بسام أبو شريف*

اساتذة الإعلام في بلادنا يعجزون عن رسم برنامج لرفع قيمة الإعلام المقاوم ، بحيث يرسم خط ردع جديد، يتفوق فيه على كل ما بنته الصهيونية من حواجز و سقف حديدي وحائط .

لكن القائد السيد حسن نصر الله رسم ذلك البرنامج وحدد بوضوح أهدافه وحدد بوضوح الوسائل التي يجب ان تتبع حتى يصبح إعلام المقاومة، اعلاماً يمثل الحقيقة الصادمة للعدو من ناحية والرافعة لمعنويات الشعوب المضطهدة من ناحية أخرى.

ليس هذا فحسب، بل برنامجاً اعلامياً يتمكن من اختراق ذلك السقف الاسمنتي الحديدي الذي وضعته الاجهزة الصهيونية على الاعلام المقاوم لكي لا يصل للرأي العام في البلدان الغربية ،وكي يبقى ما نسجته هي من أكاذيب وتضليل وإخفاء الحقائق هو السائد في تلك المجتمعات وبعيداً عن تأليب رأي عام عالمي مناهض للعنصرية مناهض للتطهير العرقي مناهض لكل ما تمثله اله العدوان من فاشية وعنصرية واعتداء واضطهاد للشعوب المستضعفة.

السيد حسن نصر الله قالها ببساطة قوة إعلام المقاومة تستند الى شيء واحد هو الحق والحقيقة ، فالحق والحقيقة يعطيان من يحاول ان يوصل الرأي السليم لعقول تستطيع ان تتفهم وتتمكن من حشد القوى لإسناد الضعيف ضد المضطهد .

الحقيقة هي الحق ، والحقيقة ان طرحت كما هي وبأسلوب بسيط وقادر على التسلل عبر الحواجز والحيطان والسقوف الحديدة التي وضعتها منذ عقود طويلة من الزمن الالة الجهنمية الصهيونية التي سيطرت على دور النشر ووكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية وكل ما يمس الحقيقة ووصولها الى الرأي العام في البلدان الغربية .

هذه الالة بكل اساليبها الجهنمية وكل أساليبها التضليلة وبكل أساليبها القمعية للحقيقة والحق ، استطاعت ان تتغلغل وتسيطر في مجتمعاتنا الى حد كبير ، فاصبحت مجتمعاتنا تابعة لتلك الاجهزة التي تهيمن عليها الصهيونية على سبيل المثال ، لا يصدق المواطن تصديقاً كاملاً ما تبثه بعض وكالات الأنباء العربية رغم انه الحقيقة والحق، لكنه يصدق عندما تبث نفس الخبر ونفس الحقيقة بطريقة اخرى وكالة رويترز او واشنطن بوست او نيويورك تايمز، وأكثر من ذلك ، أصبح المواطن في مجتمعنا يصدق ما يكتبه كاتب اسرائيلي ولا يصدق ما يكتبه كاتب عربي، رغم ان العربي يطرح الحقيقة والحق بينما يزورها ذلك الكاتب المعادي لشعوبنا والمعادي لحقوقنا ، والمضطهد لكل ما هو إنساني في مجتمعاتنا.

هذا هو الخط الذي دعا القائد حسن نصر الله الإعلاميين والإعلام في محور المقاومة للقفز عنه للصعود لرسم خط رادع جديد يتمكن معه اعلام محور المقاومة اي الإعلام المقاوم من الوصول للرأي العام الغربي من ناحية ولتبني المواطن العربي والمناضل العربي لما تبثه اجهزتنا المقاومة وكتابنا المقاومين وصحفيينا المقاومين من حقائق وهذا يتطلب من الجميع خطوات ثابتة لا تحيد ولا تزور ولا تكذب ولا تبالغ بل تقول الحقيقة ، لأن الحقيقة هي الحق وسيصل الحق مهما كانت السدود ومهما كانت الحدود.

وهذا يتطلب ان نترجم ما قاله القائد السيد حسن نصر الله من ان علينا ان نبتكر الوسائل التي تجعل من قدرتنا على استخدام الحقيقة قدرة هائلة وكبيرة ولافتة وجاذبة لكل من يبحث عن الحق وعن الحقيقة ، أي ان أسلوب طرح هذه الحقيقة هو الذي يجعلها قادرة على التغلغل رغم الحدود والسدود للرأي العام الغربي الذي لابد ان يتأثر وان يكتشف تدريجياً ويراكم كل هذه الحقائق وكل هذا الكشف لأكاذيب العدو، يجعل كل هذا متراكماً كمياً الى تغير نوعي في النظر لما تبثه اجهزة العدو من ناحية وما في تقييم ما تبثه اجهزتنا من ناحية اخرى .

