حلقةٌ جديدةٌ في مسلسل فك الارتباط الأمريكي السعودي..!
السياسية- نصر القريطي :
شكّل التصويت الأخير في الكونجرس الأمريكي صدمةً بالنسبة للسعوديين فلم يكونوا يتوقعون أن جماعات الضغط التي يمولونها في واشنطن يمكن أن تتجاهلهم بسهولة..
من السابق لأوانه الحديث عن تخلٍّ أمريكيٍّ عن الحليف السعودي لكن كل المؤشرات تؤكد بأن الأمريكان من “البيت الأبيض” إلى الـ”بنتاجون” إلى “الكونجرس” صار الجميع ينظرون للسعودية على أنها كرتٌ يوشك على الاحتراق ويجب إعادة النظر في التعامل معه وتحديد موقعه ومكانته الجديدة وفقاً للمعطيات الدولية والإقليمية المستجدة..
إشاراتٌ كثيرةٌ بعثت بها واشنطن للرياض جميعها تؤكد بأن السعودية في المعادلة الأمريكية الجديدة لن يكون لها نفس الحظوة ولن تلعب ذات الدور الذي كانت تلعبه لصالح الأمريكان في المنطقة..
ثلاث ضرباتٍ متواليةٍ وجهها الأمريكان إلى خاصرةٍ الحليف السعودي كلُّ منها له مدلولاته وآثاره ونتائجه المستقبلية لكن السعوديين لا يزالون يكابرون بأنه مهما اختلفت تحركات المؤسسات الأمريكية تجاههم فإن الرياض ستظل العاصمة الأقرب للقلب “الأمريكي” وهو وهمٌ لن يصحو هؤلاء من سكرته إلّا وهم خارج معادلة التأثير الإقليمية..
افتتحت واشنطن سلسلة الضربات المستحدثة الموجهة لخاصرة الحليف السعودي بسحب منظومة الباتريوت الدفاعية الصاروخية الأمر الذي دفع رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق تركي الفيصل لاستجداء واشنطن للعدول عن قرارها ومعاتبته للأمريكان بقوله أنه يجب ان “تثبتوا لنا هل نحن لا نزال حلفاء وهل لا تزال الولايات المتحدة ملتزمةً حقاً بمعادلة الدفاع الاستراتيجي عن المملكة..!”
تلت تلك الخطوة تجاهل وزير الدفاع الأمريكي للرياض في زيارته الاستراتيجية الأخيرة والتي عرَّج فيها على الدوحة في رسالةٍ أمريكيةٍ لا تقل أهميةً عن سحب منظومات الدفاع الصاروخي من المملكة..
آخر هذه الضربات التي وجهتها واشنطن الى خاصرة الحليف السعودي كانت التصويت بأغلبية نيابيةٍ في الكونجرس لصالح تعديلٍ يمنع تزويد المملكة بالخدمات العسكرية اللوجستية والأسلحة الأمريكية والذي سيعرض لاحقاً على مجلس الشيوخ الأمريكي لإقراره والتصويت عليه..
ردّةُ الفعل السعودية على هذه الضربات الأمريكية المتلاحقة بدت مشتتةً ما بين الإنكار والدهشة الناتجة عن الصدمة فالسعوديون لا يزالون غير مدركين لحقيقة أن الأمريكان يمكن أن يتحولوا بين ليلة وضحاها من حليفٍ استراتيجيٍ وجوديّ إلى “عدوٍ بثوب صديق” على الرغم من الدرس القاسي الذي رأوه بجلاء في أفغانستان..
يقلل الكاتب السعودي المقرب من البلاط الحاكم في الرياض “عبدالرحمن الراشد” من تأثير التصويت الأخير في الكونجرس والذي استهدف على وجه التحديد الدعم الأمريكي للمملكة في حربها على اليمن..
يقول الراشد في مقالةٍ له بـ”صحيفة الشرق الأوسط” السعودية الصادرة من لندن أن تصويت النواب الأميركيين على حزمة القرارات والتعديلات التي شملت منع تزويد المملكة بالخدمات العسكرية اللوجستية والأسلحة الأميركية بحجة الحرب في اليمن أتى بأغلبيةٍ بسيطة جداً لكن القصة وفقاً لتعبيره “لها جوانب أخرى”..
