السياسية: مركز البحوث والمعلومات

كان من المقرر أن تنظم الصومال انتخابات رئاسية في العاشر من هذا الشهر، لكن لجنة تنفيذ الانتخابات التشريعية وضعت جدولاً زمنياً جديداً للعملية، حددت فيه اللجنة اختتام انتخابات مجلس الشيوخ في الفترة ما بين 5 الى 18 من سبتمبر الماضي، على أن تنطلق انتخابات مجلس النواب الغرفة السفلى للبرلمان بين الأول من أكتوبر الجاري وحتى 20 نوفمبر القادم، في حين لم يذكر الجدول الزمني موعدا لانتخاب النواب رئيسا للبلاد.
ويأتي الجدول الجديد عقب اتفاق بين رؤساء الولايات ورئيس الوزراء في 22 أغسطس الماضي، حول آلية إجراء الانتخابات أمنياً وسياسياً واقتصادياً.. لكن إمكانية تعطل الجدول الجديد ممكنه حسب مراقبون صوماليون، وذلك في حال بروز ملفات خلافية جديدة بين الأطراف المعنية بالانتخابات، وهم اتحاد مرشحي الرئاسة، ورؤساء الولايات الخمس ورئيس الوزراء.
ومنذ مطلع سبتمبر الماضي شهدت الصومال أزمة سياسية بين الرئيس محمد عبد الله محمد والملقب “فرماجو”، ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي، على خلفية اختفاء ضابطة بالاستخبارات في العاصمة مقديشو في 26 يونيو الماضي، ثم إعلان مقتلها في وقت لاحق على يد حركة الشباب المتطرفة.
حيث أقال روبلي في الخامس من سبتمبر الماضي رئيس جهاز الأمن والإستخبارات الوطنية فهد ياسين المقرب من الرئيس، على خلفية تعامله مع التحقيق بشأن ضابطة الاستخبارات التي كانت تعمل في الجهاز إكرام تهليل فارح، لكن رئيس الدولة فرماجو، ألغى قرار التعيين كونه غير شرعي وغير دستوري معتبراً الخطوة خارج صلاحيات رئيس الوزراء.. وأصدر قرار في السادس عشر من سبتمبر الماضي، جمد بموجبه صلاحيات رئيس الحكومة روبلي.
وفي محاولة لحل الخلاف القائم بينهم، أصدر رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس في اليوم التالي، بياناً صحافياً مشتركاً يدعو رئيس البلاد ورئيس الحكومة الفيدرالية إلى حل النزاع السياسي عبر الحوار، والكف عن البيانات والقرارات المتضاربة، واحترام مبادئ الدستور الصومالي المؤقت، والالتزام بالاتفاقيات السابقة والتعاون المشترك بين القيادات الصومالية فيما يخص استكمال إجراءات تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية في البلاد.
وأكد بيان رؤساء الولايات الفيدرالية على أهمية إيجاد تحقيق عادل لكشف ملابسات اختفاء الضابطة، وعدم التدخل في سير عملية التحقيقات، ومنح استقلالية تامة للأجهزة القضائية التي تتولى ملف التحقيقات.
وفي اليوم التالي لبيان رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس حث مجلس الأمن الدولي جميع الأطراف الصومالية على ضبط النفس، معرباً عن قلقة العميق إزاء الخلافات المستمرة داخل الحكومة، والأثر السلبي لها على الجدول الزمني والعملية الانتخابية بالبلاد.. داعياً جميع الأطراف على حفظ السلام والأمن والاستقرار في الصومال.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد طالب في بيان له بضرورة المضي قدما في العملية الانتخابية بشكل سلمي تماشيا مع الجدول الزمني المتفق عليه في 27 مايو الماضي.
من جانبه قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن التعاون بين قادة الصومال خصوصاً الرئيس محمد عبد الله محمد، ورئيس الوزراء روبلي، ضروري لضمان استكمال البلاد عمليتها الانتخابية الجارية.
مؤكداً أن التأجيل الذي استمر لأشهر أثار قلق واشنطن، وأن أي تأجيل سيزيد احتمال اندلاع العنف ويصب في مصلحة حركة الشباب وغيرها من المجموعات المتطرفة الساعية لزعزعة استقرار البلاد.
