بقلم: أحمد عبد الكريم

(موقع “منتبرس نيوز” الإنجليزي- ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

إب، اليمن- كان المحاضر والأستاذ اليمني محمد علي (اسم مستعار، بناءً على طلب عائلته) في حالة ذهول عندما قيل له فجأة إنه سيُطرد ولن يُسمح له بدخول الجامعة السعودية التي يدرس فيها.

في الأسبوع الماضي، قال رئيس الجامعة في منطقة عسير بجنوب المملكة لمحمد عبر الهاتف إن عقده أُلغي دون تفسير وأنه يجب عليه مغادرة المملكة.

قال محمد “عدت إلى المنزل وجلست على سريري في وضع جنيني لمدة ست ساعات, لم يكن الأكاديمي اليمني وحده من تعرض لمثل هذه الصدمة.

أضاف أن “جميع زملائي في الجامعة تلقوا إخطارات من الجامعة تفيد بإلغاء عقودهم أو لن يتم تجديدها دون إبداء أسباب”.

تم بالفعل طرد المئات من المهنيين اليمنيين- بما في ذلك الأكاديميين والمعلمين والأطباء والعاملين بعقود عمل رسمية وإقامة منتظمة- من المملكة الغنية بالنفط بشكل جماعي واستبدالهم بعمال غير يمنيين.

ومن المقرر طرد أكثر من 700 ألف مهني يمني في غضون بضعة أشهر.

التحرك ضد المهنيين اليمنيين في المملكة، من أصحاب الرواتب الكبيرة مقارنة بنظرائهم في اليمن، سيجبر اليمنيين داخل المملكة على مواجهة خيار صعب: العودة إلى ديارهم، إلى بلد على حافة الهاوية – لمواجهة الأوبئة والتفجيرات والحرب- أو البحث عن عمل في بلد آخر.

قد تؤثر هذه الخطوة أيضاً على مئات الآلاف من اليمنيين في المملكة الذين تعتمد أسرهم على التحويلات المالية للبقاء على قيد الحياة وسط حرب التحالف السعودي والحصار المفروض على وطنهم.

وبحسب ما ورد فقد أُصدرت توجيهات سرية إلى المؤسسات التي تديرها الحكومة وأصحاب الشركات الخاصة في المناطق الجنوبية من المملكة- بما في ذلك عسير ونجران وجيزان- والمناطق الشرقية، و الدمام والإحساء.

تنص التوجيهات على إنهاء العقود مع جميع المواطنين اليمنيين – خاصة الأكاديميين والأطباء والمساعدين الطبيين وغيرهم من المهنيين – تمهيداً لترحيلهم، وفقاً لعدة مصادر في الجالية اليمنية في السعودية.

قالت مصادر لموقع منتبرس نيوز, إن الرياض أعطت أرباب العمل أربعة أشهر فقط لتسريح العمال اليمنيين في شرق المملكة وشهرين في الجنوب، استعداداً للترحيل الجماعي، وتعهد المسؤولون بفرض عقوبات إذا لم يتم تنفيذ تفويضهم.

من يوليو إلى 20 أغسطس، تم فصل ما لا يقل عن 250 أكاديمياً يمنياً في جامعات نجران وجيزان وعسير والباحة ومناطق أخرى.

في محافظة إب الواقعة في جنوب البلد، قال اليمنيون الذين لديهم أقارب يعملون في منشآت طبية تديرها الحكومة, إن الحكومة السعودية قد أنهت بالفعل عقودهم أو رفضت تجديدها.

انتقدت وزارة شؤون المغتربين اليمنية، التي تديرها حكومة أنصار الله في صنعاء، هذه الخطوة قائلة في بيان إن “اليمنيين يقيمون في هذه المناطق منذ عقود ولديهم عقارات وممتلكات تجارية ورأس مال مسجلين بأسماء السعوديين وفق نظام الكفالة”.

طالبت وثيقة صادرة بتاريخ 27 يوليو، من وزارة الصحة السعودية وموجهة إلى مستشفى في الباحة، بوقف إصدار عقود جديدة أو تجديد عقود قائمة لليمنيين.