الطريقة التي بثت بها الحقائق الصادمة للهجمة الهمجية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة لم تلقى في الغرب صدى ورد فعل محاصر للعنصرية الصهيونية و كذبها وتضليلها الا عندما أخطأ العدو بضرب مبنى واحد مجمع “برج” اسمه برج الجوهرة، وهذا البرج كان يتضمن مكتب فارغاً لوكالة الأسوشيتد برس الامريكية ، كون هذه الحقيقة هي التي وصلت للغرب ، حفزت وحشدت وجعلت من طلائع والرأي العام الواعي في الغرب، تتحرك وتحشد وتتظاهر ضد العنصرية الاسرائيلية والبطش الإسرائيلي وجرائم اسرائيل ضد الانسانية.

وأحسنت اجهزة الاعلام المقاوم باستغلال هذه النقطة و الاستفادة منها من أجل أن تكشف مزيداً من الحقائق المتعلقة بجرائم اسرائيل التي ارتكبتها ضد الأطفال وضد الأسر النائمة في بيوتها وضد المنازل وضد المستشفيات وتدمير الطرقات التي تؤدي الى المستشفيات ، كل هذا فتح له الباب التركيز على حقيقة صادمة هي ان إسرائيل دمرت برجاً يتضمن شقة مستأجرة من قبل الأسوشيتد برس الامريكية ، طارت النيويورك تايمز ان تنشر صورة ستة وستين طفلاً فلسطينياً قتلوا في اسرتهم لأن إسرائيل استهدفت منازلهم وغرف نومهم وأسرتهم وحتى العابهم وهم أطفال صغار وكتبهم ودفاترهم ، ونجحت المقاومة في تمرير كل هذا من خلال حقيقة صادمة للغرب وهي ان اسرائيل قصفت ودمرت وهدمت برجاً سكنياً تستأجر فيه وكالة أنباء أمريكياً مكتباً .

هذا المثل يعطينا دليلاً للطريق الذي يجب ان نتبعه ، لقد خضنا هذا الميدان عقوداً وسنوات طويلة ونجحنا في كسر ذلك السقف الحديدي وتربعنا فوقه واجبرت اجهزة اعلامهم المضللة على طرح ما نقول من حقائق رغم انف سياسة تلك الاجهزة القابضة على صوت الحقيقة الرافضة لنشر الحقائق او لإعلام الرأي العام بالجرائم التي ترتكبها اجهزة اسرائيل واجهزة واشنطن واجهزة كل من يدور في فلكها.

في فلسطين الآن عند كل زاوية وتحت كل حجر وفي كل قطعة أرض حقيقة صادمة لأنها تعيش في ظل اجراءات اسرائيلية تعسفية ، اقل ما يقال عنها أنها تخرق وتخترق وتضرب بعرض الحائط بكل قوانين الأرض التي تنص على حقوق الانسان وحريته وكرامته واستقلاله وأمنه وسلامه.

عند كل زاوية قصة تولد حقائق ان وصلت للرأي العام الغربي ستكون صادمة ومحركه وحاشدة لتأييد للشعوب المظلومة والمضطهدة.

عند كل زاوية وفي كل قرية وكل مخيم هنالك مصادرة للأرض وهدم البيوت وطرد للعائلات قسرياً من منازلها وهذه حقائق يندى لها الجبين ويعتبر الرأي العام العالمي مثل هذه الخطوات جرائم ضد القانون الدولي وحقوق الإنسان ولابد من وقفها وعلى الاقل لابد من التعبير عن موقف رافض لها مطالباُ بوقفها رغم كل جبروت الالة الصهيونية وسيطرتها على الاعلام.
ومن الطرق التي تجعل من هذه الحقائق الصادمة للغرب والخارقة لكل القوانين الدولية والضاربة بعرض الحائط كل المعاهدات والقانون الدولي من الوسائل التي تجعل منها فاعلة في الرأي العام الغربي هو اختراع الوسائل والسبل التي تمكن هذه الحقيقة من التسلل الى اجهزتهم المحصنة ضد وصول الحقيقة لها، وهذا يتم عبر ما استطيع اطلاق اسم “الكمين الاعلامي” عليه ، ان نصب الكمائن الاعلامية مباح ومتاح للجميع وإعلامي المقاومة مطالبين بإتقانه أكثر من غيرهم، لأن نصب هذا الكمين هو الذي يؤدي الى نتيجتين متلازمتين ، النتيجة الاولى هي كشف الكذب والتضليل، التي تمارسه أجهزة إعلام الغرب لطمس الحقائق وإخفاء جرائمها العنصرية والضاربة بعرض الحائط بكل القوانين الانسانية، وثانياً، تمكن الحقيقة من الوصول للرأي العام كما هي وتكون صادمة له ومحركة وحاشدة له كي يعبر عن نفسه اما بالتظاهر او بالمقالات او بالتصريحات او بالتحركات او بالرسائل الموجهة للمسؤولين حول الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي العنصرية الفاشية التي تبطش وتقسو وتستخدم كل الوسائل المحرمة دولياً ضد التعبير عن الرأي وضد التظاهر وضد الاعتراض على كل الجرائم التي ترتكب ضد الشعوب الرازحة تحت الاحتلال.

