بسام أبو شريف*

منذ مجيء إدارة بايدن للبيت الأبيض لم تجتمع هذه الإدارة وتتباحث وتتفاوض أكثر مما فعلت مع الحكومة الإسرائيلية سواء تلك التي كانت يقودها نتنياهو او التي يقودها الان بينيت الأمريكي من نيو جيرسي الذي أصبح رئيساً لوزراء اسرائيل.

فلقد أمضت هذه الإدارة بشتى مؤسساتها خاصة العسكرية والامنية أطول مدة زمنية من البحث والتفاوض مع جهة من خارج الولايات المتحدة مثلما فعلت مع الاسرائيليين.

لم يبقى مسؤول ذو أهمية في الإدارة الإسرائيلية الجديدة الا وزار الولايات المتحدة الامريكية لمدد طويلة هو ووفود ترافقة من أجل بحث أدق التفاصيل التالية:

ـ أولاً: ضمان تعهد الولايات المتحدة والتزامها الثابت بهذا التعهد بأن يكون الامن الذي تتمتع بها اسرائيل هو تماماً كالأمن الذي تتمتع به الولايات المتحدة، أي ان الولايات المتحدة سوف تعتبر اسرائيل ولاية من ولاياتها من حيث الدفاع عنها وضمان أمنها وضمان تفوقها العسكري.

ـ ثانياً: بحثت الوفود الاسرائيلية بالتفاصيل، كيفية الإبقاء على التفوق الاسرائيلي من حيث نوعية التسليح وقدراته حتى تكون وتبقى وتستمر أقوى قوة في الشرق الأوسط تستطيع وحدها دون تدخل الولايات المتحدة أن تواجه كل الجيوش العربية مع افتراض ان مصر والاردن قد تغيران من سياستهما تجاه اسرائيل وهما على جبهة العداوة والصدام.

ـ ثالثاً: أن تضمن اسرائيل من الادارة الامريكية هذه وان يستمر هذا الضمان لإدارات قادمة في امداد اسرائيل بالدعم المادي، بالرغم من أكل الارقام تشير الى ان اسرائيل أصبحت تملك من المداخيل ما يعفي الولايات المتحدة ودافع الضرائب من كل هذه المساعدات لإسرائيل التي تذهب بمعظمها لبناء مستوطنات ومستعمرات على أرض فلسطينية منهوبة وتستخدم كأسلحة في قمع الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية والديمقراطية، والاستقلال.

اما البند المهم الآخر فهو ما طالبت به الادارة الامريكية اسرائيل على صعيد المنطقة وهو ان تكون الشريك الاساسي للولايات المتحدة في مخططاتها لضرب كل حركات المقاومة التي من ناحية تقاوم الوجود الامريكي العسكري وغير العسكري وتقاوم إجمالاً الهيمنة الامريكية في المنطقة وأن تساهم اسرائيل مساهمة مباشرة واساسية في عمليات سرية وعلنية لضرب هذه القوى التي تسميها الادارة الامريكية القوى التي تلقى دعماً من ايران ، اي فصائل محور المقاومة حيث ما كانت في اليمن او سوريا او العراق او لبنان او فلسطين .

ما جرى من مباحثات بين الادارة الامريكية بفروعها المختلفة خاصة الامنية والعسكرية ووفود اسرائيل التي ترأسها وزير دفاع ووزير خارجية ورئيس الاركان ، ما جرى هو نموذج لما تحاول ان تجريه الادارة الامريكية مع أنظمة متحالفة معها وتشكل لها شركاء في ضرب حركات التحرر العربي وحركة المقاومة التي تتصدى للغزوة الامريكية الجديدة وشريكتها اسرائيل، فقد ناقشت هذه الادارة مع السعودية تفاصيل تتعلق بالذخيرة ونوعية الذخيرة والطائرات والغارات والمعلومات الاستخبارية حول القصف الذي يجب ان يتم لمنع انصار الله من تحرير مآرب، لأن تحرير مآرب سيعني بالنسبة للولايات المتحدة فقدان شريان اساسي من شريانات النهب وهو النفط والغاز من مآرب وتزويد انصار الله بدخل يستطيع من خلالة قادة هذه التنظيم المقاوم ان يساعدوا ويؤمنوا لشعبهم مستوى مقبول من الغذاء والدواء ويؤمن لهم قدرات جديدة على الاستمرار في مقاتلة الغزاة وطردهم من اليمن.

اما في العراق، فواضح ان هنالك تحالف امريكي اسرائيلي سعودي بريطاني خليجي مع جهات في كردستان وجهات في العراق وبعض هذه الجهات له موقع في هرم المسؤولية في الحكومة العراقية مع هؤلاء تحاول الولايات المتحدة ان تصعد من هجماتها ضد كافة فصائل المقاومة التي تسعى لتطبيق قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية من العراق.

والمضحك أن الولايات المتحدة ما زالت تصر ان الشعب العراقي يطالبها بالبقاء في العراق رغم ان قرار البرلمان على مشاربه المختلفة وتنوع اتجاهاته كان التخلص واخراج كل القوات الاجنبية من العراق.

اذا كان الشعب العراقي ومقاومته الباسلة، يعتبران ان وجود قوات أجنبية على أرض العراق هو وجود احتلالي استعماري لابد من التخلص منه ومقاومته حتى تخرج تلك القوات ، اذا كانت تعتبر ان هذا الشعب الذي هذا هو قراره يريد ويطالب الولايات المتحدة بأن تبقي قواتها في العراق فهذا نموذج واضح على التضليل والكذب وكيف ان مظلة الدبلوماسية التي يتغنى بها بايدن لها مضمون استعماري احتلالي واضح رغم ارادة الشعوب ورغم ارادة حركاتها المقاومة للإحتلال.

اما في سوريا فقد أعلن بايدن بوضوح انه ضد النظام في سوريا وانه سيقاتل هذه النظام وانه نظام قاتل ويستمر الاحتلال الأمريكي في نهب ثروات سوريا ليتقاسمها هو وطغمة من الأكراد خانت الوطن وباعت الوطن للأمريكيين وتركيا أيضاً ، اي ان ثلاث جهات تتقاسم هذه الثروة المنهوبة التي هي ملك للشعب السوري وحق له تتقاسمها نهباً وسرقة واضعافاً من قدرات الجيش العربي السوري على مواجهة كل القوات المحتلة والكامنة على أرضه.

لكننا نلاحظ ان هذا التصعيد الذي قامت به إدارة بايدن والذي ستبدأ اسرائيل قريباً جداً بلعب دورها فيه من خلال توجبه ضربات لسوريا وضربات في العراق حتى من الممكن ضربات في ايران ، هذا الدور وهذا التصعيد الامريكي يترافق دائماً مع التغني بالديمقراطية وهو تضليل وكذب وفي الاماكن الاخرى تلعب الولايات المتحدة دوراً اساسياً في تجويع لبنان ودفعه باتجاه هاوية الانهيار وكذلك تحاول سحب انتصار سيف القدس من تحت اقدام المناضلين الفلسطينيين من خلال تشجيع اسرائيل على تصعيد العنف ضد الشعب الفلسطيني واستخدام أقسى الوسائل لضرب تحرك الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ضد الاستيطان وضد ممارسات جيش الاحتلال ، ليس هذها فحسب بل تصمت صمتاً كاملاً هذه الادارة ازاء عمليات التهجير القسري وتدنيس الاقصى والاستمرار في ما يسمى الاستفزازات وهي الحقيقة الاختراقات لكل القوانين الدولية التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

في ظل هذا التصعيد المتفق عليه مع اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وضد سوريا وضد العراق وضد اليمن وضد لبنان في ظل كل هذا نجد الادارة الامريكية تتغنى بالديمقراطية وتدافع عن قضايا اتفه بكثير مما يجري بالمنطقة وتعتبرهاً ارهاباً ، لقد خرجت أمريكا من أفغانستان تجر أذيال الهزيمة وتحاول ان تحول خروج قوات الولايات المتحدة مهزومة من أفغانستان بعد عشرين عاماً من القتال وارتكاب المجازر وذبح الشعب الافغاني ومحاصرته وحرمانه من طعامه وغذائه ودوائه رغم كل ذلك، نجد الادارة هذه تعتبر انها انتصرت وأتمت مهمتها في افغانستان ، لكن الدرس من افغانستان لا يقول هذا أبداً.

ما حدث في افغانستان خلال عشرين عاماً والحق الهزيمة بقوات الولايات المتحدة وحلفائها لن يأخذ مثل هذا الوقت في الشرق الأوسط فهزيمة الولايات المتحدة وحلفائها البريطانيين والأوروبيين والاسرائيليين، سوف تأتي أسرع بكثير مما حصل لها في أفغانستان.

