعد أمام قوات تحالف العدوان والمرتزقة سوى الانتحار الجماعي في أزقة مأرب ، أو الهرب باتجاه السعودية من خلال الممر الذي تركه الجيش اليمني مفتوحا بعد أن أكمل الحصار عليها من ثلاث جهات .
وما سهل مهمة الانتصارات في الأيام الأخيرة ، انهيار الروح المعنوية لقوات التحالف والمرتزقة وتنظيم القاعدة ، وضعف القدرات القتالية لتلك القوات رغم امتلاكها كل صنوف الأسلحة الأمريكية والغربية ، ورغم الاسناد الجوي الهائل من طائرات إف 15 ، إف 16 و إف 35 التي لم تتوقف عن إسقاط آلاف الصواريخ والقنابل ، إذ رأينا توثيقاً بالفيديو وبالصوت والصورة حول تمكن الجيش واللجان من تحرير مساحات شاسعة في كل معركة واندحار قوى العدوان، وهروب قطعان المرتزقة من ميدان المعركة ووقوع المئات في صفوفهم بين قتلى وجرحى وأسرى.
انهيارات متتالية في صفوف تحالف العدوان
لقد أسفرت الانهيارات في صفوف قوات تحالف العدوان ، إلى انفراط مسبحة العدوان بالتدريج وبهذا الصد نشير إلى ما يلي :
1-تجرؤ الأحزاب السياسية الستة المحتضنة لمشروع العدوان ، التي سارت في فلك السعودية و عبد ربه منصور هادي- في إعلاء الصوت عالياً ، عبر بيان صارخ أعلنت فيه أن التحالف السعودي وإدارة الرئيس هادي وحكومته فشلتا فشلاً ذريعاً في إدارة معركة مأرب”.
كما أعربت هذه الأحزاب في بيان لها في مطلع تشرن ثاني الجاري، عن استغرابها الشديد لأداء التحالف السعودي ولسوء إدارته للمهمة التي أنيطت به في الحرب، متهماً من وصفها بـ”الشرعية” بالفشل في إدارة المعركة فشلاً ذريعاً في مسؤولياتها على مختلف الأصعدة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً وعلى كافّة المستويات محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو الفشل الذي انعكس على مشروعِ مواجهة ومقاومة قوّات حكومة صنعاء”و الأحزاب التي وقعت البيان هي : المؤتمر الشعبي العام، التجمّع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي القومي، وحزب الرشاد اليمني.
2- وصول رسائل من المعتدلين في التجمع اليمني للإصلاح ( الإخوان المسلمون) في مدينة مأرب لحركة أنصار الله ، تفيد بأنهم مع حقن الدماء في مدينة مأرب ، لكنهم يواجهون رفض المتطرفين في الحزب الذين يصرون على القتال مهما كانت النتائج ، وقد ردت قيادة أنصار الله أنها تطالب بتسلم المدينة بدون قتال حقناً للدماء ، مقابل ضمان مشاركة حزب الاصلاح في العملية السياسية بعد اكتمال تحرير اليمن.
وكان نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء، حسين العزي، قد صرح بأن”عقلاء حزب الإصلاح أبلغونا أنهم فشلوا في إقناع متطرّفيهم بالسلام والتسليم الطوعي للدولة”، وأضاف أنهم “تمنوا علينا أن نميّز بين التوجهات الموجودة داخل الحزب”.
3- لجوء القبائل في مختلف المديريات إلى مراجعة موقفها من الحرب والتحالفات عشية تحرير مأرب ، وبتنا نشهد كل يوم تقاطر الوفود القبلية إلى العاصمة صنعاء ، معلنة رفضها الحرب إلى جانب تحالف العدوان وتأييدها ودعمها للجيش واللجان في تحرير مأرب وبقية المدن اليمنية .
إذ أنه وبعد توقيع 24 قبيلة من محافظة شبوة صلحاً عاماً تحقيقاً للنفير العام في مواجهة قوى العدوان والاحتلال، حضر وفد قبلي من مديرية جبل مراد ومعه ( 1500) مقاتل لمقابلة قائد “أنصار الله” عبد الملك الحوثي ، وأعلن انحيازه للجيش بعد أم كان يقاتل سابقاً في صفوف تحالف العدوان.
وكانت قوات الجيش واللجان الشعبية قد أعلنت عن سيطرتها على عشرات القرى بدون قتال بشكل سلمي ودون مواجهات ، من بينها قرى الخثلة ونجد العذلان والمساجد جنوب مدينة مأرب بعد اتفاق مع القبائل لتجنيب هذه المناطق ويلات الحرب والدمار وحقناً للدماء.
