بقلم: مايكل وحيد حنا وبيتر سالزبوري

( صحيفة “Foreign Affairs ” الأمريكية- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

تقسيم سياسة واشنطن:

وبالمثل، فإن مناقشة السياسة الأمريكية بشأن اليمن بعيدة عن الواقع, حيث يجادل مناهضي السياسة العدوانية بأن ابعاد بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، والذي تم إجراؤه في الأشهر الأخيرة من إدارة دونالد ترامب، شجع الجماعة.

يود الكثيرون من هؤلاء رؤية الولايات المتحدة تتراجع عن مسارها وتصعد من مشاركتها العسكرية في اليمن لكسر هجوم الحوثيين على مأرب.

على الطرف الآخر، يتساءل البعض حول سياسة إدارة بايدن, إنهم يرجحون فكرة ان الصراع المستمر على أنه أولاً وقبل كل شيء بين الحوثيين والسعوديين ويجادلون بأن الرياض قد خسرت.

من خلال الضغط على السعوديين للاعتراف بالهزيمة والخروج من اليمن، يقولون إن الولايات المتحدة يجب أن تترك الحوثيين للتفاوض على سلام كمنتصر مع الفصائل اليمنية المتنافسة وإنهاء التورط الأمريكي في مغامرة شرق أوسط أخر.

تستبعد سياسة واشنطن إلى حد كبير المجموعة الأولى من الحجج, ويشعر صانعو السياسة الأمريكيون، الذين عمل الكثير منهم في الموافقة على بدء الصراع خلال الأيام الأولى في عهد الرئيس باراك أوباما، بالقلق من مضاعفة جهود التحالف المناهض للحوثيين نظراً للمسار الكارثي لتورط الولايات المتحدة في الحرب.

حتى إدارة ترامب- التي كانت أكثر اهتماماً بالرياض من الإدارة الحالية- لم يكن لديها شهية سياسية كبيرة لتعميق مشاركة الولايات المتحدة المثيرة للجدل في الحرب وكانت مدركة تماماً للقيود التي يفرضها التحالف على ساحة المعركة.

في الواقع، ضغط مسؤولو إدارة ترامب من أجل تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية جزئياً لأنه كان وسيلة لتصعيد الضغط على الجماعة دون تصعيد التدخل العسكري الأمريكي في الحرب.

المقاومة الأمريكية للتدخل في الصراع هي نتاج الحرب الجوية التي تقودها السعودية، والتي ألحقت خسائر فادحة بالمدنيين اليمنيين، وفشل الرياض وحكومة هادي في بناء خصم عسكري قوي ومتماسك ضد الحوثيين.

لا يوجد مسؤول أمريكي يريد اتباع مسار يعمق التواطؤ الأمريكي في أسوأ تجاوزات الحرب. لقد شوهت حملة القصف بالفعل صورة الولايات المتحدة، حيث وصفت عدة تقارير مفصلة كيف استخدمت الطائرات المقاتلة والأسلحة الأمريكية الصنع في الهجمات التي قتلت المدنيين.

أدت الضغوط الشديدة من الكونجرس إلى قيام إدارة ترامب بوقف إعادة تزويد الطائرات المقاتلة السعودية بالوقود في الجو، في عام 2018.

يشك الموظفون المحترفون الذين خدموا في ظل كل من إدارتي ترامب وبايدن في الوقت نفسه في أن زيادة المشاركة الأمريكية يمكن أن تغير مسار الحرب بالنظر إلى الوضع الداخلي، كالمنافسات التي أفسدت الكتلة المناهضة للحوثيين ورعاتها الإقليميين.

المجموعة الثانية من الحجج لا تأخذ في الحسبان التغييرات في مسار الحرب في السنوات الأخيرة.

على الرغم من أن الولايات المتحدة نجحت في الضغط على التحالف الذي تقوده السعودية لوقف تقدمه صوب الحديدة في عام 2018, بحجة أن هجومها من شأنه أن يتسبب في كارثة إنسانية، إلا أن تلك الحلقة لم تكن درساً موضوعياً في كيفية إنهاء الحرب بشكل كامل.

بعد ثلاث سنوات، أصبحت السعودية وحلفاؤها اليمنيون في موقف دفاعي، وأصبح الحوثيون يشكلون تهديداً أكبر للسعوديين الذين كافحوا للتعامل مع هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار عبر الحدود.

في عام 2019، أعلن الحوثيون عن سلسلة من الهجمات الناجحة على البنية التحتية للنفط والغاز السعودي والمطارات، واستمروا في شن غارات برية ناجحة داخل المملكة هذا العام.

