بقلم: مضاوي الرشيد

(موقع “ميدل ايست آي” البريطاني ترجمة: نجاة نور- الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

قبل عشرين عاماً، شارك 19 مختطفاً في هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وكان خمسة عشر منهم سعوديين، معظمهم من جنوب غرب البلد.

كان 11 من سبتمبر عاملاً مساعداً أدى إلى إعادة التفكير في العلاقات الأمريكية السعودية على كلا الجانبين.

ومع ذلك بعد 20 عاماً، لا أحد على استعداد للاعتراف بالفشل الذريع في إيجاد بديل لما يسمى بالعلاقة الخاصة.

التوتر العرضي والتعهدات بالتعاون والربح المالي والعداوة السرية بالكاد تجعل هذه العلاقة مميزة.

لم تعد الولايات المتحدة تثق بالنظام السعودي، في حين بقيت السعودية على أهبة الاستعداد لكي لا تزعزع الولايات المتحدة استقرار نظامها الملكي المطلق أو تفشل في الدفاع عنه ضد التهديدات الخارجية والداخلية.

فشل أسامة بن لادن في هزيمة النظام السعودي في الداخل طوال التسعينيات، ربما يكون قد تعمد اختيار الجناة السعوديين لتوريط النظام السعودي وجعل الولايات المتحدة تتخلى عنه.

حسب هذا التفكير، كان بإمكان الجهاديين السعي وراء طموحاتهم طويلة المدى وإنشاء خلافة إسلامية رشيدة، خالية من أباطرتها في واشنطن.

طالما استمرت الولايات المتحدة في حماية النظام في الرياض، ربما اعتقد بن لادن أنه ليس لديه فرصة لإطلاق ثورة إسلامية بنجاح في بلاد الحرمين، كما أسماها.

لذلك قام بتجنيد السعوديين لضرب حامي النظام، مما عجل بأزمة غير مسبوقة في العلاقات السعودية الأمريكية.

الشيطان متجسد:

من ناحية، نجح في تسميم العلاقات السعودية الأمريكية – فبعد 11 سبتمبر، شكل التوتر بين البلدين تحديات لكل من الرياض وواشنطن.

ومن ناحية أخرى، استخف بن لادن بدرجة الترابط بين المصالح الأمريكية والسعودية لتحمل حتى أزمة بحجم أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أدى سوء تقديره إلى زواله.

اختارت الولايات المتحدة عدم تحميل النظام السعودي المسؤولية عن تصرفات بن لادن، وبعد يومين من الهجوم، تمكن العديد من الدبلوماسيين والأمراء والأميرات السعوديين من مغادرة الولايات المتحدة على الرغم من إغلاق البلد لمجالها الجوي في غضون ساعات من الهجوم.

تمكن العديد من موظفي الحكومة السعودية من العودة إلى بلادهم دون أي استجواب، بما في ذلك سفير السعودية في الولايات المتحدة، بندر بن سلطان.

بينما استمرت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في اعتبار المملكة صديقة، بدأ العديد من الأمريكيين، وخاصة وسائل الإعلام، في رؤية السعودية من منظور مختلف، الدولة التي كانت الولايات المتحدة على علاقات وثيقة معها منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحت الشيطان المتجسد.

بعد شهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، غزت الولايات المتحدة مع حلفائها أفغانستان، حيث كانت تجري معسكرات تدريب القاعدة والتخطيط للهجمات على الأراضي الأمريكية.

بعد ذلك بعامين، حشدت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً دولياً آخر لغزو العراق، واتُهم خطأً بتطوير أسلحة دمار شامل وبتورطه بشكل غير مباشر في أحداث 11 سبتمبر.

تحت الضغط الداخلي، طلبت الولايات المتحدة في النهاية تقريراً عن أحداث 11 سبتمبر وخلصت إلى أن النظام السعودي لم يكن له دور مباشر في الهجوم.

في العام الماضي، استخدم محامون أمريكيون يعملون نيابة عن عائلات ضحايا 11 سبتمبر وثائق مختلفة مسربة في المحكمة لمحاولة تحديد ما إذا كان الخاطفون قد تصرفوا كعملاء للدولة السعودية أو كانوا جهات فاعلة غير حكومية.