يؤكد الراشد أنه وفور انتهاء التصويت في الكونجرس طار مستشار الأمن القومي الأميركي إلى الرياض ليؤكد للمملكة التزام الولايات المتحدة بشكلٍ صريحٍ بتقديم وسائل الدفاع عن المملكة..
تأويلٌ يجافي الوقائع على الأرض فليس من المنطق أن تكون واشنطن ملتزمةً بالدفاع عن المملكة ثم تقوم بسحب منظومات دفاعها الصاروخية من السعودية ويصوت نوابها لمنع تزويد المملكة بالجديد من الأسلحة واللوجستيات..
يغالط السعوديون أنفسهم بهذه التأويلات الركيكة لخطوات فك الارتباط الأمريكي مع السعوديين ويتجاهلون الدرس القاسي الذي رأوه في افغانستان وكيف تخلت واشنطن عن حلفاءها الذين ظلّت الولايات المتحدة تسمِّنُهم لعقدين من الزمن بين ليلةٍ وضحاها..
يستمر الراشد المقرب من البلاط السعودي الحاكم وأحد أبواقه الشهيرة في مغالطة الوقائع على الأرض فيقول أنه وفعلياً فإن العمليات الجوية الأمريكية على اليمن ضمن قوات التحالف متوقفةٌ منذ أكثر من عام مضيفاً أن التضييق على القدرات العسكرية السعودية من قبل الأمريكان سيؤدي إلى التوجه إلى أسواق أوروبية وشرقية والدليل أنه تم استبدال منظومات الباتريوت الأمريكية بمثيلاتها اليونانية..
كذبةٌ يدرك الراشد وأمراء الحرب السعوديين أن لا أصل لها على أرض الواقع فلطالما تباكى المسئولون السعوديون حينما رأوا مؤشرات تبدل الموقف الأمريكي منهم وتراجع حظوتهم لدى الأمريكان وما تصريحات رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق إلا شاهدٌ حيٌّ على العقلية السعودية التي لا ترى الأمان إلّا في أحضان الأمريكان..
يقول الراشد أن المعارك مع الكونغرس في واشنطن ليست طارئة فقد حصلت ذات المعركة مع الكونجرس في ثمانينات القرن الماضي.. وبعيداً عن التفاصيل التي أوردها الكاتب السعودي لتلك المرحلة فإنها تمثل اعترافاً صريحاً موثّقاً بأن ما يجري بين واشنطن والرياض اليوم ليس مجرد سوء تفاهمٍ أو اختلافٌ في وجهات النظر بالنسبة لقضايا المنطقة بل هو معارك حقيقيةٌ وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من المعارك لابد ان ينتهي وقد خلًّف وراءه طرف مهزوم..
اعترافٌ آخر ساقه الكاتب الذي عمل رئيساً لتحرير أهم وسائل الإعلام السعودية ومنها قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة من لندن..
يؤكد عبد الرحمن الراشد أن الحرب في اليمن هي أحد أركان هذا الانقلاب في الموقف الامريكي من السعوديين..
يغالط الراشد فيقول بأن الرياض تخوض حربها على اليمن نيابةً عن العالم كله بما في ذلك الأمريكان وأن اليمن هي حاضنة للجماعات الإرهابية وهو كلامٌ مردودٌ عليه فالعالم كله بات يعرف بأن السعودية والسعوديين هم ممولو الجماعات الإرهابية والتكفيرية وهم عناصرها وحاضنتها ومنبع فكرها..
يستمر المدعو عبد الرحمن الراشد في تبريراته غير المنطقية التي تؤكد الحالة التي وصل اليها السعوديون في خشيتهم من تخلي الحليف الأمريكي عنهم ويبدو أن هؤلاء غير مؤمنين على الإطلاق بقدرتهم على التعايش مع الأشقاء والجيران بدون حماية الأمريكان..
ينتهي الكاتب السعودي إلى أن ما اسماها بالأزمة اليمنية ليست مرهونة بموقف الكونغرس ولا حتى الحكومة الأميركية بل بما يحدث داخل اليمن نفسه وهي حقيقةٌ لكن الوحيد الذي لا يدركها هم السعوديون أنفسهم والذين لا يزالون يعولون على الأمريكان وينتظرون أوامرهم كي يوقفوا الحرب التي يشنونها على بلادنا بدل أن يسارعوا هم لاعلان ايقافها علّهم ينقذوا أنفسهم من انتقامنا الوشيك..!