السياسية :

بعد سنوات من الحرب على الشعب اليمني دعونا نتأمل في خريطة انتشار القوات السعودية والإماراتية في مأرب وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى والساحل الغربي، يبدو واضحاً من هذا التأمل أن الهدف أبعد ما يكون عن محاصرة حركة أنصار الله أو إخضاعها نظراً لبعد هذه المحافظات عن أماكن الصراع إذاً هناك أهداف جيوسياسية لهذا العدوان ومن أهمها الهيمنة على ثروة النفط والغاز اليمنية.

احتياطي ضخم ولكن أين هو؟

يُجمع العديد من الاقتصاديون وشركات التنقيب المتعددة الأميركية والأوروبية والروسية التي دخلت اليمن على أنَّ هناك مخزوناً هائلاً من الثروة النفطية في اليمن، يقدّر وفق مصادر رسمية بـ11.950 مليار برميل، المعروف منها والمثبت بحدود 3 مليار برميل نفط في حوض شبوة مأرب وحوض سيئون – المسيلة، والتي تمثّل الأحواض المنتجة في اليمن، وتضع البلد في الترتيب الـ29 في تصنيف احتياطيات النفط، بمعنى أنَّه لم يستخرج منها حتى الآن سوى 20%، فيما لا يزال أكثر من 80% من الأحواض الرسوبية والمناطق الواعدة والمؤهلة لتكوين نظام بترولي غير مكتشف، وتحديداً في حوض جزع – قمر وحوض الربع الخالي بين المهرة وحضرموت ومأرب والجوف، والتي يصفها خبراء النفط والجيولوجيا بـ”سيبيريا اليمن”، ناهيك بالأحواض المغمورة، مثل حوض سقطرى وحوض البحر الأحمر (تهامة).

الجوف على بحر من النفط

كما تشير مصادر غير رسمية إلى أن محافظة الجوف وحدها في الجزء الشمالي الشرقي لليمن على الحدود مع السعودية تعوم على بحيرة من النفط، وبمخزون هائل. وبغض النظر عن صحة هذه المعلومة غير المثبتة حتى الآن، إلا أن الواضح أن للسعودية أطماعها ومخاوفها القديمة والمتجددة من استغلال اليمن لثرواته النفطية والغازية وغيرها من الثروة الطبيعية، إلى جانب أن النخبة السياسية الحاكمة لليمن كانت مرتهنة طيلة العقود الماضية للسعودية وغير رشيدة، وأدخلت البلد في دوامة حروب بين الشمال والجنوب، وبين الجنوبيين تارة والشماليين تارة أخرى، وحرمته من استغلال ثرواته وموقعه الاستراتيجي، إلى جانب عوامل إقليمية ودولية أخرى، أبرزها التدخل السلبي للنظام السعودي واعتماده استراتيجية “عدم الاستقرار في اليمن”، عملاً بوصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود لأبنائه وأحفاده، بأن “عز اليمن في ذل السعودية، وذل اليمن في عز السعودية”، لإدراك العقل السعودي أن الاستقرار السياسي في اليمن يؤسس لاستقرار اقتصادي، ويمنحه أفضلية منافسة، إن لم تكن متفوقة، على الدور السعودي في المنطقة، لأن اليمن ليس فقيراً، وهو يملك مقومات الدولة القوية من ناحية الموقع والسكان والثروة.

السعودية والتنقيب عن النفط

بين فترة وأخرى تتعالى أصوات شعبية ورسمية في اليمن تقول صراحة: إن “السعودية تقف وراء عدم الاستكشاف والتنقيب عن الثروة النفطية في بعض المناطق اليمنية”، بل إنها تذهب إلى أن “المملكة أجبرت الدولة اليمنية على عدم الإنتاج من مناطق أكدت عمليات استكشاف أنها تحتوي على نفط”، كما في محافظة الجوف الواقعة شرقي البلاد والمتاخمة للحدود السعودية.

