يُفْتَتَن بعض الناشطين “البيئيين” الفلسطينيين والعرب، بما يسمى المنظمات والحركات البيئية الإسرائيلية و”إنجازاتها” و”نشاطاتها”، بل إن ثلة فلسطينية تشارك في نشاطات المستوطنين الصهاينة المتطرفين الذين يُسوّقون أنفسهم بأنهم “حماة البيئة”؛ علمًا أن أولئك المستعمرين يشاركون في حملات سرقة أراضي الفلسطينيين بالقوة العسكرية وينهبون مواردهم الطبيعية والمائية،  بل إن العديد من “حماة البيئة” المزعومين يعكفون بشكل مباشر ومنظم على إحباط ومنع أي عمل فلسطيني لتطوير البنى التحتية المناسبة والمؤهلة لمعالجة التدمير البيئي الذي يتسبب به الاحتلال ومستوطنوه بشكل أساسي.

المنظمات والحركات البيئية الإسرائيلية تُعد مكونًا عضويًا وبنيويًا لمؤسسة الاحتلال ومَاكنته الأمنية-العسكرية.

ومن بين تلك المنظمات “جمعية حماية الطبيعة”، و”المنتدى الإسرائيلي للطاقة”، و”الاتجاه الأخضر” و”الحياة والبيئة”، وهي بمثابة المظلة التنظيمية التي تنضوي تحتها المنظمات البيئية في “إسرائيل”.

وتُعد جمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية، من أبرز تلك المنظمات الناشطة في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، إضافة إلى نشاطاتها في الأراضي المحتلة عام 1948؛ وللعلم هي أقدم وأكبر منظمة بيئية في “إسرائيل”.

ويمكننا القول إن هذه المنظمة تتمتع بمستوى عالٍ من “الوعي البيئي والاجتماعي”، ما دام هذا الوعي لا يمس الفلسطينيين، وبخاصة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ حيث تنصهر تلك المنظمة في المشهد الاحتلالي وتتكيف اقتصاديًا أيضًا مع واقع الاحتلال.

في الآونة الأخيرة، أعلنت إدارة المشتريات الحكومية الإسرائيلية عن اتفاقية شراكة، ستكون بموجبها جمعية حماية الطبيعة بمثابة المزود الوحيد لخدمات الإقامة للكتيبة الجنوبية (الإسرائيلية) لـ “حرس الحدود” والمرافق المستخدمة من قبلها ومستودع الأسلحة؛ إضافة إلى الخدمات لكنيس يهودي على جبل الرأس- جبل “جيلو”- قضاء بيت لحم، وغرفة طعام ومطبخ في مباني مدرسة ميدانية فوق هذا الجبل.

العقد المبرم مع الجمعية يتضمن إعفائها من المناقصة ويستمر منذ بضع سنوات، وقد جُدّد حتى عام 2026؛ إذ ستحصل الجمعية على نحو 17 مليون شيقل من الحكومة الإسرائيلية، مقابل خدماتها لكتيبة “حرس الحدود” المسؤولة عن محيط مدينة القدس أو ما يسمى “غلاف القدس”.

ومنذ سنوات طويلة تستخدم جمعية حماية الطبيعة المدارس الميدانية لأغراض الضيافة متخذة منها مصدرًا للدخل؛ فيما تستثمر العائدات في تمويل أنشطتها المنوعة، بما في ذلك تلك المرتبطة بما يسمى “الحفاظ على الطبيعة” في الأرض المحتلة عام 1948.

غداة حرب حزيران 1967، استغل أفراد الجمعية الظروف المريحة التي يوفرها الاحتلال، كي يستولوا على جبل الرأس (“جيلو”) الذي شغل جزءا منه قاعدة عسكرية هجرها الجيش الأردني، فأنشأت الجمعية الصهيونية هناك مستوطنة ومدرسة ميدانية.

في سيرته الذاتية “الطبيعة والإنسان” (“طِفَع فَأدَم” بالعبرية)، وصف “عزرايا ألون” أحد الآباء المؤسسين للجمعية- وصف الأيام الأولى للاستيطان الصهيوني على جبل الرأس كما يلي: ” قلت في قلبي إنه مكان مثالي لإنشاء مدرسة ميدانية، لكني لم أصدق بأن جيشنا الإسرائيلي سيوافق على منحنا مثل هذا الموقع الاستراتيجي.  يورام بن مئير المعروف باسم “فيتشي” هو الشخص الذي حقق حلمي. لا أعرف بأي طريقة حصل هو أو الجمعية على ذلك المكان، لكن المهم أن هذا ما حدث”.

وبطبيعة الحال، البلدات الفلسطينية المجاورة، مثل بيت جالا، مُنِعَت من استخدام تلك المنطقة التي سيطرت عليها “إسرائيل” بأمر استيلاءٍ عسكري، بذريعة أمنية؛ وصار أعضاء “جمعية حماية الطبيعة” مُخوَّلين بإدارتها، إذ بادر بعضهم إلى إنشاء منازلهم الاستيطانية هناك.

