حسن لافي*

اعتبرت “إسرائيل” دخول فلسطينيي الداخل العام 1948 على خطّ المواجهة خلال معركة “سيف القدس” تهديداً استراتيجياً لأساس مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين المحتلّة، في الوقت الذي اعتقدت الحركة الصهيونية أنَّها نجحت في حسم مشروعها الاستيطاني داخل فلسطين المحتلة العام 48، الّذي يعتبر الشّرط الأساسيّ له نفي الهوية القومية لفلسطينيي الداخل المحتل العام 48 وتذويبها.

ورأت هذه الحركة أيضاً أنَّ عدم انحياز فلسطينيي الـ48 إلى العرب في أيّ حرب خاضوها ضد “إسرائيل” سابقاً دليل على إدراكهم طبيعة وضعهم الحساس وخصوصيته داخل “دولة” الاحتلال، إذ كان أول دخول لفلسطينيي الداخل الـ48 على خط المواجهة مع الاحتلال في بداية انتفاضة الأقصى وما أطلق عليه أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2000، لكنها بقيت احتجاجات محصورة مكانياً وجغرافياً وزمانياً، بعكس ما حدث أثناء معركة “سيف القدس”؛ ففي الوقت الذي قصفت مدن “غوش دان” و”تل أبيب” بعشرات الصواريخ، لم تتوقف تلك المواجهات، الأمر الذي خلق فعلياً جبهة مواجهة جديدة ضد “إسرائيل”، رغم اختلاف آليات المواجهة وحساسية الجغرافيا وخطورتها، الأمر الذي عبّر عنه الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي كوبي ميخائيل في تصريحه لموقع “دفار”، بأن ما يحدث في المدن المختلطة والبلدات الفلسطينية في الداخل “أخطر من المواجهة على جبهة غزة، لأنها تحدث مع مواطني الدولة وداخل البيت، ولا يمكن الرد عليها كما يتم الرد على العدو”.

إنَّ اشتراك فلسطينيي الـ48 في المواجهة أثناء معركة “سيف القدس” أعاد تذكير من حاول أن يتناسى أنّ فلسطينيي الـ48 هم جزء من الشعب الفلسطيني، وأن قضيتهم نشأت تاريخيًا كجزء من قضية فلسطين، وأن كل سياسات الأسرلة الاستيطانية ذات الأهداف الإحلالية للهوية الوطنية لفلسطينيي الـ48 باءت بالفشل، كما باءت بالفشل محاولات المشروع الصهيوني دمجهم فيه، من خلال سياساته الاستعمارية الساعية إلى محو فلسطينيتهم، بغية إلحاقهم بكيانه كمجرد أفراد، يتحوَّلون فيه إلى أفراد يبحثون عن خلاصهم الذاتي في ظلِّ رياح النيوليبرالية التي تدفع الفرد إلى البحث عن مصلحته الشخصية فقط، بعيداً من الهوية الجماعية الفلسطينية.

يمكن القول إنَّ اشتراك فلسطينيي الداخل الـ48 في معركة القدس أثبت أنَّ هناك يأساً حقيقياً من قدرتهم على التعايش مع المشروع الصهيونيّ، الّذي يعدّ جوهره وجوب نفي الفلسطيني لإثبات أحقية الصهيوني بفلسطين، وهو ما ترجمته “إسرائيل” إلى واقع معيش، من خلال قوانينها التشريعية وسلوك مؤسّساتها الحكومية والتنفيذية تجاه كل ما هو فلسطيني، الأمر الذي توّجهه قانون القومية اليهودية في العام 2018، الذي حصر “الدولة” بالشعب اليهودي.

لذلك، شكَّلت التّظاهرات والاحتجاجات الفلسطينية في الداخل المحتل العام 48 حالة من الصدمة للمؤسَّسة السياسية الإسرائيلية، التي استشعرت فشل استراتيجية تذويب فلسطينيي الداخل كأقلية قومية ذات هوية فلسطينية جماعية، في الوقت الذي اعتبرت المؤسَّسة الإسرائيلية إعلان موافقة القائمة العربية الموحدة على دعم ائتلاف حكومي بقيادة اليمين الإسرائيلي، سواء تحت لواء نتنياهو أو نفتالي بينيت، بمثابة نجاح للحركة الصهيونية في طمس الهوية الفلسطينية الجماعية.

ورغم دخول القائمة العربية الموحّدة الائتلاف الحكومي تحت قيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بعد انتهاء معركة “سيف القدس”، فإنَّ تلك الاحتجاجات والتظاهرات أثبتت أن منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة، عبارة عن حالة معزولة خارج إطار الإجماع الوطني لفلسطينيي الداخل 48.

ما حدث دفع فلسطينيي الـ48 إلى البحث عن أدوات نضالية جديدة بعيدة عن فكرة التغيير، من خلال المشاركة في الكنيست. لذا، دعت لجنة المتابعة العربية العليا إلى إضراب شامل في المدن والبلدات الفلسطينية في 13 أيار/مايو. وقد قدّر مضر يونس، رئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربيَّة، أن أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني في “إسرائيل” شارك فيه.

هذه النسبة العالية جداً وغير المسبوقة كانت قد فاجأت السّلطات الإسرائيليّة، ناهيك بالدعوات إلى فكرة العصيان المدنيّ التي أعلنها فلسطينيو الـ48، الأمر الَّذي أعاد الحديث عن مطالب حقوقية لأقلية ذات طابع قومي وديني يُمارَس ضدها تمييزٌ عنصريّ من “دولة” تقودها أغلبية قومية دينية.

أكثر من ذلك، إنَّ الصراع بين فلسطينيي الـ48 و”إسرائيل” أثناء معركة “سيف القدس” أعاد القضية إلى مربّع النكبة والتهجير وملكية الأرض وغيرها من القضايا ذات العلاقة بصاحب الأرض الفعلي في فلسطين، وبالتالي إنه إعلان حقيقي وواضح بفشل سياسات الأسرلة والاستيطان الإسرائيلي على مدار 73 عاماً من الاحتلال، وأنَّ “إسرائيل” تحاول حتى الآن احتلال مدننا وبلداتنا الفلسطينية داخل الـ48، وأنَّها لم تحسم بعد معركة استيطانها لفلسطين.

* المصدر : الميادين نت