ابداء الاستياء والغضب من جميع الجهات

أثارت السياسة الجديدة للمملكة استياء اليمنيين من جميع أطراف الحرب التي تقودها السعودية، بما في ذلك الحلفاء السعوديون داخل الدولة التي مزقتها الحرب.

انتقد العديد من النشطاء اليمنيين، ووسائل الإعلام وحتى المسؤولين الحكوميين السابقين التابعين للحكومة السعودية، تحرك الرياض, وأطلق الاتحاد العالمي للجاليات اليمنية حملة دولية تسخر من هذه السياسة.

في غضون ذلك، لم تعلق حكومة المخلوع هادي والتي لطالما دافعت عن مزيد من التدخل السعودي من أجل “إنقاذ الاقتصاد”، على هذه الخطوة.

وبدلاً من ذلك، حرض العديد من قادة الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية في عدن على عدم الثقة في المغتربين اليمنيين، متهمين إياهم بـ “التجسس لصالح الحوثيين”.

يقدر عدد المغتربين اليمنيين الذين كانوا يعملون في المملكة قبل السياسة الجديدة بـ 2.5 مليون يمني، معظمهم من ذوي المؤهلات العالية ويعملون في مجالات التعليم والطب وغيرها من المهن في جميع أنحاء المملكة.

في جامعة نجران وحدها، يعمل 106 أكاديمياً يمنياً يواجهون الترحيل منذ سنوات كأساتذة وإداريين وفي مجال النشر، مما ساهم بشكل كبير في بناء وازدهار المملكة خلال العقود الماضية.

خلال الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المملكة العربية السعودية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، قدم عمال البناء اليمنيون الكثير من العمالة التي ساعدت في بناء المملكة.

هذه الخطوة- التي تأتي في أعقاب قرار سعودي برفع سعر صرف الدولار الأمريكي المستخدم لحساب الرسوم الجمركية على السلع الأساسية التي تدخل اليمن – يتم استخدامه للضغط السياسي على كل من حكومة أنصار الله في صنعاء والحكومة المدعومة من السعودية في عدن، وفقاً لما قاله خبراء اقتصاديين يمنيين للمينتبرس.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها المملكة المغتربين كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

طرد النظام السعودي حوالي 360 ألف عامل يمني من المملكة بعد أن أشارت الحكومة اليمنية في عهد الرئيس السابق علي صالح إلى أن اليمن سيبدأ في تطوير نفطه من محافظة الجوف في البلد، وهو مورد طالما سعت إليه السعودية.

خلال حرب الخليج عام 1991، رفض اليمنيون التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة ونتيجة لذلك، ألغت السعودية الإعفاءات من التأشيرات وطردت ما يقدر بمليون عامل يمني.

ومع ذلك، كان هؤلاء الضحايا من العمال ذوي المهارات المتدنية أو غير المسجلين؛ هذه المرة يتم استهداف المهنيين ذوي المهارات العالية.

أكثر ما يخشاه اليمنيون المستهدفون

في محافظة إب، تعيش أسر المهنيين أياماً صعبة مع خوف من المستقبل الذي ينتظر معيلهم الوحيد، حيث أن وظائفهم هي مصدر الرزق الوحيد.

قال كثيرون إن الإجراءات السعودية تستهدف أطفالهم الذين سيتضورون جوعا.

وأعرب بعضهم عن مخاوف جدية من تعرض أفراد عائلاتهم للخطف أو التعذيب أو السجن أو حتى القتل، على غرار ما حدث للصحفي الأكاديمي السعودي جمال خاشقجي.

تسأل أحد أفراد عائلة ناصر، وهو محاسب مالي يعمل في مركز تجاري بجيزان من أين نحصل على المال لشراء الطعام والدواء ودفع الإيجار والمواصلات؟”.

أنا لا أثق في السعوديين, أنا خائفة, قد يتم سجنه أو تعذيبه أو تقطيعه”، كما ترددت أصداء شقيقة وهو مدرس جامعي آخر.

أضافت سماح (78 عاما) التي تعيش في صنعاء وهي أم لأستاذ إعلام: “سوف يختلقون بحرا من الأدلة ضد أبنائنا بسبب تواصلهم مع الحوثي”.

تنتشر مثل هذه القصص بشكل مخيف بين المهنيين اليمنيين وعائلاتهم.

ولد محمد علي في السعودية وعمل لعدة سنوات في إحدى الجامعات السعودية في غرب المملكة.

حاصل على درجة الدكتوراه من إحدى جامعات المملكة ويقيم هناك مع أسرته, وله أحفاد ولدوا في نفس البلد، ولم يعد مرتبطا باليمن إلا من قبل بعض أقاربه الذين يدعمونهم ببعض المساعدات، ومنزل عائلته القديم.

لقد قدمت العديد من الخدمات إلى المملكة، والتي أعتبرها بلدي, قال محمد: “عمل العديد من زملائي في مراكز الدراسة وقدموا المشورة للنظام السعودي لمساعدتهم في اليمن, قرار ترحيلنا يجعلنا نخشى على حياتنا, لا يمكننا توقع الخطوات التالية لنظام آل سعود”.

بالنظر إلى اتساع نطاق التحريض الذي أطلقه ناشطون وسياسيون وقادة الرأي العام السعوديون داخل المملكة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ترصدها الدولة السعودية بعمق، فإن هذه المخاوف التي عبرت عنها أسر المهنيين اليمنيين هي حقيقية وأخطر السيناريوهات يمكن أن تتحقق.

والواقع أن هناك عشرات المغتربين، حتى السعوديين، في السجون أو قتلوا على يد النظام السعودي بتهمة “التواصل مع الحوثيين” وأحياناً لنشر مقاطع فيديو لطائرات مسيرة وصواريخ تضرب أهدافاً داخل المملكة.

يشار إلى أن الجهود السعودية الجديدة جاءت رغم حقيقة أن العديد من الأكاديميين اليمنيين وغيرهم من المهنيين ساعدوا السعوديين في التأليف, هم باحثون ومحللون ومستشارون وخبراء في الشؤون اليمنية، ليس فقط لهزيمة القوات الوطنية في جنوب وشرق البلد التي تعارض الاحتلال السعودي لبلادهم، ولكن أيضاً للسيطرة على البلد بأكملها، بما في ذلك تجنيد الجواسيس والقوات.

إن تحرك السعودية للتخلي عن اليمنيين الذين ساعدوها يشبه إلى حد كبير تحرك الناتو في أفغانستان، حيث تم التخلي عن العديد من الأفغان الذين ساعدوا الناتو.

يتوقع البعض أن تكون هناك قريباً مشاهد في المنافذ اليمنية السعودية، مثل تلك التي شاهدها العالم في مطار كابول، حتى لو لم تحصل على مثل هذه التغطية الإعلامية.

من المؤكد أن هناك أكاديميين وأطباء ومهنيين آخرين يعارضون التدخل السعودي الوحشي في بلادهم أو يقفون على الهامش، لكن لا يوجد دليل يثبت أنهم يدعمون الحوثيين أو المقاومة المحلية في بلدهم الأصلي.

خطوة تأتي بنتائج عكسية؟

ظاهرياً، يأتي تحرك السعودية لترحيل اليمنيين في سياق خطة تهدف إلى “سعودة” الوظائف في المملكة، وهو عذر لا يشتريه سوى قلة من خارج النظام الملكي.

قال مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وهي مؤسسة فكرية مؤيدة للسعودية، في تقرير جديد بعنوان “حملة الرياض غير المعقولة لتطهير العمال اليمنيين”، إن هذه الخطوة تبدو وكأنها إجراء عقابي يستهدف اليمنيين على وجه التحديد.

ويخلص التقرير إلى: بعد كل هذا، تستهدف السعودية الآن العمال اليمنيين في المملكة، الذين تشكل تحويلاتهم المالية أحد الحصون القليلة المتبقية بين اليمن وقاع الهاوية, لن يؤدي هذا إلى تقويض ادعاءات الحكومة اليمنية التي تدعي الرياض أنها تريد العودة إلى السلطة في صنعاء فحسب، بل سيؤذي الشعب اليمني بشكل عام.

وجود العمال اليمنيين في المملكة تحكمه اتفاقيتان بين حكومتي اليمن والسعودية, تم توقيع اتفاقية الطائف وملحقاتها عام 1934 وتم تجديدها في اتفاقية جدة عام 2000.