وفي المنطقة نفسها “جبل الرأس/ “جيلو”، استأجرت الجمعية أرضًا مملوكة للكنيسة اليونانية، ذلك أن من بين أدوارها الهامة أنها المُورد الوحيد لمستلزمات “حرس الحدود” في ثكناته العسكرية.

كيف تتوافق أهداف منظمة بيئية مع تقديم خدمات لوحدة عسكرية عدوانية؟، سؤال لا بد أن تصحبه الإشارة إلى أن البنية التحتية التي تخدمها تلك المنظمة تعد جزءًا من مشروع استيطاني استعماري يتعارض مع القانون الدولي وينتهك بشدة حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في ذات المنطقة الجبلية، حيث دأب المزارعون الفلسطينيون منذ سنوات طويلة على فلاحة أراضي تلك المنطقة، وبوساطة أمر عسكري صادرها الاحتلال الإسرائيلي ونَهبها من أصحابها الشرعيين.

المستوطنة الصغيرة على جبل الرأس (“جيلو”)، والتي أُنشئت بذريعة توفير “أجواء مريحة” لأعضاء جمعية حماية الطبيعة “المُولعين بالطبيعة”، آخذة بالتوسع السريع؛ بينما تحرم قرية الولجة الفلسطينية المجاورة من إقرار مخططها الهيكلي، بل إن بعض منازلها معرضة لخطر الهدم.

والمفارقة أن هذه الجمعية الاستيطانية بـ “غلاف بيئي”، تعرف نفسها بأنها “مؤسسة غير ربحية هدفها الحفاظ على النظام والمشهد الطبيعيين في إسرائيل وحمايتهما”.

نفاق وأكاذيب

التخريب والتدمير المستمران اللذان يلحقهما المستوطنون بالطبيعة والأراضي الفلسطينية المفتوحة في أثناء نشاطهم الاستيطاني، لا يعني من قريب أو بعيد جمعية حماية الطبيعة؛ وما يثير السخرية أنها ليست الوحيدة التي تُعرّف نفسها بأنها “خضراء” وتنخرط في ذات الوقت بعمق في الاحتلال.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يسمى “الصندوق القومي اليهودي” (بالعبرية: “كِيرِن كَييمِت لِيسرائِل”) الذي يُسَوَّق إسرائيليًا بأنه مؤسسة خضراء، يعمل ذراعًا تنفيذيًا لإقامة وتوسعة المستوطنات.

هذه المؤسسة الاستعمارية تُعد من أهم أدوات المؤسسة الصهيونية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهويدها في الأرض المحتلة عام 1948.

واستمرارًا لسياستها الاستعمارية طويلة الأمد، غيرَّت لوائحها الداخلية، أخيرًا، حتى تتمكن من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية واستخدامها لتوسعة المستوطنات.

“الصندوق القومي اليهودي” و”جمعية حماية الطبيعة” في إسرائيل ضالعتان في عمليات التوسع الاستيطاني المتعاظم، بما في ذلك سيطرة المستوطنين عنوةً على ينابيع المياه وطرد الفلسطينيين منها، والسيطرة المنهجية على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية بزعم أنها “محميات طبيعية” واقتلاع الرعاة الفلسطينيين منها.

“الصندوق القومي اليهودي” أيضًا من أبرز الداعمين المنهجيين للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وفي السنوات الأخيرة كثَّف نشاطاته الاستيطانية في الأغوار التي يعدها جزءاً من دولة “إسرائيل”.

ويستغل الاحتلال مُمثلًا في “الإدارة المدنية” ومنظمات بيئية إسرائيلية، مشاريع بيئية شكلية، مثل إنشاء محطات معالجة المياه العادمة، لتصبح أداة للتطبيع السياسي بين الفلسطينيين والمحتلين ولشرعنة الوجود الكولونيالي الاستيطاني، وبالتالي تكريس “التعايش” بين المحتل والرازح تحت الاحتلال، وتثبيت الاستيطان ونهب الأراضي والموارد الفلسطينية، تحت عباءة “حل المشاكل البيئية المشتركة ومنع التلوث”.

وقد تجسَّد مخطط تثبيت التعايش بين المحتلين وضحايا الاحتلال وبالتالي شرعنة الأخير، في محاولة من المستعمرين الإسرائيليين لاستدراج رموز فلسطينية لما يسمى “العمل البيئي المشترك”، بذريعة أن المشاكل البيئية “لا تعرف الحدود السياسية”.

ومع هيمنتهم المطلقة على الموارد المائية وحوض نهر الأردن ونهبهم للمياه الجوفية والسطحية، وتعطيشهم للفلسطينيين والأردنيين، يعمد الإسرائيليون إلى ترويج أكاذيب من قبيل أن جميع مواطني المنطقة (عرب وإسرائيليين) يعانون أزمة المياه بشكل متساوٍ.

لذا، وتحت مظلة هذه الأكاذيب عملت وتعمل إسرائيل عبر منظماتها البيئية والسياسية المختلفة، على تجنيد متواطئين فلسطينيين وأردنيين “للتعاون المشترك” لحل هذه المسألة الاستراتيجية الحساسة التي افتعلها الإسرائيليون أنفسهم.

وبشكلٍ صارخ؛ يبرز تساوق المنظمات البيئية الصهيونية مع النشاطات الإسرائيلية العدوانية بتجاهلها التام التنكيل والقمع اللذين تعاني منهما التجمعات البدوية الفلسطينية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، إذ تحاول تلك التجمعات الاستفادة من الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.

ذراع الاحتلال المعروف بالإدارة المدنية يتعامل مع وجود هذه التجمعات على أرض “وطنها” ليس فقط باعتباره “غير قانوني”؛ بل إن مجرد تركيب الخلايا الشمسية في هذه التجمعات لتوليد الكهرباء يُعد أيضًا “غير قانوني”، كما حال أهالي الخان الأحمر (عشيرة الجهالين) شرقيَّ القدس المحتلة (بمحاذاة مستعمرة “كفار أدوميم”).

وهنا يتضح نفاق ما يسمى الحركات والمنظمات البيئية الإسرائيلية التي تعد مكونًا عضويًا في مؤسسة الاحتلال الوحشية وماكنته الأمنية – ويتكشف نفاقها عندما تبذل جهودًا كبيرة للتسهيل على أصحاب المنازل الإسرائيليين (بما في ذلك مستعمرات الضفة) لإقامة منشآت شمسية على أسطح منازلهم، في الوقت الذي لا يَنبسون ببنت شفة لممارسات الاحتلال الهمجية المعادية للبيئة وللإنسانية في مناطق سكن البدو الفلسطينيين، والمعادية لحق الأخيرين الأساسي في استخدام الطاقة الشمسية التي هي مِلك البشرية جمعاء.

الترسانة النووية…بقرة المنظمات البيئية الإسرائيلية المقدسة

في المجال النووي العسكري، تملك “إسرائيل” ترسانة نووية يُقدرها خبراء أجانب بما لا يقل عن مائتي رأس نووي وصواريخ نووية بعيدة المدى.

إن ما يسمى “المجتمع الدولي”، والحركات البيئية في “إسرائيل” لم تُبْدِ تخوفاتها إزاء هذا المخزون النووي العسكري الإسرائيلي المخيف، ولم تُحرك ساكنًا ضد الترسانة النووية الإسرائيلية العسكرية المرعبة التي تشكل تهديدًا وجوديًا ليس فقط على مجرد الوجود الفيزيائي البشري للشعوب العربية والإسلامية في المنطقة، بل أيضًا على جميع أشكال الحياة البرية والنباتية والحيوانية والبحرية.

وفي المقابل، ما يُسمى الحركات البيئية في “إسرائيل” تمارس نفاقها السياسي والأيديولوجي البيئي، مدعيةً قلقها إزاء العواقب البيئية الوخيمة للتوجه الحكومي الإسرائيلي النووي المتمثل في إنشاء محطة طاقة نووية لإنتاج الكهرباء؛ في الوقت الذي لا تبدي فيه “القلق” ذاته على الواقع النووي العسكري الإسرائيلي المروع والقائم عمليًا على الأرض.

علمًا أن تحالفًا عسكريًا أميركيًا-إسرائيليًا –غربيًا- عربيًا خليجيًا دأب منذ بضع سنوات يدق طبول الحرب ضد إيران التي يعمل علماؤها وخبراؤها على إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية أيضًا؛ هي التي لا تملك صفرًا بالمائة مما تملكه “إسرائيل” من سلاح نووي مدمر، إضافة إلى أن إيران وَقَّعَت منذ زمن طويل على المعاهدة الدولية لمنع انتشار السلاح النووي، تلك المعاهدة التي ترفض “إسرائيل” التوقيع عليها أصلاً، كما أنها أعلنت رفضها الانضمام إلى “شرق أوسط منزوع السلاح النووي”؛ ولم تعترف بحيازة ترسانة نووية؛ مع أن العديد من الخبراء الأجانب ومصادر عالمية متعددة يؤكدون أن “إسرائيل” حاليًا قوة نووية عسكرية، إذ تمتلك مئات الرؤوس النووية والصواريخ بعيدة المدى.

تشارك ثلة فلسطينية وعربية هامشية في نشاطات المستوطنين الصهاينة المتطرفين الذين يُسوقون أنفسهم بأنهم “حماة البيئة”؛ علمًا أن أولئك المستعمرين يشاركون في حملات سرقة أراضي الفلسطينيين بالقوة العسكرية وينهبون مواردهم الطبيعية والمائية.  بل إن العديد من “حماة البيئة” المزعومين يعكفون بشكل مباشر ومنظم على إحباط ومنع أي عمل فلسطيني لتطوير البنى التحتية المناسبة والمؤهلة لمعالجة التدمير البيئي الذي يتسبب به الاحتلال ومستوطنوه بشكل أساسي.

المنظمات والحركات البيئية الإسرائيلية تُعد مكونًا عضويًا وبنيويًا لمؤسسة الاحتلال وماكنته الأمنية-العسكرية، كما يوضح المقال التحليلي التالي.

خاص بآفاق البيئة والتنمية