حرب اليمن.. نموذج ساطع للتعاون بين “الدبلوماسية والميدان”
السياسية :
الدبلوماسية أم الميدان؟ هذه هي الصورة النمطية التي يعتقد عشاق كلا المجموعتين أنها مفتاح الفوز في أي معركة؛ وذلك لأن القادة العسكريين والمخططين والمقاتلين هم الذين سوف يتحملون وطأة الانتصار أو الخسارة في معركة ما، بينما السياسيين والقادة المدنيين يديرون الاحداث من وراء الكواليس، من خلال المفاوضات والتجنيد وتعزيز جبهتهم في العلاقات الدولية، وهذا الامر يوفر النجاح والانتصار في المعارك الميدانية والمفاوضات الدولية. ويمكن أن تكون الحرب اليمنية مثالاً على التوازن الدقيق والتعاون بين الدبلوماسية والميدان. وأحدث مثال على ذلك هو الانسحاب الغريب لتحالف العدوان السعودي من بوابات ميناء الحديدة على الساحل الغربي لليمن، والتمركز على بعد 74 كيلومترًا جنوب المدينة.
معركة الحديدة؛ من فشل تحالف العدوان السعودي في احتلال الميناء إلى التراجع الفاضح
بالنسبة لأولئك الذين يراقبون الوضع الحالي في اليمن والانتصارات الهائلة لـ”أنصار اللة”، فإن الأحداث التي وقعت بداية عام 2018 يمكن أن تكون غريبة جدًا ولا تصدق؛ شهران فقط مرت على الاشتباكات في مدينة صنعاء بين قوات الشعب اليمني والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح”، الذي قتل أثناء تلك المعركة عند فراره إلى مدينة مأرب. وقيام قسم كبير من القوات اليمنية السابقة بقيادة طارق صالح (ابن شقيق عبد الله صالح) بالسيطرة على ميناء الخوخة جنوب ساحل الحديدة، وخيانته لحكومة صنعاء والتحالف مع تحالف العدوان السعودي الإماراتي والسيطرة على هذه المناطق الحساسة.
ولقد كان الوضع على الأرض حرجًا للغاية بالنسبة لقوات “أنصار الله”، حيث تقدمت القوات المتحالفة مع تحالف العدوان السعودي وقوات طارق صالح وقوات المجلس الجنوبي الانتقالي ووصولهم إلى بوابات ميناء الحديدة الجنوبية والغربية، مما أدى إلى قطع طريق صنعاء – الحديدة اللوجستي، الذي كان بمثابة شريانًا حيويًا لـ”أنصار الله”، ولكن الصمود الاسطوري لهذه الاخيرة وسيطرته على العديد من المديريات في محافظة الحديدة، أجبر تحالف العدوان للدعوة إلى وقف إطلاق النار في هذه المحافظة، وبعد وقت قصير من مفاوضات مكثفة بين القوات الإماراتية والجنوبية مع مسؤولي “أنصار الله”، توقفت جميع الاشتباكات في جنوب غرب اليمن مع القوات المدعومة من أبوظبي حتى الآن وتم التوقيع على اتفاقية السويد.
وعلى صعيد متصل، كشفت مصادر يمنية، أن انسحاب قوات تحالف العدوان السعودي من الساحل الغربي لمحافظة الحديدة يأتي بسبب القلق الأمريكي والإماراتي من تطورات الوضع في محافظة مأرب، التي تقع في الشمال الشرقي للعاصمة صنعاء. وأفادت المصادر، بأن تحالف العدوان انسحب من المنطقة الساحل بعد علمه بأن تحرير الساحل هو “استراتيجية ما بعد تحرير مأرب”. وأشارت المصادر نفسها إلى أن “قوى تحالف العدوان تريد ترتيب وضعها الآن في الجنوب، استباقاً لهزيمة عسكرية ساحقة”، كاشفة أن “تحالف العدوان سحب كل قواته بما فيها قوات طارق صالح، وألوية العمالقة من الساحل باتجاه عدن”. كما لفتت إلى أن “الجيش واللجان الشعبية سيطروا على الساحل تماماً، والمواجهات تدور حالياً في الخوخة وحيس”.