ويبقى أن نرى ماذا ستقرر محاكم نيويورك وماذا ستفعل الإدارة الأمريكية إذا تورطت الجهات الحكومية السعودية بشكل مباشر في الهجوم.

خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه، أوضح الرئيس باراك أوباما أن السعوديين ليسوا حلفاء أو شركاء حقيقيين.

ومع ذلك، فقد تمكن من بيع ما يكفي من الأسلحة والطائرات المقاتلة للحفاظ على استمرار الصناعة العسكرية الأمريكية، وتواصل الولايات المتحدة تزويد السعودية بالأسلحة حتى الآن.

تحفظات جادة:

خلال الأشهر التسعة التي قضاها في المنصب، واصل الرئيس الديمقراطي جو بايدن تقليد إبقاء السعوديين قريبين قدر الإمكان، على الرغم من التحفظات الجادة بشأن سلوكهم الأخير.

لم يغير مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، والدور المزعوم لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذه الجريمة، موقف بايدن تجاه المملكة.

بعد أفغانستان والعراق، تخلت الولايات المتحدة على ما يبدو عن التزامها بسياسة “تغيير النظام” و “بناء الدولة” الخارجية التي كانت تهيمن على نهجها تجاه البلدان التي تعتبرها معادية لمصالح الولايات المتحدة.

لم تعزز الولايات المتحدة دعمها للديمقراطية في بلدان أخرى، ولا الملايين التي أنفقت على مثل هذه المبادرات في جميع أنحاء العالم، أو قوتها العسكرية التي ضمنت تجربة ديمقراطية ناجحة في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية.

في المملكة، لم تحاول الولايات المتحدة أبداً استخدام نفوذها لدفع النظام إلى تبني أي إجراءات ديمقراطية. ولكن أرادت الولايات المتحدة فقط أن تتبنى المملكة بعض الإجراءات المحددة للمساعدة في “حرب واشنطن على الإرهاب”.

تم تمييز الوهابية، وهي حركة محافظة داخل الفرع الإسلامي السني، والقوة الدينية السائدة في السعودية، على أنها الأيديولوجية الرئيسية التي ألهمت بن لادن والمجاهدين التابعين له.

الديكتاتوريات الوحشية:

كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة ودعمها غير المشروط لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين سبباً آخر وراء انجراف العديد من المسلمين نحو العنف المسلح، لكن هذه القضية لم تكن القوة الدافعة الحقيقية وراء العنف الجهادي.

كان اندماج اللاهوت الوهابي والفكر الإسلامي الراديكالي الحديث أكثر مسؤولية عن إلهام المجندين.

أصبح دعم الولايات المتحدة للعديد من الديكتاتوريات الوحشية في العالم العربي مصدراً آخر للظلم، ومع فشل الجهاديين في الإطاحة بهذه الأنظمة القمعية، ألقوا باللوم على الولايات المتحدة لدعمها.

لقد ضحت السعودية بتقاليدها الوهابية من أجل إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث  أقال النظام الدعاة، وأغلق المعسكرات الصيفية الدينية والجمعيات الخيرية الإسلامية، وغير مناهجها الدينية وتعهد بالتعاون في الحرب على الإرهاب.

سمحت الرياض للطائرات المقاتلة الأمريكية بالإقلاع من قواعدها الجوية لقصف كل من أفغانستان والعراق، مما يثبت ولاءها لحاميها.

بعد الحادي عشر من سبتمبر، أراد النظام السعودي تخليص نفسه واستعادة ثقة واشنطن، حيث أرادت الرياض أن تراها واشنطن ضحية للإرهاب وليس راعية له.

إذا كانت واشنطن مقتنعة بالأمر لكن بشكل مختلف، وذلك للحفاظ على مظهر الانسجام والتعاون بين البلدين.

على مدى السنوات العشرين الماضية، ظلت العلاقات الأمريكية السعودية شكلية، ربما لن يعودوا أبداً إلى مستويات الدفء التي أعقبت المرة الأولى التي التقى فيها رئيس أمريكي بملك سعودي، عندما التقى فرانكلين روزفلت وعبد العزيز بن سعود في عام 1945 على متن سفينة في قناة السويس.

في نظر واشنطن، السعودية صليب يستحق تحمله، فيما تستجيب الاخرى على مضض لمطالب واشنطن.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع