نهاية مغامرة التطبيع في العراق .. عراق موحد ضد اجتماع اربيل
السياسية :
في العام الأول لاتفاق التطبيع بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين خلافاً لتوقعات واضعي هذه الاتفاقية بأخذ انفراج وتحويل عملية التطبيع إلى دومينو سياسي في الوطن العربي، لكن رد فعل الدول العربية كان معارضة هذا العمل الغادر. الخطوة التي كانت تريد إطلاق قطار التطبيع الصاخب لم تغادر المحطة الأولى بعد، ومع كل التظاهر والعرض لمدة عام واحد حول إنجازات الاتفاقية لهذه الحكومات (البحرين والإمارات) وتأثيرها على نظام الأمن الإقليمي (خاصة الخليج الفارسي)، لكن الاتفاقية تم تهميشها في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعا فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية المهمة.
ولكن الآن وفي ظل هذه الظروف، فإن عقد مؤتمر لدعم التطبيع بين إحدى الدول العربية الأعضاء في محور المقاومة وأحد ألد أعداء الكيان الصهيوني في المنطقة والعالم الإسلامي، أصبحت قنبلة إخبارية تغطي الساحة السياسية العراقية. فبالإضافة إلى الحكومة، ردت العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية والدينية العراقية على الإجراء غير القانوني بعد أنباء عن اجتماع لدعم التطبيع حضره عدد من الشخصيات العشائرية العراقية السنية في محافظة أربيل بإقليم كردستان العراق، بأنه تصرف فعل غير شرعي وغير أخلاقي وأدانوه بشدة.
رفضت الحكومة العراقية بقيادة مصطفى كاظمي، في بيان صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، “الحكومة العراقية تنفي بشكل قاطع اللقاءات غير القانونية التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية التي تعيش في مدينة أربيل في كردستان، تحت شعار التطبيع مع إسرائيل”. مقتدى الصدر، الشخصية السياسية العراقية البارزة وزعيم التيار الصدري وائتلاف “سائرون” في البرلمان العراقي، استخدم أيضا مصطلح “الإرهاب الصهيوني” في مدونته لوصف الاجتماع، قائلا “على أربيل منع هذه الاجتماعات”. وطالب الحكومة باعتقال “كل الحاضرين” في المؤتمر، وحث أنصاره على “انتظار الأمر للتعامل مع النماذج القذرة التي تريد التطبيع”. وكتب قيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق على تويتر “ما حدث في أربيل ينتهك كل القيم الوطنية والمبادئ الإنسانية، إنه انتهاك واضح لقانون العقوبات العراقي”. وأضاف: “المقاومة الإسلامية لن تصمت في وجه هذه الخيانة الكبرى، وسنعلم العدو الصهيوني ومن يرافقه درسًا لن يجعل أحداً بعده حتى أن يفكر بالتطبيع لاحقًا”. وبالمثل، أدان تحالف الفتح بزعامة هادي العامري الاجتماع وأعرب عن دهشته لعقد مثل هذا الاجتماع على الأراضي العراقية. وانتقد صمت الاجهزة الامنية في اقليم كردستان وجهلها. وبحسب البيان الصحفي فإن وجود هؤلاء الخونة ومن جعل هذا اللقاء ممكنا يظهر أن هناك مشاركة مفتوحة في مؤتمر أربيل. وأضاف البيان: “بناء على ذلك، يؤكد تحالف الفتح أن كل من شارك في هذا المؤتمر هم خونة لا قيمة لهم ولا يعبرون عن هوية العشائر العراقية الشريفة التي لها مواقف تاريخية من حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف”. وأن هذا المؤتمر هو عمل غادر سيسجله التاريخ بأسوأ المصطلحات والأوصاف. وقال حزب الدعوة الاسلامي وائتلاف نوري المالكي لسيادة القانون في بيان صحفي “ندين بشدة عقد مؤتمر لمجموعة من الناس لا يمثلون الا أنفسهم ولا يعبرون عن إرادة للشعب العراقي”. وأضاف البيان: “التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب جريمة بموجب قانون العقوبات العراقي، وعلى المسؤولين القضائيين والحكوميين مقاضاة منظميها والمتحدثين والمشاركين”. كما أعلن تحالف النصر، بقيادة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، أنه “يدين كل الدعوات للتطبيع مع النظام الصهيوني، ويصف النشاطات السياسية والاجتماعية الأخيرة بأنها إهانة لاستقرار العراق ومواقفه الثابتة الداعمة لفلسطين. وكغيره من الجماعات وصف تحالف النصر المؤتمر بأنه تمرد على الدستور العراقي والقوانين والقيم.
لكن انتقاد مؤتمر التطبيع لم يقتصر على الشيعة، فقد نددت الحركات السنية العراقية باجتماع أربيل الغادر. وفي هذا الصدد، أعلنت هيئة الوقف السني في بيان لها: أنها تدين كل الخطوات التي تدعو إلى تطبيع العراق مع النظام الصهيوني الغاصب. في غضون ذلك، أكد محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي وزعيم الائتلاف “تقدم”، موقف العراق التاريخي من القضية الفلسطينية، ودعا إلى رد صارم وبأشد الإجراءات القانونية على لأصوات الداعية إلى التطبيع مع إسرائيل.
أدى الهجوم المشترك من قبل المجموعات العراقية على حكومة إقليم كردستان والإعلان عن الإجراءات القانونية ومعاقبة المنظمين والحاضرين في الاجتماع إلى إثارة مخاوف قادة أربيل وتراجعهم عن عقد مثل هذا الاجتماع. في غضون ذلك، ينص القانون العراقي على عقوبة الإعدام لمؤيدي التطبيع مع الكيان الصهيوني. وعليه، زعمت وزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق ولتخفيف حدة غضب المنتقدين: ان هذا الاجتماع قد تم دون علم وموافقة ومشاركة أربيل ولا يعبر بأي حال عن موقف حكومة إقليم كوردستان، كما وعدت الوزارة باتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص المقيمين لهذا الاجتماع.
اجتماع اربيل جهد لزرع التفرقة في العراق والمنطقة
مما لا شك فيه أن اجتماع أربيل، والذي حضره عدد من القوى المحلية غير البارزة والمؤثرة في مجال التطورات السياسية والاجتماعية العراقية، كان له خطط خارج الحدود. فقد تم تنظيم المؤتمر من قبل منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة تسمى مركز اتصالات السلام. في الواقع، من المستبعد جدًا أن منظمي هذا الاجتماع لم يكونوا على دراية بعملهم العبثي المتمثل في دعوة الشعب العراقي والحكومة للانضمام إلى عملية التطبيع، نظرًا لعداء الشعب العراقي التاريخي مع النظام الصهيوني ودعمه لفلسطين. لذلك، يبدو أن الأهداف الرئيسية لهذا الاجتماع هي أولاً محاولة خلق انقسام سياسي بالتوازي مع الانقسام العرقي والمذهبي في السنوات الماضية وبما يتماشى مع سياسة “فرق تسد” التقليدية. الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق سينتهي في الأسابيع القادمة، ويستخدم قادة واشنطن كل الذرائع لتأجيل مثل هذا الحدث. فقد تم هزيمة مؤامرة إعادة بناء داعش، من خلال الاستجابة السريعة والموحدة لمختلف الجماعات السنية والشيعية العراقية. من ناحية أخرى، فإن كسر عار دعم التطبيع من خلال عقد اجتماعات علمية أكاديمية أو اجتماعات غير حكومية للتعريف بفوائد التطبيع وآثاره هو جزء من خطة المخططين الأمريكيين والصهيونيين للتقدم تدريجيًا في تلك المؤامرة. الجزء الآخر من القصة يعود إلى محاولة تخييب أمل المقاومة الفخورة للشعب الفلسطيني واستعادة الثقة بالنفس المدمرة للمجتمع الصهيوني من انكساراته المتتالية عن محور المقاومة، للتظاهر بأن عملية التطبيع. ممكنة حتى في أكثر البلدان استعصاء في ذلك وهو العراق.
ومع ذلك، فإن ما حدث في مجال ردود الفعل على هذا الإجراء وما سيحدث في المستقبل القريب حول استجواب والضغط على مؤيدي ومنظمي الاجتماع، لم يبطل فقط كل الأهداف الشريرة لمصممي الاجتماع، بل أبطله حتى كحجر أساس للمستقبل، وأظهر المستوى العالي لرفض العراقيين للتطبيع وداعميه في الداخل والمنطقة.
* المصدر : الوقت التحليلي