وأوضحت المصادر اليمنية، أن التقدم الذي أحرزه الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي بلغ 700 كيلومتر، مؤكدة أنّ “كل محافظة الحديدة باتت مطهرة بالكامل، باستثناء الخوخة التي يتوقع تحريرها اليوم السبت”. ويوم الجمعة الماضي تحدثت مصادر عن أن قوات تحالف العدوان السعودي انسحبت كلياً من عشرات المواقع جنوبي وشرقي مدينة الحديدة، غربي اليمن. وكانت القوات المشتركة التابعة للسعودية والإمارات في الساحل الغربي لليمن، قد أعلنت يوم الجمعة الماضي، عن “إخلاء المناطق المحكومة باتفاق السويد، لكونه يبقيها مناطق منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين الذين وُقِّع الاتفاق بحجة حمايتهم وتأمينهم”. يأتي ذلك، بعد أن تمكنت القوات المسلحة اليمنية من تحرير مركز مديرية الجوبة في محافظة مأرب، قبل أيام، بينما أعلن مشايخ المديرية وأعيانها ووجهاؤها وقوفهم إلى جانب عناصر الجيش واللجان الشعبية، حتى تحرير كل مناطق محافظة مأرب.
وفجر يوم السبت الماضي، اعتبرت حكومة الرئيس اليمني المستقيل “عبد ربه منصور هادي”، أن “انسحابات قوات تحالف العدوان من الحديدة وجنوب المحافظة تجري من دون معرفة الفريق الحكومي، ومن دون أي تنسيق”. وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد “يحيى سريع”، يوم السبت الماضي، عن إسقاط طائرة تجسس من صنع أمريكي جنوبي مأرب. وقال العميد سريع في تغريدة له على “تويتر” إن “دفاعاتنا الجوية تمكنت من إسقاط طائرة تجسسية من نوع (سكان إيغل) أمريكية الصنع، أثناء قيامها بأعمال عدائية صباح يومنا هذا في أجواء منطقة الجوبة بمحافظة مأرب”.
وفي السياق، اعتبر نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء “حسين العزي”، أن تحرير مأرب سيعزز فرص السلام الاستراتيجي. وقال “العزي”، إن “تحرير مأرب سيعزز فرص استعادة السلام، وفي المنظور الاستراتيجي للسلام الدائم والشامل، سيكون أيضاً مفيداً جداً لأمن اليمن والجوار معاً، باعتبار أن مأرب لن تبقى منطلقاً لتهديدات القاعدة في المستقبل”. ومن جانبه، بارك مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري اليوم برئاسة رئيس المجلس الدكتور “عبد العزيز صالح بن حبتور”، الانتصارات المتتالية التي يحققها أبطال الجيش واللجان الشعبية والأحرار من أبناء القبائل في كافة الجبهات ومأرب بصورة خاصة. وحيا رئيس المجلس، البطولات الأسطورية للجيش واللجان الشعبية والأحرار في جبهات الكرامة والعزة والشرف، والتضحيات الجسيمة التي يقدمونها على مدى السنوات الماضية وحتى اللحظة في مواجهة التحالف الباغي وأذنابه ومرتزقته وصنيعته من العناصر القاعدية والداعشية.
ونوه بالروح المعنوية والقتالية العالية لأبطال الوطن الذي يخوضون هذه المعارك بإمكانيات تسليحية لا تقارن مع ما لدى المعتدين وأتباعهم وعملائهم من قدرات تسليحية متطورة وغطاء جوي ودعم لوجستي .. مشيراً إلى أنهم بالرغم من كل ذلك يصنعون الفارق في جميع الجبهات ذوداً عن الوطن وكرامة أبنائهم وصون حاضرهم ومستقبلهم من التبعية والارتهان. وجدد التأكيد أن الحكومة ستظل على عهدها الذي التزمت به في برنامجها العام المقر من قبل مجلس النواب، في إسناد ودعم الجبهات وتعزيز مقومات صمود رجالها في مختلف الجوانب اللوجستية والتموينية. كما حيا مجلس الوزراء، الإسناد الشعبي المتواصل للجبهات حتى اللحظة، والذي يؤكد أن المعركة الراهنة ضد التحالف ومرتزقته هي معركة كل أبناء الوطن الأحرار الذين يدركون أبعاد العدوان وما يضمره من شر لجميع اليمنيين دون تفريق بين فصيل وآخر أو فئة وأخرى. وبين أن الوقائع على الأرض وجرائم الحرب المرتكبة من قبل المعتدين خلال السنوات السبع تشير بجلاء إلى أن الجميع في دائرة الاستهداف وأن الغاية الأساسية من هذا العدوان هي تدمير اليمن كل اليمن لتسهيل سيطرتهم عليه ونهب ثرواته واستغلال موقعه الجغرافي الاستراتيجي على الخارطة العالمية.. موضحا أن المشروع الوطني المقاوم الذي يقوده قائد الثورة السيد “عبدالملك بدر الدين الحوثي”، أفشل المخططات الكبرى والصيغ الشيطانية لهذا العدوان الإجرامي الغاشم ومشاريعه لتمزيق الوطن اليمني الكبير إلى غير رجعه.
* المصدر : الوقت التحليلي