ان المهم هنا، ان تستفيد قوى المقاومة ومحور المقاومة من دروس أفغانستان ، أي عليها ان توجد تلك الغرفة المشتركة للعمليات والتصدي لكل أطراف المعسكر الذي يحاول تركيع شعوبنا وبسط الهيمنة الامريكية الاسرائيلية عليها وها هي الحكومة الاسرائيلية التي تفتح الامارات سفارة لها في تل ابيب معها، وافتتحت سفارة لها في أبو ظبي وقنصلية في دبي، ها هو بداية الحلف الذي طالب بينيت بقية الدول العربية بإتباع نفس السلوك والانضمام لحلف ايراهيم ، جواب المقاومة يجب ان يكون “كلا” والكلا هذه تبدأ بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، مقاومة مستمرة دون انقطاع ، أي اشعال الجبهات في وجه هذا العدو المحتل بالوسائل الممكنة الان وبتخطيط لرفع قدرات هذه الوسائل لتتحول تدريجياً الى مقاومة شعبية مسلحة عارمة.

لقد قال القائد حسن نصر الله ان مسؤولية منع تهويد القدس هي مسؤولية محور المقاومة ، وهذا بالفعل هو بيت القصيد، ان الشروع في ضخ جهود مشتركة لمحور المقاومة من أجل اشعال فلسطين تحت أرجل الغزاة ستكون الرمح الذي سيوجه الى صدر العدو ومن خلف هذا الرمح ستأتي جحافل أمتنا من أجل تحرير فلسطين واجتثاث هذا السرطان السام من بلادنا ، ان اجتثاث هذا السرطان السام هو ضربة الماحق الساحقة للإمبريالية الامريكية، كذلك ان ضرب وجود القوات الامريكية في المنطقة واخراجها هو ضربة ساحقة للعدو الصهيوني وكيانه.

بالأمس هاجمت القوات الاسرائيلية والمستوطنون المسلحون والمستعربون والقوات الخاصة قرية بيتا، التي ضربت مثلاً يحتذى به في مقاومة محاولات سرقة مزيد من الارض الفلسطينية لبناء المستوطنات عليها وقاومت ذلك بالحجارة ومنعت من اقامة تلك المستوطنة ، قامت قوات اسرائيل ليلة أمس باعتقال العشرات من شباب بيتا وبذهنها ان اعتقال هؤلاء سوف يخمد تلك التجربة التي دعونا كافة القرى ان تحذوا حذوها اي نتقاوم كل قرية محاولات نهب أرضها وزرع المستوطنات عليها مهما كانت وسائل المقاومة بسيطة وقد لا تتعدى الحجارة .

ان ما تتبعة الحكومة الاسرائيلية هو تنفيذ لإتفاقاتها مع واشنطن اي استخدام أقسى درجات البطش والعنف ضد كل من يحاول ان يوقف تنفيذ قرارت الحكومة الاسرائيلية بابتلاع أراضي الضفة الغربية وتحويلها الى يهودا والسامرة وتهويد القدس وابتلاع الشيخ جراح وابتلاع سلوان وجبل المكبر والعيسوية وواد الجوز، هذه الإدارة الخادعة المضللة لا تفتح فمها ازاء هذه الإجراءات لأنها إجراءات متفق عليها بين الادارة الامريكية واسرائيل وان ادعت الادارة الامريكية كذباً انها تحاول ان تمنع الاستفزاز وتمنع اضطهاد الفلسطينيين لكن الحقيقة واضحة كل الوضوح وما احتفال السفارة الامريكية في القدس بعيد أمريكا أي الرابع من يوليو الا مثلاً على ذلك، فهي تتصرف على أن القدس هي عاصمة اسرائيل وتتصرف ان أرض الضفة الغربية هي أرض اسرائيل وتمنح الأموال للحكومة الاسرائيلية رغم عدم حاجة الحكومة الاسرائيلية اليها كي تبني مزيداً من المستوطنات ،هذا هو العدو المخادع جو بايدن ينفذ على الأرض، لذلك لا طريق لمواجهة بايدن الا التصدي لبايدن لا طريق لمواجهة الولايات المتحدة الا التصدي لها وهي تحاول ان تظهر نفسها بمظهر المساعد للشعوب ، لكنها في حقيقة الامر هي الناهب للشعوب وهي الداعم لكل أنواع الاحتلالات وأخطرها الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، لا يوجد طريق أمامنا سوى وحدة صفوفنا ورص طاقاتنا واستخدامها في مواجهة متصلة ومشتعلة ومستمرة مع العدو المحتل.

* المصدر : رأي اليوم