ولنرفع هنا انطلاقاً مما طالبنا به القائد حسن نصر الله، لنرفع شعار اتقان نصب الكمين الاعلامي، ان اتقان نصب الكمين الاعلامي هو الذي يتمكن من صهر ذلك الحديد الذي وضعوه بين الحقيقة وبين الرأي العام العالمي ، ذلك الحائط المانع بين الحقيقة والرأي العام العالمي ، ان إتقان نصب الكمائن هو الذي يدمر كذبهم ويكشفه ويكشتف كيف يخدعون الرأي العام في بلادهم سواء كانت اسرائيل او الولايات المتحدة او أوروبا وبين الحقيقة التي تقول ان الممارسات التي ترتكبها اسرائيل يوميا بدعم أمريكي يومي، هي ممارسات ضد كل القوانين التي تدافع عن حقوق الانسان وحق تقرير المصير وحق الشعوب في التعبير عن نفسها ومقاومة الاحتلال والعيش بسلام بعد طرد كل محتل لأرضهم وكل مطهر عرقي لأرضهم وكل من يهدم البيوت ويدفع العائلات للهجرة من بيوتهم التي دمرت .

طبعاً الكمين لا يمكن كميناً متقناً الا إذا استند للحقيقة وهذا هو البند الاول في إعلامنا المقاوم ، الحقيقة لا نبتعد عن الحقيقة، لا نبالغ، لا نكذب، لا نختلق، بل نقول الحقيقة كما هي، صادمة للغرب ورأيه العام، ومؤكدة للحق والحقيقة الملازمان لنضال شعبنا وأمتنا ضد من يحاول تركيعها وإبقائها قيد الأسر وقيد النهب و قيد الاستغلال.

التمسك بالحقيقة وعدم الابتعاد عنها وحسن استخدامها واختراع الوسائل اللازمة من أجل كشفها ومن أجل تمكينها من اختراق السقف والحيطان والسدود والحدود التي وضعت خلال عقود من الزمن من قبل الالة الصهيونية لمنع وصول الحقيقة للعالم أجمع.

لقد ارتكبت اسرائيل مجازر تمكنت بفضل تلك الحدود والسدود والسقف الحديدي من اخفائها زمناً طويلاً، كدير ياسين وكفر قاسم والسموع وغيرها، وكذلك التطهير العرقي الذي مورس وسجله توثيقياً العلامة وليد الخالدي في كتابه الذي نشرته جامعة هارفرد حول الخطط الجهنمية العنصرية التطهيرية التي مارسها الاسرائيليون وعصاباتهم تحت امرة بن غريون ، “From Haven to Conquest” هو كتاب وليد الخالدي الذي يثبت بالوثائق تلك السياسات الرسمية التي مورست ، سياسات التطهير العرقي وهدم القرى واحتلال الاراضي الفلسطينية ليقيموا مكانها كيبوتساتهم ومشافاتهم ودولتهم، على سبيل المثال جامعة تل ابيب اقيمت على ركام ثلاث قرى فلسطيينة هدمت بعد العام ثمانية واربعين وبعد ان هجر اهلها، اقاموا جامعة تل ابيب على اراضي تلك القرى ، اقاموا جامعة على اراض ثلاث قرى، لكن هذا زمن مختلف وعلينا ان نستخدم الحقيقة ونبثها بطرق جديدة تتمكن من التسلل نحو الرأي العام الغربي لأن التسلل ووصلها للرأي العام الغربي سوف يحولها الى سلاح في المعركة وهذه هي حجر الراحة فيما طرحه القائد حسن نصر الله ، تحويل الاعلام الصادق ، تحويل الحق والحقيقة الى سلاح قد يوازي في الميدان السلاح العسكري، ان معركتنا الإعلامية هي نصف معركتنا المنتصرة ضد العدو ان لم يكن أكثر ، ولذلك فان واجب الإعلاميين الفلسطينيين الابتكار والتفنن في رسم الكمائن وتنفيذها وتطبيقها وحشر العدو في زوايا قواعده التي تحد من نشر الحقيقة واختراق سقفه الذي رسمه عبر امتلاكه لتلك الاجهزة والقنوات الاعلامية ، واجبنا جميعاً ان نتقن ذلك حتى نحول الاعلام الى سلاح موازي لسلاح الصواريخ والفداء في أرض الميدان.

وهذه المهمة لو لم تكن مستعجلة ولو لم تكن في هذا المستوى من الاهمية لما طرحها القائد الذي أعلن بوضوح ان حماية القدس ليست مهمة فلسطينية فقط انها مهمة محور المقاومة انها مهمة محور المقاومة وهذا يعني ان حماية القدس من التهويد ومن هدم البيوت ومن طرد العائلات ومن طرد العرب منها ، حمايتها من كل هذا هي مهمة فلسطينية عربية مقاومة هي مهمة محور المقاومة والحث على رفع مستوى الإعلام الى مستوى خرق الحدود والسدود هو نوع من التحضير لتلك المعركة ويبقى ان نقول ان كلمة السر بعد هذه الجهوزية تبقى كلمة متى تبدأ المعركة.

* المصدر : رأي اليوم