الولايات المتحدة لديها نفوذ ضئيل، إن وجد، مع الحوثيين مما يسمح لها بفرض حل وسط من جانبهم.

حتى لو كان من الممكن التوسط في صفقة بين صنعاء والرياض – ومن المستحيل تقريباً تخيل أن السعوديين يوقفون الحرب ويهربون إذا لم يكن لديهم اتفاق لتأمين أراضيهم من هجمات الحوثيين- فإن ذلك لن يعني نهاية الحرب.

الجماعات المسلحة المحلية التي اصطفت ضد الحوثيين على مدى السنوات الست الماضية، ودافعت بشراسة عن مناطقها خوفاً من الوقوع تحت حكم الحوثيين المتشدد، ستواصل القتال، بمفردها أو بتمويل من رعاة إقليميين آخرين.

قد يؤدي هذا إلى دفع البلد إلى مرحلة جديدة أكثر دموية وطائفية من الحرب، حيث يوسع الحوثيون انتشارهم الجغرافي ويقاتل خصومهم المحليون.

والمزيد من إراقة الدماء هو نتيجة أكثر احتمالا بكثير من موجة إبرام الصفقات السلمية بين اليمنيين.

إعادة التفكير في السلام:

بمعنى آخر، لا توجد نتائج سريعة يمكن تحقيقها في اليمن, ما الذي يمكن فعله عندئذ؟ يجب على الولايات المتحدة وشركائها الدوليين العمل على تحويل حوافز الأطراف المتعارضة بعيداً عن المماطلة والتوجه نحو عقد الصفقات.

يوفر تعيين غروندبرغ كمبعوث خاص جديد للأمم المتحدة فرصة سانحة على هذه الجبهة.

يجب إعطاء المبعوث الجديد الوقت والمساحة لإعادة التفكير بالخطوات التي تمس الحاجة إليها في النهج الدولي للتوسط في الصراع.

يجب أن يعطي الأولوية لجولة استماع داخل اليمن، يتبعها توسيع للمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لجعلها أكثر شمولاً.

مثل هذه الخطوة ستمنع الحوثيين وحكومة هادي والسعودية من العمل كحراس للعملية السياسية وستحفز على عقد الصفقات بين اليمنيين وبناء التحالف.

إن إضافة المزيد من الأطراف إلى المفاوضات لن يؤدي بالضرورة إلى تسهيل حياة الدبلوماسيين على المدى القصير.

لكن توسيع المحادثات سيعكس الواقع اليمني الحالي، وعلى هذا النحو سيجعل التسوية السياسية أكثر استدامة.

لا يحتكر الحوثيون وحكومة هادي السلطة العسكرية والسيطرة على الأراضي، وقد تعهدت العديد من الجماعات المحلية بمواصلة القتال في حال توسطت الأمم المتحدة في صفقة ثنائية لم يكن لها رأي فيها.

إن كسر القبضة الخانقة بين الحوثيين وهادي والسعودية سيجعل من الصعب عليهم التصرف كأعداء وإجبارهم على بناء تحالفات ذات مغزى مع الجماعات اليمنية الأخرى للتوصل إلى أفضل صفقة ممكنة.

كما يجب أن يتجاوز الإدماج الجماعات المسلحة ليشمل مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة المحلية المؤثرة التي يمكنها توفير الشرعية المحلية والمشاركة في الدبلوماسية الدولية وصنع السلام الوطني.

يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً مهماً في إعادة التفكير هذه, ويمكن أن تساعد في إدارة التدخل مع الرياض وحكومة هادي، التي من المرجح أن تقاوم مثل هذه الخطوات.

كما أن واشنطن في وضع جيد لجمع الدول الأخرى معاً في مجموعة عمل لدعم مبعوث الأمم المتحدة، وتنظيم المشاركين للضغط على اللاعبين المحليين والإقليميين في الحرب للتعاون مع جهود الوساطة.

يمكن لهذه المجموعة أن توضح للحوثيين الإجراءات العقابية التي سيواجهونها إذا استمر في اكمال هجومهم على مأرب.

تُظهر العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد الشبكات الاقتصادية للحوثيين، على سبيل المثال، أن واشنطن قادرة على اتخاذ تدابير مستهدفة تركز على اللاعبين النخبة داخل الحركة بدلاً من المناورات الشاملة والمدمرة مثل تصنيف إدارة ترامب كمنظمة إرهابية أجنبية.

يجب أن تكون هذه الإجراءات مصحوبة بتركيز متجدد من جانب الولايات المتحدة وشركائها على إزالة الحواجز أمام التجارة والمساعدات الإنسانية.

بعد سنوات من إنكار مزاعم الحوثيين بفرض الحصار على الحديدة، فرضت حكومة هادي منذ يناير 2021 حظرا شبه كامل على دخول الوقود الى الميناء.