وقد منحت المادة 14 من تلك الاتفاقية لليمنيين حق العمل والإقامة المفتوحة وحرية الاستثمار والعقار وعدم مصادرة الممتلكات.

حتى عام 1990، كان اليمنيون قادرين على دخول المملكة بدون تأشيرة، وحرية التنقل، والعمل بدون كفيل في أي مكان في المملكة.

في استهداف محافظات جنوب السعودية، عسير ونجران وجيزان على وجه الخصوص، قد لا تكون المملكة في انتهاك لاتفاق الطائف فحسب، بل قد تؤدي أيضاً إلى تجدد التوترات القبلية في المنطقة، الأمر الذي قد يوفر في النهاية لليمنيين المطرودين سبباً منطقياً للمطالبة بعودة هذه المناطق إلى السيطرة اليمنية، بحسب خبراء قانونيين يمنيين تحدثوا إلى مينتبرس.

علاوة على ذلك، يمكن أن تكون هذه الخطوة بمثابة حافز للقبائل الجنوبية المحرومة من حقوقها لتبديل الولاء من الحكومة السعودية للمقاومة اليمنية التي تقاتل القوات السعودية في نجران وجيزان وعسير.

أكثر ما يخشاه السعوديون

خلف العناوين، هناك مصير مرعب, يخشى السعوديون دفعهم لطرد اليمنيين بالجملة من السعودية، وخاصة من جنوب السعودية.

تاريخياً، تنتمي قبائل جنوب السعودية في عسير وجيزان ونجران إلى القبائل اليمنية، وخاصة قبائل “يام وهمدان” ، التي تحافظ على هويتها اليمنية من خلال العادات والتقاليد وحتى الملابس التقليدية.

تربط هذه القبائل التي ترفض العدوان السعودي على اليمن روابط عائلية قوية مع قبائل همدان في سعداء باليمن معقل أنصار الله.

من الناحية العقائدية، تنتمي قبائل جنوب السعودية إلى الطائفة الزيدية، وهي فرع من الإسلام الشيعي يتقاسمه معظم أعضاء أنصار الله.

وينطبق الشيء نفسه على معظم الوافدين سواء من الطائفة الزيدية أو من المناطق الزيدية داخل اليمن.

وقد أدى ذلك إلى تمييز طويل الأمد وانعدام ثقة من جانب الحكومة السعودية ضد القبائل في عسير وجيزان ونجران، الذين اتهموا بالتجسس لصالح أنصار الله.

وبالفعل، فإن العديد من السعوديين في المنطقة يتعاطفون مع أنصار الله وقد حاربوا إلى جانبهم ضد المملكة.

كما تم تكريم أبناء العشائر من تلك المناطق, وبعيداً عن مدينة مكة المكرمة السعودية خلال حفل أقيم في صنعاء في مارس الماضي لإحياء ذكرى من قضوا في معارك عبد العزيز عمر ومكة المكرمة والمدينة السليمانية وغيرها.

منذ عام 2015، عندما بدأت الحرب، اكتسبت جماعة أنصار الله شعبية في جنوب وشرق السعودية.

فالحكومة السعودية حريصة على أن تطور العلاقة بين أنصار الله والقبائل إلى تحالف عسكري وتؤدي إلى انتفاضة مسلحة في جنوب وشرق المملكة، أو مساعدة أنصار الله بالمعلومات والتمويل على الأقل.

قد تتجسد هذه المخاوف في ضوء الحملة التعسفية التي تشنها السلطات السعودية على المغتربين اليمنيين والمواطنين الشيعة في جنوب وشرق المملكة.

على عكس ما تريده الحكومة السعودية، فإن طرد المهنيين اليمنيين لن يؤدي فقط إلى تجدد العداء تجاه المملكة، بل سيؤدي إلى تأجيج التعاطف مع أنصار الله وإيران.

هذا رد فعل طبيعي، على أمل أن يعودوا يوماً ما إلى ديارهم التي ولدوا فيها أو نشأوا فيها أو أنهم قد يجدون في نهاية المطاف عملاً في الجامعات اليمنية التي تديرها حكومة الإنقاذ بقيادة أنصار الله، أو في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

في غضون ذلك، اتخذت جماعة أنصار الله بالفعل خطة لاستيعاب هؤلاء المهنيين.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع