آل سعود: خدّام المال ومدمِّرو الآثار الإسلامية
يوسف جابر*
لهثُ آل سعود نحو “الانفتاح” يدفع بهم لتغيير هويّة “الحجاز” ثقافيًا وعُمرانيًا عبر طمس وتدمير الآثار الإسلامية. لقب “خادم الحرميْن الشريفيْن” ـ الذي اتُخذ عام 1986 ـ لاعطاء صبغة شرعية ودينية للملك على الصعيدين العربي والإسلامي، بات لازمًا أن يتغيَّر، فسياسته تجاه الحرميْن ليست إلا خدمةً لأطماع السلطة والمال وتبعيةً للغرب.
تجري في مكة منذ ما يقارب الخمسة عقود عملية تغييرٍ ممنهجٍ لهوية المدينة التي تشكّل بالنسبة للمسلمين قيمة روحية كبيرة لتتحول إلى مدينة عالمية لا تنسجم مع تاريخها وإرثها العظيم، فصار الحرم المكي مُحاطًا بفنادق تنطح السُحب، وأصبحت مكة المكرمة في ثوبها الجديد مدينة مزدوجة الهوية.
من الواضح أن الحكومة السعودية تتعمّد تدمير الآثار الإسلامية في مكة والمدينة بدلًا من صون وحماية تلك الأماكن التي من المفترض أنها تُعدّها “أمانة مقدسة”. وبالفعل منذ عام 1985 وحتى الآن دمّر أكثر من 90% من هذه الآثار وفقًا لتقرير نشرته مجلة “التايمز” في تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
وفي إحصائية لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، يتبيّن أنَّ 95 % من المباني القديمة التي ارتبطت بحياة النبي محمد (ص)، قد هُدمت في العقديْن الماضييْن، ولم تعد صحراء الجزيرة تُضاء بالنجوم، لكن الآن تضيئها سلاسل الفنادق الفاخرة وسلاسل المطاعم والمقاهي التجارية الرأسمالية المبهرجة أمثال “ماكدونالدز” و”ستاربكس” و”باسكن روبنز” والعديد من البوتيكات.
وتذكر الإحصائية أنَّه بُني فوق بيت زوجة الرسول (ص) السيدة خديجة (ع) 1400 مرحاض عام، وموضع مولد النبي محمد(ص) بُنيت عليه مكتبة، إضافةً إلى إزالة منازل صحابة النبي (ص) وتحويلها لمحال تجارية. ولم تتوقف العائلة السعودية عند حدِّ هدم المنازل، بل دمَّرت أيضًا مقابر المسلمين التي يعود تاريخها إلى أكثر من 1000 سنة، وسُحقت جبال مكة لإفساح الطريق لمواقف السيارات!
آل سعود قاموا بهدم مقبرة البقيع في المدينة المنورة التي تضم أضرحة عددٍ من أهل بيت رسول الله (ع) وأبرزهم الإمام الحسن المجتبى (ع)، والإمام علي زين العابدين (ع)، والإمام محمد الباقر (ع)، والإمام جعفر الصادق (ع)، إضافة لهدم المساجد السبعة في المدينة: مسجد الفتح (او الاحزاب) ومسجد سلمان الفارسي ومسجد أبي بكر ومسجد عمر ومسجد فاطمة ومسجد علي ومسجد القبلتين، وحوّلوا بعضها إلى صرافات الكترونية.
وتتعمد الحكومة السعودية تدمير الآثار الإسلامية وآثار الرسول “بحجة أن لا يعبدها الناس من دون الله، وأنه لا تجوز هذه المشاهد التي على القبور”. وتستند المؤسسة الدينية السعودية بذلك لمحمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، في وقتٍ بقيت عاصمتها الأولى الدرعية المجاورة للرياض بآثارها وتُراثها على حالها تقريبًا كما كانت، وأُنفقت مئات الملايين من الدولارات لترميمها، وبذلت الرياض جهودًا استثنائية حتى وضعت الدرعية ضمن لائحة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو عام 2010.
هذا، وتُقام المعارض الخاصة بملوك السعودية الراحلين التي تكلف أموالًا طائلة، وتحوي جميع مقتنياتهم من صور وسيارات وحتى ملابس، وسط ترحيب من المؤسسة الدينية التي هي نفسها تطالب بتدمير الآثار الإسلامية.
هذه المقارنة الأولية بين سياسة آل سعود في تطوير الدرعية وسياستهم في تدمير مكة والمدينة، تجعل فكرة أن ما يحدث في مكة من تطويرٍ عمراني بغلاف التوسعة لراحة زوار البيت الحرام تتهاوى أمام فكرة أن فلسفة التخطيط العمراني في مكة هي اقتصادية رأسمالية لتعظيم الربح من أكثر مناطق الاستثمار العقاري في العالم قيمة.
ورغم أنَّ جهة حكومية سعودية في 2014 اقترحت نقل قبر النبي محمد (ص) من موقعه الحالي، ما أدى إلى احتجاجات واسعة بين علماء الدين في العالم الإسلامي، وحتى اليوم لا يزال مشروع التوسعة السعودية للحرم المكي مُستمرًا. أُناسٌ ليسوا أهلًا لأن يكونوا خدامًا لهذا المكان المقدس، فإلى أيّ مدى يتمادى آل سعود في تدمير الحضارة الإسلامية لصالح “الانفتاح”؟
كلّ هذا يجري بموازاة استمرار العمل على تشييد وبناء فنادق وأبراج شاهقة الارتفاع في محيط الكعبة الشريفة يصل بعضها الى حدود السماء، حتى باتت قبلة المسلمين شبه ظاهرة، في تعدٍّ صارخ على قيمتها الإسلامية. اليوم، يمسي فندق الهيلتون الركن الأهمّ في الصورة المقدمة من جانب آل سعود، ويغطّي على الكعبة الشريفة.
* المصدر : موقع العهد الإخباري