تقول حكومة هادي إنها تفعل ذلك رداً على انتهاكات الحوثيين لاتفاقيات تقاسم الإيرادات التي توسطت فيها الأمم المتحدة حول الحديدة.

لكن يبدو أن المسؤولين اليمنيين والسعوديين يعتقدون أيضاً أن القيام بذلك سيبطئ تقدم الحوثيين على مأرب.

ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسعار الوقود في مناطق الحوثيين، مما زاد من تدهور الوضع الإنساني.

هذا جهد هائل بنتائج عكسية من حكومة هادي, حتى لو كان ارتفاع تكلفة الوقود نتيجة لاستغلال الحوثيين، كما تجادل الحكومة، فإن الحظر الذي تفرضه يوفر لهم الغطاء للقيام بذلك.

كما تعترف الحكومة بسهولة، فإن الحوثيين قادرون على الوصول إلى الوقود الذي يتم نقله بالشاحنات إلى مناطقهم برا من أجزاء أخرى للبلد والخاضعة للسيطرة الاسمية للحكومة، لذلك من غير المرجح أن يحرموا من الوقود لحملتهم العسكرية.

في الواقع، قد يساعد حظر الوقود في الحديدة الحوثيين على جني المزيد من الأموال من مبيعات الوقود، حيث يبيعون الوقود الذي يتم جلبه برا بأسعار أعلى، مشيرين إلى النقص الناجم عن الحظر.

كما قد يتسبب في نقص في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، حيث ينقل التجار الوقود من الحكومة إلى مناطق الحوثيين سعياً وراء الأرباح.

وتقول حكومة هادي إنها لن تتنازل عن السلطة في الحديدة, ويوفر هذا للمسؤولين الأمريكيين فرصة لتقديم حجة إلى هادي والرياض بأنه ينبغي عليهم رفع الحظر على الوقود من جانب واحد في أقرب وقت ممكن، إذا كان ذلك لمصلحة شخصية فقط.

إذا لم يفعلوا ذلك، فإن الغضب الدولي المستمر والضغط على التكاليف الإنسانية الباهظة لأعمالهم قد يجبرهم في النهاية على التخلي بشكل دائم عن سلطتهم على التجارة إلى الميناء, وهذه النتيجة الدقيقة التي يقولون إنهم يريدون تجنبها.

يمكن لواشنطن أيضاً أن تلعب دوراً مهماً في تلطيف توقعات الأطراف المتعارضة للتسوية السياسية.

ومهما كانت رغبة الرياض أو حكومة هادي في ذلك، فإن الحوثيين لن يختفوا أو يتنازلوا عن سلطتهم في صنعاء بين عشية وضحاها.

كما أنه من غير المحتمل أن تقبل حكومة هادي والمملكة العربية السعودية وحلفاؤها ببساطة الاعتراف الدولي بالحوثيين كقوة حاكمة رئيسية في اليمن.

بنفس القدر من الأهمية، هناك العديد من المجموعات خارج هذين الخصمين الذين يجب مراعاة مصالحهم إذا كان لاتفاق السلام أن يكون مستداماً.

ستحتاج جميع الأطراف إلى تقديم تنازلات، بدءاً من إفساح المجال على طاولة المفاوضات لهذه الفئات الأخرى، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، القبائل الشمالية والقادة العسكريين، والجماعات الجنوبية المؤيدة للاستقلال، والنساء، والمجتمع المدني.

لا توجد عصا سحرية تنهي الحرب في اليمن, هناك حاجة ماسة إلى نهج دولي معدل، لكنه لن يمثل خوارزمية لإنهاء الصراع.

ربما تكون هذه أخباراً محبطة لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية التي تتوق إلى التعجيل بإيجاد حل لمشاكل البلد المعقدة والمضي قدماً.

لكن الاستمرار في نفس الاستراتيجية الدبلوماسية، على أساس تصور عفا عليها الزمن للصراع، هو وصفة لكارثة.

يمثل تعيين مبعوث الأمم المتحدة الجديد فرصة لبناء إطار تفاوضي يحفز عقد الصفقات ويمكن أن يؤدي إلى سلام أكثر واقعية واستدامة.

لكن الصبر مطلوب, وستستغرق إعادة التفكير وإعادة تنشيط الدبلوماسية وقتاً وستواجه العديد من الانتكاسات.

ومع ذلك، فإن بدء هذا الجهد الصعب هو السبيل الوحيد لوقف المسار القاتم للحرب.

*     المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع

الجزء الأول… تحطم اليمن لماذا أصبح إنهاء الحرب أكثر صعوبة من أي وقت مضى؟