ما يعزز هذه الاتهامات توقف عمليات التنقيب فجأة من خلال شركة “هنت” الأمريكية بمحافظة الجوف في ثمانينيات القرن الماضي. وتشير الروايات إلى أن زعامات قبلية موالية للسعودية وقفت خلف منع عمليات التنقيب قبل أن تعود في عام 2013، بتوجيه من الرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى إعادة عمليات الاستكشاف والتنقيب، التي استهدفت حفر أربع آبار في منطقة الخسف بالجوف فيما يعرف بالقطاع 18؛ لكنها واجهت تصعيداً سعودياً من خلال ملف ترحيل المغتربين اليمنيين. وما يزيد الأمر غموضاً عدم إعلان الشركة نتائج أعمالها التي توقفت دون إيضاح.

ليكشف تصريح حكومي يمني في ديسمبر 2013، عن ممارسات سعودية تهدف إلى منع التنقيب عن النفط في المناطق الحدودية معها، وفقاً لما نقله موقع “الخبر” اليمني عن وزير الإدارة المحلية حينذاك علي محمد اليزيدي، الذي تحدث أمام وفد من حضرموت.

اتفاقية سعودية يمنية مشبوهة

وقعت السعودية واليمن عام 2000 في مدينة جدة اتفاقية تقضي بألا يتم التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما في منطقة تبعد 40 كيلومتراً عن الحدود، إلا بموافقة كلا الجانبين اليمني والسعودي.

الاتفاقية التي نصت على تبادل المعلومات المتعلقة بالثروات النفطية في المناطق الحدودية، لم تلتزمها السعودية، حيث كشفت صحيفة “الشارع” اليمنية، في فبراير من عام 2014، عن رسالة من وزير النفط اليمني الأسبق، رشيد بارباع، إلى رئيس الوزراء اليمني آنذاك، أكّد فيها أن الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود قال إنه سيوجه وزارة النفط في السعودية بتزويد اليمن بالمعلومات بشأن النفط والمعادن الموجودة في الأراضي الحدودية بموجب “اتفاقية جدة” لترسيم الحدود، إلا أن الأمر لم يتم ولم تف السعودية بتعهداتها في هذا الشأن.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة السعودية تجاهلت رسائل الحكومة اليمنية بهذا الشأن، وعندما أرسل اليمن وفداً إلى السعودية أبقوه في الفندق، وعاد من دون أن يحصل على أي معلومات.

تأكيد شبه رسمي يمني

في هذا السياق أكد دبلوماسي يمني برتبة “سفير”، عمل سابقاً ضمن البعثة الدبلوماسية اليمنية، أن السعودية تقف وراء منع التنقيب، ليس فقط في محافظة الجوف، بل الحُديدة أيضاً.

السفير، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، قال: إن “المملكة استغلت ضعف إمكانات الحكومة اليمنية، التي لا تستطيع تحمل نفقات عمليات التنقيب والاستكشاف الضخمة، كما أنها كانت تعرقل أي محاولة اتفاق مع شركات أجنبية أخرى”.

وفي المقابل، يرى خبير نفطي يمني أن الاتهامات اليمنية الموجهة إلى السعودية تفتقد مسوغات منطقية، فهو يرى أنه لا وجود لأي مجال للمنافسة من ناحية، وعدم ثبوت أي خلافات حول السيادة على مناطق واعدة.

إمكانات يمنية محدودة

لا يتجاوز الإنتاج النفطي اليمني 500 ألف برميل يومياً، وفقاً لما هو معلن من مناطق مأرب وشبوة وحضرموت، في مقابل 12 مليون برميل تنتجها السعودية باعتبارها أول منتج للنفط في العالم، فضلاً عن احتياطيها الضخم.

واعتبر الخبير، الذي رفض الكشف عن هويته، أن إمكانات اليمن النفطية في حدود ما تم من اكتشافات حتى الآن متواضعة جداً.

وأضاف: “المناطق الواعدة لا أظنها بذلك الحجم الذي يتداوله الإعلام، ولا نتوقع أن ينافس اليمن أصغر جيرانه في الثروات النفطية طبعاً، هذا في المدى المنظور، ما لم يتم اكتشاف غير متوقَّع”.