هذا ويسبب الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء إلى إضعاف الحكومة الفدرالية الضعيفة أصلًا والمدعومة من المجتمع الدولي، في حربها ضد حركة الشباب التي أطلقت تمرداً في الصومال منذ عام 2007م، على مناطق ريفية واسعة وتشن هجمات متكررة في العاصمة مقديشو.. بينما تسيطر السلطات الفدرالية على جزء صغير فقط من مساحة البلاد، بمساعدة حيوية يقدمها قرابة 20 ألف عنصر من بعثة الإتحاد الأفريقي في الصومال.
حيث انتهزت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، الخلاف بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة فرصة لتصعيد عملياتها خلال سبتمبر الماضي، بتفجير المباني الجديدة في مطار مدينة بولوبردي، وكذا انفجار لغم في مجموعة جنود بالعاصمة أودى بحياة عدد منهم، وانفجار لغم آخر في مدينة مركا قرب العاصمة، وهجوم مسلحي الحركة على القوات الكينية الموجودة كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في ولاية جوبالاند جنوباً، وتفجير انتحاري نفسه في منطقة يسكنها كبار ضباط الشرطة، بالإضافة إلى الهجوم على قوات بوروندية تابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي، وانفجار عبوة ناسفة قرب مقر رئاسة الجمهورية.
ويبدو أن العمليات الإرهابية قد تزداد خلال الفترة القادمة، خاصةً بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم استخدام الطائرات المسيرة في الدول التي لا يوجد بها قوات أمريكية دون موافقة البيت الأبيض.
وفي سياق الانتخابات أجري الأربعاء الماضي انتخاب ستة مقاعد نيابية في البرلمان الصومالي الجديد من شمال البلاد في العاصمة مقديشو، وظهر فيها بعض الناخبين وهم ملثمين، في مشهد غريب لم يألفه أحد من قبل داخل اللجان الانتخابية في أي دولة في العالم.
وكشف الباحث السياسي في شئون القرن الأفريقي خالد آيجيح، أن الخلاف بين جمهورية الصومال وأرض الصومال هو السبب في دخول الناخبين ملثمين إلى لجنة التصويت، لأن أي مواطن ينتمي إلى أرض الصومال، ويشارك في أي فعاليات سياسية في الصومال، يعتبر خائنا وفقا للقانون، ويحكم على المخالف بالحبس من خمس إلى ثمان سنوات.
وتوعدت حكومة أرض الصومال بعقاب المشاركين في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاصمة مقديشو، وترى أن مثل تلك الخطوات قد تعرقل تقدمها نحو الحكم الذاتي والاستقلال.
وقال نائب رئيس حكومة أرض الصومال، عبد الرحمن زيلعي، أن حكومته تعلم بهوية الناخبين الذي قاموا بإخفاء هويتهم خلال مشاركتهم في انتخابات مجلس الشيوخ الصومالي، وذكر بأنهم سيقومون بالإجراءات اللازمة بشأنهم.
وذكر زيلعي أن الأعضاء الذين تم انتخابهم للمقاعد لا يمثلون أرض الصومال، ولا علاقة لهم بالانتخابات التي جرت في الصومال.
وأضاف قائلاً “ما قررتم القيام به داخل تلك القاعة الصغيرة التي تحرسها القوات الأجنبية غير مقبول، ومن غير المعقول الادعاء بأن 20 شخصاً قاموا بخيانة أرض الصومال، من الممكن أن يقوموا بتمثيلها”.
يذكر أن الرئيس فرماجو الذي يشغل منصب رئيس الدولة منذ 2017م، انتهت ولايته في الثامن من فبراير، دون أن يتمكن من الإتفاق مع قادة المناطق على تنظيم الإنتخابات ما تسبب بأزمة دستورية خطرة.
وتسبب إعلان تمديد ولايته في منتصف أبريل الماضي لمدة عامين، إلى اندلاع معارك دامية بالأسلحة النارية في العاصمة مقديشو، أحيت ذكريات عقود من الحرب الأهلية في البلاد بعد 1991م، بالإضافة إلى تأجيل الانتخابات.
وتتبع الانتخابات في الصومال نظاماً معقداً وغير مباشر، إذ تختار الهيئات التشريعية للولايات ومندوبو العشائر نواب البرلمان الوطني والذين بدورهم يختارون رئيس الجمهورية.

سبأ