انتصارات الجيش اليمني وتخبط قوى العدوان
مسلسل انتصارات الجيش اليمني واللجان يسير بخطى ثابته وبشكل متواصل لتحرير مدينة مأرب، وذلك بعد التقاء مساري القوات المسلحة اليمنية من جهة صراوح وجنوب غرب مأرب ،حيث تدور المواجهات بين قوات الجيش واللجان من جهة، وقوات التحالف السعودي من جهة أخرى، في عدد من محاور مدينة مأرب، وذلك بعد استكمال الجيش واللجان السيطرة على منطقة روضة جهم، بين مديريتي صرواح ومدينة مأرب، وعلى عددٍ من التلال والمواقع المحيطة بجبل البَلَق الأوسط، والمطلّة على البوابة الجنوبية لمأرب.
وفي مواجهة هذه الانتصارات ، نشهد حالة من التخبط تسود قوات تحالف العدوان وانعدام التنسيق بين أطرافها ، إذ فوجئ المراقبون بانسحاب القوات التابعة للإمارات ” ألوية العمالقة وقوات صالح”، من مواقع استراتيجية ، ومن الخطوط الأمامية لجبهات جنوبي وشرقي الحديدة”، بدون إعلام حكومة هادي والرياض ، وبدون التنسيق مع البعثة الأممية المشرفة على اتفاق الحديدة ، إذ سرعان ما أعلنت قوات الجيش واللجان الشعبية عن سيطرتها على المواقع التي انسحبت منها قوات صالح والعمالقة فاتحةً الطريق بين الحديدة والعاصمة صنعاء.
وقد تراوحت التفسيرات بشأن الانسحاب المفاجئ لقوات التحالف المرتبطة بالإمارات لمسافة تزيد عن 70 كيلو متراً ، ففي حين رأى بعض المحللين العسكريين ، أن الانسحاب يستهدف دعم قوات التحالف المحاصرة في مأرب ، رأى محللون آخرون أن الانسحاب يستهدف فتح جبهة عسكرية غرب محافظة تعز ، لأن أكثر ما يؤرق الإمارات هو أن تكون الوجهة القادمة للجيش اليمني واللجان الشعبية هو ميناء المخا ، إذ أن سيطرة الجيش واللجان على ” المخا” يمكنها من السيطرة على مضيق باب المندب ، ومن ثم إفشال كل الخطط والمشاريع الإماراتية- الإسرائيلية في المضيق والبحر الأحمر عموماً.
لقد فقد تحالف العدوان السيطرة على أعصابه المنهارة ، في مواجهة انهيار دفاعاته الواحدة تلو الأخرى عن مدينة مأرب ، وعاد ليقصف محيط الحديدة والعاصمة صنعاء وصعدة وسائر المدن اليمنية بشكل سجادي ، بعد أن لم يبق هدفاً واحداً في بنك أهدافه لم يقصف من مدارس ومساجد ومصانع ومواقع عسكرية وأحياء مدنية …ألخ، متوقعاً أن هذا القصف سيشل حركة قوات الجيش واللجان في محيط مأرب ، وسيربك قيادة أنصار الله ، لكنه فوجئ بحجم الرد من قوات الجيش واللجان عبر عملية ” توازن الردع الثامنة” رداً على تصعيد العدوان وجرائمه وحصاره ، والتي تمثلت بتنفيذ القوات المسلحة سلسلة عمليات عبر (12) طائرة مسيرة استهدفت “قاعدة الملك خالد في الرياض، ومطار الملك عبد الله في جدة”، و”مصافي أرامكو ومطار أبها”.
إلى أين تتجه الأمور ؟
لقد جاءت معركة مأرب الاستراتيجية، لتعري الإدارة الأمريكية وتكشف زيف موقفها من العدوان السعودي ، عندما سارع الرئيس الأمريكي “جوزف بايدن” ووزير خارجيته “أننتوني بلينكن” ،بمطالبة الجيش واللجان بوقف الزحف على مدينة مأرب ومنع تحريرها والعودة إلى المفاوضات والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، في الوقت الذي لم تعلق فيه إدارة بايدن على استمرار العدوان والقصف السجادي السعودي على كل شبر من أرض اليمن، الذي راح ضحيته منذ عام 2015 ما يزيد عن 250 ألف مواطن يمني ودمر ولا يزال يدمر البنية التحتية لليمن، ولم يتورع عن قصف الأهداف المدنية من مدارس ومستشفيات ومصانع ومواقع أثرية وأسواق تجارية ، وبيوت العزاء ألخ .
كما أن إدارة بايدن، لم تعلق على محاولات التحالف السعودي وأدواته البائسة ، للسيطرة على مواقع جديدة في اليمن ، ما يعني بدون كثير من التمحيص، بأن بايدن أطلق يد بن سلمان للاستمرار في الحرب لتحسين شروط السعودية وواشنطن، في التسوية القادمة مع حكومة صنعاء بعد أن لاحت تباشير النصر للجيش اليمني واللجان الشعبية.
لا نبالغ إذ نقول بأن تحرير معركة مأرب باتت مسألة وقت ، بل مسألة أيام بعد أن أسقط الجيش اليمني الخط الأحمر الذي رسمته الإدارة الأمريكية بشأن تحرير مأرب ، ولا يغير من واقع صورة الهزيمة التي تنتظر تحالف العدوان، الدعم العسكري الأمريكي مدفوع الأجر للسعودية، الذي لم يتوقف رغم قرار الكونجرس الشكلي بوقف مد السعودية ما أسماه بالأسلحة الهجومية.
إذ تؤكد التقارير بشأن مبيعات الأسلحة الجديدة الأمريكية للسعودية ، بأن عقوداً بمئات المليارات الدولارات وقعتها البقرة الحلوب مع الإدارة الأمريكية ، شملت منظومة الدفاع الجوي الأمريكية المتطورة ” ثاد” وطوافات القتال القانصة ، إضافة لصفقات الشراء المستمرة لطائرات ف 15 ، وف 16 و ف 35 وغيرها ، إذ أنه وفي شهر تشرين أول الماضي ومطلع تشرين ثاني الجاري ،أرسلت واشنطن سرباً من الطائرات إلى قاعدة سلطان في السعودية، وكاسحة ألغام إلى البحر الأحمر، وأبرمت صفقة صواريخ جو – جو مع السعودية(إيه أي أم 120 سي) بقيمة 650 مليون دولار.
السعودية لا تزال تعيش حالة إنكار ، رغم الهزائم المتلاحقة التي لحقت ولا تزال تلحق بها على الأراضي اليمنية ، ورغم توغلات القوات اليمنية المتكررة في عمق المحافظات الجنوبية السعودية ” جيزان ونجران وعسير” ، والإدارة الأمريكية هي الأخرى تتخبط وتبحث عن سبل لتلافي الهزيمة التي باتت مقتنعة بحصولها.
وقد تبدى التخبط الأمريكي والاعتراف بالهزيمة، في ما كتبه مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر في مقال نشره المعهد الأميركي للدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط ، يرجّح فيه أن “أعداء واشنطن سينتصرون في هذه الحرب عاجلاً وليس آجلاً، ويسيطرون على مصادر الطاقة في اليمن”، ويدعو في المقابل إدارة بايدن إلى “صياغة خطة بديلة تتمثّل بالعمل مع السعوديين لتسليح وتنظيم حكومة هادي وحلفائها المحليين بشكل أفضل أو عن طريق إصدار أمر للجيش الأميركي بالتدخل المباشر”.
والتهديد الأمريكي بالتدخل المباشر في اليمن عبر إرسال قوات للقتال في مأرب وغيرها من المحافظات اليمنية بات محل تندر معظم المراقبين العسكريين ، لعدة أسباب أبرزها :
1-لأن كل عمليات القصف – التي لا تعد ولا تحصى- للأراضي اليمنية منذ عام 2015 والتي لم تترك هدفاً مدنياً إلا ودمرته، لم تمكن تحالف العدوان من تركيع صنعاء أو هزيمة الإرادة السياسية فيها.
2- لأن جيوش المرتزقة التي حشدتها أمريكا والسعودية ، وكذلك جيوش تحالف العدوان السعودي الإماراتي ، وقوات عبد ربه منصور هادي ، التي وضعت تحت تصرفها كل صنوف الأسلحة الأمريكية والغربية، لم تفت في عضد الجيش اليمني واللجان الشعبية ، ولم تفت في عضد أنصار الله ، ولم تفلح في انتزاع بوصة واحدة من الأراضي اليمنية المحررة.
3- لأن القوات الأمريكية التي أجبرت على الانسحاب من أفغانستان ذليلة مكسورة لن تورط نفسها في حرب اليمن، لإدراكها بأن هزيمتها في اليمن ستكون أقسى بكثير من هزيمتها في أفغانستان.
لم يبق أمام تحالف العدوان السعودي الصهيو أميركي سوى ا تجرع كأس السم ” سم الهزيمة ، أو القبول بالشروط التي وضعتها صنعاء لوقف الحرب والبدء بالمفاوضات، ممثلةً بوقف الحصار ووقف العدوان وفتح مطار صنعاء وبقية الموانئ اليمنية ، والتعويض عما دمرته الحرب .
* المصدر : رأي اليوم