وعن مسوغات إمكانية تأثُّر الآبار بعضها ببعض لو كانت متجاورة أو قريبة بعضها من بعض، أوضح الخبير اليمني أن “النفط يوجد في حقول تكون بأحجام ومساحات مختلفة من صغيرة إلى عملاقة، وبعض الحقول تتكون من مكامن، وربما مستويات إنتاجية متعددة، وأحياناً من مكمن واحد”.

ولفت إلى أنه “فقط، الآبار التي تنتج من المكمن نفسه ومن النطاق نفسه يؤثر بعضها في بعض، وإذا تمت عمليات الحفر التطويري وفق دراسات علمية دقيقة، تنتج كل بئر من المساحة والحجم المستهدف بحفر البئر دون أن يتعدى ذلك إلى المساحة والحجم المستهدف لأي بئر مجاورة”.

وتابع: “أحياناً تكون المكامن والنطاقات متصلةً بعضها ببعض بشكل ما ولدرجة ما؛ ومن ثم تتأثر فيما بينها. طبعاً هذا بصورة مبسطة، لأن هناك تعقيدات وتشعبات وفق حالات متعددة”.

نيات سعودية مبيتة

المتخصص بالشأن الاقتصادي اليمني هشام البكيري، قال: إن “القطاع النفطي في اليمن ما يزال بِكراً وواعداً”، مشيراً إلى أن “هناك تقارير لمؤسسات غربية تتوقع وجود كميات نفطية كبيرة في باطن الأراضي اليمنية، إلا أن ضعف سلطة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية من أكبر العوائق التي تمنع الاستكشافات النفطية”.

و لم يستبعد البكيري أن “تقوم السعودية بهذه الممارسات، فلديها سوء نية تجاه اليمن. منذ قيام الثورة اليمنية، في فجر 26 سبتمبر 1962، والمملكة تتدخل بكل ثقلها في تشكيل البنية السياسية والعسكرية والاقتصادية للدولة اليمنية، وتعيد تشكيل مراكز نفوذ التركيبة الاجتماعية اليمنية بما يخدم إبقاء الدولة اليمنية في إطار نفوذها”.

كما أوضح أن القطاع النفطي من أهم ركائز الاقتصاد اليمني؛ فهو يغطي أكثر من ثلثي الميزانية العامة رغم محدودية الاستثمارات بهذا القطاع الحيوي، “فأي إجراءات تتخذها السعودية لمنع اليمن من التنقيب والاستكشافات النفطية في الجوف، تعمل على إبقاء أوضاع اليمنيين الاقتصادية متدهورة، وتحت رحمة سياساتها الخاطئة، لجعل اليمن بؤرة فقر واحتراب يستنزف مقومات الدولة وطاقة اليمنيين للحيلولة دون بناء دولة قوية”.

وبحسب البكيري، فإن السياسة السعودية الساعية إلى حرمان اليمنيين من نفطهم مستمرة إلى اليوم، فالتحالف الذي تقوده المملكة لدعم الشرعية لم يسمح للحكومة اليمنية بإعادة إنتاج النفط وتصديره.

لم يعد خافياً على أحد أن العدوان على اليمن والصراع الدائر لاحتلال بلد الحكمة والإيمان هو من أجل مطامع المستعمرين القدامى والجدد الذين يسعون للسيطرة على ثروات البلاد وسواحلها وموانئها وجزرها وبحارها وكل شيء ثمين فيها.

ومما لا شك فيه أن مطامع المستعمرين الجدد وعلى رأسهم الخليجي والأمريكي كبيرة لا سيما ما يتعلق بالثروات النفطية التي تحتويها أرض حمير , حيث يعلم القاصي و الداني أن اليمن تمتلك احتياطيات هائلة من النفط والغاز والمعادن الثمينة كالذهب وغيرها من المعادن التي تختزنها جبال ووديان وسواحل وجزر وبحار هذا البلد المسمى تاريخيا بـ ”البلد السعيد” وهذه الثروات بلا شك هي التي جعلت الغزاة يقبرون في اليمن عبر القرون الماضية.

* المصدر : الوقت التحليلي