شبح التطورات الأفغانية يخيم بظلاله على الحرب اليمنية…آخر أنفاس تحالف العدوان
السياسية :
بعد عامين من إطلاق “أنصار الله” اليمنية سلسلة من عملياتها الصاروخية والطائرات بدون طيار واسعة النطاق في أعماق المملكة العربية السعودية تحت مسمى “عمليات الردع”، والتي غيرت بشكل كبير معادلات الحرب لمصلحة صنعاء وعطلت الاقتصاد السعودي تمامًا، وأدت إلى إنهيار الحاجز السياسي والنفسي لآلة العدو الحربية. ولقد أدت الجولة الجديدة والسابعة من هذه العمليات التي نفذت مساء يوم السبت الماضي بـ8 طائرات مسيرة (صماد 3) وصاروخ ذو الفقار باليستي و 5 صواريخ بدر باليستية واستهدفت شركة أرامكو في منطقة التنورة النفطية في الدمام وجدة، إلى استعانة المملكة العربية السعودية وداعموها الغربيون كل قوتهم السياسية والدعائية لتعويض الخسارة. ولقد زعم السعوديون أنهم تمكنوا من اعتراض وتدمير الصواريخ والطائرات بدون طيار اليمنية، ومن خلال إنكار الأضرار المحتملة الذي تسببت به تلك الطائرات والصواريخ اليمنية، قامت السلطات السعودية بفرض رقابة شديدة على وسائل الإعلام، وذلك لمنعها من الكشف عن الحقيقة.
ولقد أعلنت القوة الصاروخية التابعة لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” يوم السبت الماضي استهداف شركة ارامكو النفطية وقواعد عسكرية في المناطق الشرقية والغربية والجنوبية للسعودية بغارات جوية نفذتها ثمان طائرات مسيرة من نوع “صماد 3” وصاروخ باليستي من نوع “ذو الفقار”، ضمن عملية نوعية استهدفت العمق السعودي. وذكر المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية العميد “يحيي سريع” في سلسلة تغريدات على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بأن الطائرات المسيرة أصابت أهدافها بدقة. وقال “سريع” بأن هذه الهجمات تأتي كرد على ما وصفه بـ “تصعيد العدوان الغاشم وحصاره الظالم” مؤكدا على استمرار العمليات وتصاعدها خلال الأيام القادمة. ودعا “سريع” الشركات الأجنبية والمواطنين السعوديين الى الابتعاد الكامل عن الأهداف العسكرية والحيوية لكونها اصبحت هدفا مشروعا “، لافتا الى أن الاستهداف قد يطالها في اي لحظة. وأضاف المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية في بيانه قائلاً: “إن القوات الجوية اليمنية قصفت منشآت أرامكو أيضا في جدة وجازان ونجران بـ5 صواريخ باليستية من نوع بدر وطائرتين مسيرتين من نوع صماد 3″. وهدد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية السعودية بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية إن لم توقف ما وصفه بـ”العدوان” على اليمن مؤكداً حقهم في الدفاع عن وطنهم”. وكان قد أعلن تحالف العدوان السعودي في اليمن عن التصدي لهجوم بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة استهدف مناطق متفرقة من المملكة السبت. وزعمت وزارة الدفاع السعودية فجر يوم أمس الأحد أن عملية التصدي لهجوم استهدف منطقة الدمام، شرقي البلاد، أسفرت عن سقوط شظايا على حي سكني ما أدى إلى إصابة طفل وطفلة سعوديين.
ومن ناحية أخرى، وبعد إعلان الهجوم اليمني الجديد على حقول النفط السعودية، أدان مسؤولون أمريكيون وبريطانيون بشدة الهجمات وأعلنوا دعمهم للرياض. حتى أن وزير الخارجية البريطاني، زعم في خطاب ألقاه يتماشى مع المواقف اليائسة للسعوديين، ودون أي دليل، دور إيران في تسهيل هجمات صنعاء على عمق الأراضي السعودية. كما أكدت الأمم المتحدة رفضها للهجمات المتكررة على البنية التحتية المدنية والمدنيين في السعودية. ومن جانبها، أدانت الإدارة الأمريكية، هذا الهجوم على منشآت لشركة “أرامكو” في الرياض. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، “جالينا بورتر”، بأن الهجوم عبارة عن محاولة “لإعاقة إمدادات الطاقة العالمية”. وأضافت المتحدثة الأمريكية في إفادة للصحافيين، “ندين محاولات الجيش واللجان الشعبية اليمنية لإعاقة إمدادات الطاقة العالمية عبر استهداف البنى التحتية السعودية. يكشف هذا السلوك عن عدم الاكتراث المطلق بسلامة المدنيين سواء أكانوا من السكان أو العاملين قرب المواقع”.
وعلى هذا الصعيد، جاء الرد من قبل حكومة صنعاء وقادة الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” كالصاعقة على رؤوس تلك الدول والمنظمات المتباكية على السعودية والمتناسية كل الجرائم التي ارتكبتها السعودية في اليمن، حيث علقت جماعة “أنصار الله” اليمنية على بيان الخارجية الامريكية الذي دعت فيه قيادات الجماعة إلى إظهار النية والالتزام بوقف شامل لإطلاق النار والدخول في مفاوضات تضم كافة الأطراف اليمنية لإنهاء الصراع في اليمن .وقال رئيس الوفد اليمني المفاوض التابع لحكومة صنعاء “محمد عبد السلام”، أن 14 سفينة نفطية محتجزة في البحر الأحمر لأكثر من عام رغم أنها أخذت جميع الإجراءات المفروضة تعسفا من قبل تحالف العدوان ومع ذلك ممنوعة من الدخول ردا على بيان الخارجية الامريكية الذي أعقب الهجوم الذي استهدف مصافي النفط في شركة أرامكو بالعاصمة السعودية الرياض .وهنا يمكن القول أهمية عمليات الردع اليمنية تكمن في ما يلي:
أولاً، إن هذه المواقف تشير إلى أنه خلافاً للجهود السعودية لمنع تسريبات اخبار الهجمات اليمنية على مراكز ومنشآت اقتصادية حساسة، فإن عمليات الردع تهدف إلى رفع تكلفة استمرار الحرب على السعوديين وإيجاد توازن عسكري وإجبار الرياض على الحد من القصف. ولقد حققت القوات العسكرية اليمنية خلال السنوات الماضية نجاحًا كبيرًا، ولم يفعل الجانب السعودي شيئًا على الرغم من إنفاقه مليارات الدولارات لشراء أنظمة دفاعية لصد الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي تنطلق من صنعاء. وفي غضون ذلك، فإن توجيه أصابع الاتهام إلى إيران هو رد فعل لإخفاء التفوق الميداني المؤكد لـ”أنصار الله” على الجبهة السعودية والحفاظ على الروح المحطمة لقوات تحالف العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقتها اليمنيين. ويُظهر الانتهاء الناجح لسبع جولات من عمليات الردع بطائرات بدون طيار وصواريخ متطورة قادرة على المرور عبر أنظمة الدفاع الأكثر تقدمًا التي تم شراؤها من الولايات المتحدة، أن صنعاء حققت تكنولوجيا عسكرية متقدمة واستقلالية دفاعية، وأن المملكة العربية السعودية لن تفعل ذلك في المستقبل وسوف تُجبر إلى الجنح الى السلام.
ثانياً، إن رد فعل السعوديين وداعميهم لإظهار أنفسهم على أنهم التضحية، هي محاولة فاشلة لقلب واقع الحرب رأساً على عقب للعالم وتغيير موقف المعتدي ومن يدافع عن نفسه. لقد أدى غزو التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن منذ ست سنوات، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية وتدمير منازل الناس، إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء بينهم نساء وأطفال وشيوخ، وتشريد ملايين آخرين. ومن ناحية أخرى، تسبب استمرار الحصار اللاإنساني الجوي والبحري والبري على اليمن من قبل التحالف وبدعم من الغرب إلى حدوث أزمة إنسانية في هذا البلد الفقير لدرجة أن المنظمات الدولية وحكومة صنعاء أبلغت عن أزمة إنسانية خانقة. لكن السعوديين ما زالوا غير متسعدين لرفع الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية للناس مثل الأدوية والغذاء.
وحول هذا السياق، قال وزير الخارجية اليمني في حكومة الانقاذ الوطنية “هشام شرف” ردا على انتقادات الولايات المتحدة وبريطانيا للهجمات التي نفذتها صنعاء على المنشآت النفطية السعودية: “هذه الكلمات يجب أن توجه إلى المعتدين في اليمن الذين ما زالوا يقصفون ويحاصرون الموانئ والمطارات اليمنية ويمنعون دخول السفن المحملة بالوقود والأدوية”. واضاف إن “هذه التصريحات محاولة لكسر قواعد اللعبة ورمي الكرة على ارض صنعاء كأن صنعاء هي المعتدية والمبادر لهذه الحرب الوحشية”. ولكن من ناحية أخرى، فإن إعلان الدعم السياسي الكامل للمملكة العربية السعودية وإدانة عمليات أنصار الله من قبل بريطانيا والسعودية له علاقة بالتأكيد بالتطورات الأخيرة في المنطقة، وخاصة فرار الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان وترك الحكومة والجيش لحركة طالبان. فقد أدى الهروب من أفغانستان والانسحاب العسكري الأمريكي الوشيك من العراق إلى تسريع عملية طرد الولايات المتحدة من المنطقة، وفي الوقت نفسه، تشعر الرياض بقلق عميق من تراجع الدعم العسكري الغربي، ولهذا فقد قام شقيق ولي العهد السعودي الأمير “خالد بن سلمان” الأسبوع الماضي بتوقيع اتفاقية عسكرية مع موسكو كانت بمثابة رسالة سياسية واضحة للبيت الأبيض حول مستقبل التحالف مع الغرب. وعليه، فبينما عززت الهزيمة الأمريكية في أفغانستان معنويات اليمنيين وزادت مخاوف الرياض بشأن مستقبل الحرب، تسعى الدول الغربية إلى تهدئة مخاوف القادة السعوديين بإعلان دعمها للسعودية.
* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع