الحرب البحرية بين إسرائيل وإيران.. لماذا يدفع اللبنانيون جزءاً كبيراً من تكلفتها الباهظة؟
السياسية:
ارتفعت وتيرة استهداف إسرائيل وإيران سفن وناقلات في البحرين المتوسط والأحمر وخارجهما في إطار الحرب البحرية السرية المستعرة بينهما، فلماذا يمثل ذلك أزمة أخرى للبنان؟
كان استهداف إسرائيل ناقلات نفط وسفناً إيرانية يمثل تهديداً بالتصعيد قد يتسبب في خروج الأمور عن نطاق السرية والمحدودية إلى ما هو أوسع وأخطر، لكن رغم أن المخاوف من حدوث تصعيد بين إسرائيل وإيران لم تتحقق، فإن استراتيجية إسرائيل لاستهداف ناقلات النفط الإيرانية لا تزال نشطة، كما لم يضعف عزم إيران على الرد بالمثل ومهاجمة السفن التجارية الإسرائيلية أو سفن حلفاء أمريكا في الخليج.
وتناولت مجلة Foreign Policy الأمريكية قصة الحرب البحرية السرية بين الجانبين في تقرير لها بعنوان “نطاق الحرب البحرية بين إيران وإسرائيل يتسع”، ألقى الضوء على مخاطر تلك الحروب، ليس فقط بالنسبة لطهران وتل أبيب ولكن أيضاً بالنسبة للبنان.
تهريب نفط إيران إلى سوريا عبر لبنان
يوم 26 يونيو/حزيران الماضي، نشرت السفارة الإيرانية في لبنان تغريدة غامضة أرفقتها بصورة لسفينة إيرانية، وقالت إن إيران لا تحتاج لإذن أمريكا لإرسال الوقود إلى لبنان. وحملت التغريدة إشارة ضمنية بأن السفينة تحمل وقوداً ومتجهة إلى لبنان. وسارعت وزارة الطاقة اللبنانية إلى نفي طلبها استيراد الوقود الإيراني خوفاً من العقوبات الأمريكية.
وبعدها، في 6 يوليو/تموز، غردت مدونة IntelliNews، المعنية بشؤون الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية، بأن إيران أرسلت سفينة Arman 114، التي ترفع العلم الإيراني وتحمل النفط الخام الإيراني إلى لبنان. وجاء في التغريدة: “حزب الله ينفذ عملية لوجستية لتهريب الوقود الإيراني إلى لبنان”.
وبدا أن التغريدتين معاً تشيران إلى اتساع نطاق الحرب الخفية بين إسرائيل وإيران. فمنذ سنوات تشن إيران وإسرائيل هجمات على سفن بعضهما في البحر المتوسط وخارجه. وتركّز هذا الصراع في الغالب على ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى سوريا المتعطشة للنفط. والآن يبدو أن هذا القتال يمتد ليطال لبنان الذي وصل إلى حافة الانهيار الاقتصادي.
ناقلات نفط في مضيق هرمز
ورست سفينة Arman 114 أخيراً في ميناء بانياس السوري في 13 يوليو/تموز، وقال موقع TankerTrackers الذي يقدم خدمة تعقب وتسجيل شحنات النفط الخام، إنه كان يتعقب سفينة Arman 114 مع سفينتين أخريين تحملان النفط الإيراني، وأكد أن وجهة هذه السفن النهائية كانت بانياس، وليس بيروت.
هذا وبرهنت رحلة Arman 114 الهادئة السهولة التي تتحدى بها إيران العقوبات الأمريكية. وبرهنت أيضاً على أنه رغم معرفة أمريكا وإسرائيل بأن تحرك ناقلات نفط إيرانية محددة يعد انتهاكاً للعقوبات، فلا يمكن لأي من الدولتين وقف جميع هذه التعاملات. فالولايات المتحدة مقيدة بالقانون الدولي ويتعين عليها، مثل إسرائيل، أن تخشى انتقام إيران. إذ تسيطر إيران على مضيق هرمز، الممر المائي الاستراتيجي الذي يبلغ عرضه نحو 34 كم ويمر عبره 20% من إمدادات النفط العالمية.
صعوبات اعتراض الناقلات الإيرانية
يقول فرزين نديمي، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والخبير في شؤون الأمن والدفاع في إيران ومنطقة الخليج العربي، إنه فعلياً لا يمكن وقف سفينة في المياه الدولية ما لم تنتهك القانون البحري الدولي أو ما لم تسمح دولة العلم (الولاية القضائية التي بموجب قوانينها يتم تسجيل السفينة أو ترخيصها) بمرورها.
وقال نديمي: “إذا كان معروفاً أنها تحمل مواد مهربة مثل المخدرات أو أسلحة الدمار الشامل، فتوجد قوانين أمريكية تسمح بوقفها وتفتيشها في أعالي البحار، أو في بعض الظروف يمكن حتى تبرير مثل هذا الإجراء بموجب الولاية القضائية العالمية. وبإمكان الكونغرس الأمريكي أيضاً إصدار قانون، أو قد يصدر الرئيس أمراً تنفيذياً يعاقب ناقلات بعينها ويلزم الدول الأخرى بإيقافها فور دخولها إلى مياهها الإقليمية، وإلا فستُعاقب هذه الدول”.
وأضاف نديمي أن إيران تمتلك أحد أكبر أساطيل ناقلات النفط وتتمتع بخبرة كبيرة في إخفاء حركة شحناتها النفطية. إذ تلجأ إلى تغيير الأعلام المرفوعة على سفنها، أو تغيير أسماء الناقلات، أو وقف أنظمتها الخاصة بتحديد هويتها تلقائياً لتجنب تعقبها. وفضلاً عن ذلك، وفقاً لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية، نشرت إيران مجموعة من الشركات الصورية بمساعدة حزب الله لتتمكن من بيع نفطها رغم العقوبات.
وقال نديمي: “حتى وإن تمكنا من تتبع حركة الناقلات الإيرانية، لم تُبدِ الحكومة الأمريكية رغبة قوية لوقفها، لا بسبب قيود القانون الدولي وحدها وإنما أيضاً بسبب خشية الولايات المتحدة من انتقام إيران في دول الخليج”. وأضاف: “لقد ثبت أن إيران بإمكانها الإتيان ببعض التصرفات المزعجة”، في إشارة إلى هجمات إيرانية مزعومة على سفن سعودية وإماراتية وغيرها.
بل واحتجزت إيران ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني، ستينا إمبيرو، في يوليو/تموز عام 2019، رداً على مصادرة جبل طارق لناقلة النفط الإيرانية غريس 1 المتوجهة إلى سوريا، قبلها بأسبوعين.
هل فشلت العقوبات الأمريكية؟
يقول الخبراء إنه رغم نجاح العقوبات الأمريكية في عرقلة حركة الأموال عبر القنوات المصرفية، فهي لم تحقق نجاحاً يُذكر في منع إيران من بيع نفطها بأسعار مخفضة مقابل النقد. ولاحظ محللو الطاقة ارتفاعاً مطرداً في صادرات النفط الإيرانية منذ أواخر العام الماضي. ووفقاً لمنظمة United Against Nuclear Iran، التي لا تدعم الاتفاق النووي لعام 2015، كانت سوريا ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2020؛ وتلقته الصين عدة مرات.
وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ترك منصبه مؤخراً، اتُّهمت إسرائيل بمهاجمة عشرات السفن الإيرانية، كان معظمها من التي تحمل الوقود إلى سوريا وبعضها يزود وكلاء إيران بالأسلحة، ولكن لم يكن أي منها متجهاً إلى الصين.
كيف تختفي الناقلات فجأة في مضيق هرمز قرب إيران؟
وفي أبريل/نيسان من العام الجاري، هاجمت إسرائيل سفينة إيرانية تُدعى MV Saviz كانت راسية في البحر الأحمر ويُشتبه في أنها مستودع أسلحة عائم للحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. ومن المنظور الإسرائيلي، كانت موقعاً للبحرية الإيرانية في البحر الأحمر يهدد سلامة ملاحة البضائع الإسرائيلية.
بيد أن آراء رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت أكثر تشدداً من سلفه، وكان قد قال إن إسرائيل لا بد أن تهاجم إيران حين يُقدم وكلاؤها -حزب الله أو حماس- على تفجير أي شيء داخل إسرائيل. وبعد أقل من شهر من وصوله إلى السلطة، اتهمت إيرانُ إسرائيلَ باستهداف منشأة نووية في كرج يقال إنها تنتج أجهزة طرد مركزي لتحل محل التي تضررت في هجمات إسرائيل السرية السابقة على منشأة نطنز النووية في إيران.
هل يصعد بينيت من الحرب البحرية؟
ويرى كثير من المحللين الإسرائيليين أن الضربات الإسرائيلية السرية داخل إيران والضربات الجوية العلنية في سوريا على مستودعات الأسلحة الإيرانية تخدم المصالح الاستراتيجية لإسرائيل بشكل أفضل من الهجمات البحرية.
ويبدو أن الرأي الذي يجمع عليه الخبراء هو أن على بينيت الاكتفاء بالمخاطر المحسوبة في ميدان الهجمات البحرية وأن يستمر في الهجمات البرية والجوية السيبرانية على المنشآت النووية الإيرانية. على أنهم ليسوا واثقين إن كان رأيهم سيجد آذاناً مصغية لدى بينيت، الذي يتوق إلى الظهور على أنه أشد قسوة من نتنياهو في التعامل مع إيران.
يقول عيران ليرمان، نائب مستشار الأمن القومي السابق لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن سياسة بينيت ستختلف عن سياسة نتنياهو في تعامله مع بايدن فقط -حيث يخطط إلى إبقاء الخلافات معه خلف الأبواب المغلقة وليس إثارتها علناً- ولكنه سيحافظ على الموقف المتشدد من إيران. وقال ليرمان: “لن يرغب في تقويض إدارة بايدن ولكن في أن يحتفظ بحق إسرائيل في التصرف بحرية”.
وقال آخرون إن على إسرائيل تجنب الانجرار إلى صراع بحري خطير. إذ ينصح شاؤول خوريف، اللواء البحري الإسرائيلي المتقاعد الذي يرأس مركز أبحاث السياسة البحرية والاستراتيجية في جامعة حيفا، والذي كان في السابق مديراً للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، بالحذر.
وقال خوريف: “مهاجمة ناقلات النفط الإيرانية لا تثني إيران عن تخصيب اليورانيوم ولا عن تمويل حزب الله ووكلائها الآخرين. والصراع البحري تكلفته باهظة علينا أيضاً، خاصة في منطقتي الخليج وبحر العرب اللتين تقعان خارج نطاق البحرية الإسرائيلية وقدرتها على حماية السفن المملوكة لإسرائيل في هذه المنطقة”.
وبينما تستمر إسرائيل وإيران في حربهما السرية، تستمر معاناة الشعب اللبناني المترتبة على ندرة الوقود، وإذا اتسع نطاق الحرب البحرية بين إسرائيل وإيران، فسيطول أمد هذه المعاناة.
عربي بوست