السياسية:

يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قررت التعامل مع الملف السوري، على الرغم من الفشل الذريع لواشنطن على مدى أكثر من عقد كامل، فهل تمتلك الولايات المتحدة أي فرصة للنجاح الآن رغم ثبات موقف روسيا الداعم لنظام بشار الأسد؟

توجد عدة مؤشرات على أن سوريا قد أصبحت بالفعل على أجندة بايدن، على الرغم من أن المئة يوم الأولى من رئاسته شهدت تركيزاً كبيراً على قضايا الداخل الأمريكي مقابل تجاهل واضح لقضايا الشرق الأوسط بشكل عام، باستثناء الاتفاق النووي الإيراني.

وكان المؤشر الأول على هذه العودة الأمريكية للملف السوري هو وجود قضية إدخال المساعدات للسوريين خارج سيطرة نظام بشار الأسد على أجندة القمة بين بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف الشهر الماضي.

كيف عادت سوريا إلى أجندة بايدن؟

كان تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية قد ألقى الضوء على الملف السوري الذي يمثل فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية لواشنطن على مدار عقد كامل، وذلك قبل قمة جنيف بين بايدن وبوتين.

وجاء في ذلك التقرير أن إدارة بايدن تستعد لمواجهةٍ مع روسيا بشأن تسليم مساعدات الأمم المتحدة لملايين السوريين الواقعين خارج سيطرة بشَّار الأسد، وهو الأمر الذي تستعد موسكو، حليفة الأسد، لمنعه في يوليو/تموز. والإشارة هنا لاجتماع الأمم المتحدة المقرر 10 يوليو/تموز الجاري بشأن اتفاق إدخال المساعدات إلى السوريين في منطقة إدلب عبر معبر “باب الهوى” على الحدود التركية.

وقبل أيام برهنت إدارة بايدن على أن الملف السوري قد أصبح بالفعل على أجندة واشنطن، إذ دعت الولايات المتحدة لعقد اجتماع حول سوريا لوزراء خارجية “مجموعة الدول السبع” و12 دولة ومنظمة إقليمية على صلة بالملف السوري، في محاولة منها لتشكيل موقف موحد داعم للحل السياسي في مواجهة الموقفين الروسي والإيراني، وموقف النظام السوري، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وسبق هذا الاجتماع عقد مؤتمر للتحالف الدولي الدولي للحرب على تنظيم “داعش” استضافته العاصمة الإيطالية روما، دعا إلى مواصلة جهود دوله لإلحاق الهزيمة الكاملة والدائمة بالتنظيم، في ظل اعتقاد التحالف الذي يضم 83 دولة ومنظمة، أن استمرار الحرب في سوريا من شأنه توفير بيئة مواتية لنشاطات التنظيم.

فبحضور 40 وزير خارجية من دول التحالف الدولي، استضافت روما مؤتمراً دولياً في 28 يونيو/حزيران الماضي لبحث مجمل القضايا المتعلقة بالحرب على “داعش” وسبل هزيمته حول العالم، والتركيز على هزيمته في سوريا والعراق باعتبارهما مركز ثقل تواجد عناصر التنظيم الذين يقدر مسؤولون أمريكيون أعدادهم بنحو عشرة آلاف مقاتل.

وفي البيان المشترك، أكدت دول التحالف على السياسات الثابتة لدوله في الوقوف إلى جانب الشعب السوري، لدعم حل سياسي دائم وفقاً لمرجعية قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، الهادف للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة.

هذه التسوية تكون، وفق القرار، على أساس تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، ووقف أي هجمات ضد المدنيين، وسماح الأطراف المعنية بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مَن هم في حاجة إليها.

قضية المساعدات الإنسانية

وأكدت الولايات المتحدة في بيان لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن على “ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى جميع السوريين المحتاجين وإعادة تفويض وتوسيع قدرة الأمم المتحدة على تقديم هذه المساعدات إلى الشعب السوري عبر الحدود”.

فقد كان الوضع في سوريا محوراً مهماً وأساسياً في اجتماعات وزراء خارجية دول التحالف الذين عقدوا بعد انتهاء مؤتمرهم، اجتماعاً وزارياً حول الأوضاع في سوريا (المؤتمر الوزاري الموسع بشأن سوريا).

وشارك في الاجتماع حول سوريا، الولايات المتحدة وإيطاليا وكندا وفرنسا وألمانيا واليونان ومصر والعراق وأيرلندا واليابان ولبنان وهولندا والنرويج وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة وممثلون عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

ودعت الدول المشاركة في الاجتماع حول سوريا إلى وقف فوري لإطلاق النار في كامل الأراضي السورية، وعدم إعاقة إدخال المساعدات الإنسانية، وتوسيع آليات عمل الأمم المتحدة عبر الحدود مع تركيا، مع عدم توفر بديل مناسب لها.

وتسعى الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تعتقد روسيا أنه يشكل تهديداً لمستقبل النظام السوري ووجوده. بينما لا تزال روسيا تتمسك بالحل السياسي عبر مسار أستانة بعيداً عن مخرجات مؤتمر جنيف أو قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وتشير هذه التطورات إلى أن الولايات المتحدة تركز حالياً على تأمين مرور المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين إليها، وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية تتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتعزيز المساءلة الجنائية لانتهاكات النظام السوري ضد المدنيين السوريين.

ماذا عن موقف روسيا؟

وسبق لبايدن أن أكد لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 يونيو/حزيران الماضي على ضرورة استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري والحفاظ على الممرات الإنسانية، وإعادة فتح المعابر المغلقة في سوريا لضمان عبور مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود دون موافقة النظام السوري، والمحصورة حالياً في معبر “باب الهوى” على الحدود مع تركيا.

لكن روسيا تصر على رفض آلية وصول المساعدات الأممية عبر معبر “باب الهوى” وحصر تسليم المساعدات عن طريق النظام السوري. إذ تعد روسيا الفاعل الأهم في الملف السوري نظراً لوجودها البحري والجوي الكبير منذ عقود، والذي تزايد بعد الثورة السورية وطلب النظام رسمياً تدخلها العسكري في 2015.

وفي إشارة واضحة إلى عدم حصول أي تقارب في وجهات النظر أو التوصل إلى تفاهمات ثنائية مشتركة بين بوتين وبايدن، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد القمة الثنائية رفض بلاده تجديد التفويض الممنوح للأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سوريا عبر المعبر الوحيد “باب الهوى” مع تركيا الذي سينتهي بحلول 10 يوليو/تموز الجاري.

ومن المنتظر أن يناقش مجلس الأمن الدولي في 10 يوليو/تموز تمديد التفويض الخاص للأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى.

وكانت أيرلندا والنرويج قد تقدمتا بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي سيناقشه في جلسته المقررة في 10 يوليو/تموز، يدعو لإعادة فتح ممرين إنسانيين إضافيين أغلقا قبل أكثر من عام بضغط روسي، أحدهما معبر باب السلامة من تركيا إلى المناطق المتضررة في الشمال السوري، والآخر من العراق عبر معبر اليعربية في محافظة الحسكة.

وفي صميم الأزمة الإنسانية في سوريا تأتي مسألة ملايين النازحين داخلياً واللاجئين في دول العالم، ومنها تركيا التي تتحمل العبء الأكبر باستضافتها نحو 3.8 مليون سوري على أراضيها وما يترتب على هذا التواجد من تبعات على الاقتصاد والقطاعات الأخرى.

وتقدر الأمم المتحدة حجم الدمار في سوريا جراء العمليات العسكرية بأكثر من 40% من البنية التحتية.

ولا يزال أكثر من 1.4 مليون نازح في محافظة إدلب يعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات الإنسانية والإغاثية الدولية المارة عبر الحدود التركية.

وتتخوف دول العالم من تفاقم الأزمة السورية واتساع رقعة الصراع المسلح إلى دول الجوار السوري وعموم منطقة الشرق الأوسط، وزيادة حدة التوترات في علاقات الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي.

ولا تزال الدول المعنية بالأزمة السورية تشدد على أن السبيل الأمثل والوحيد للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب في سوريا، هو التزام الأطراف المعنية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لضمان أمن الشعب السوري وتحقيق تطلعاته.

ويرى مراقبون أن الأزمة السورية باتت أكثر تعقيداً، بعد عشر سنوات من الحرب الداخلية وتدخلات الكثير من القوى الإقليمية والدولية مع غياب حقيقي للإرادة الدولية “الحازمة” لحل الأزمة.

ومنذ عام 2011 عقدت مؤتمرات عدة حول سوريا في جنيف وفيينا وروما وباريس وأستانة وغيرها، بالإضافة إلى تشكيل المجموعة الدولية لدعم الشعب السوري، دون التوصل إلى تسوية سياسية بين المعارضة والنظام الذي يعتقد أن الحسم العسكري هو السبيل الوحيد لنهاية الحرب.

ومن المرجح مع الموقف الروسي المتشدد المساند لوجهة نظر النظام السوري في الحسم العسكري، أن تمتد الحرب في سوريا لسنوات قادمة، مع احتمالات تجدد العمليات العسكرية في محافظة إدلب التي تعاني من زيادة ملحوظة في القصف الجوي والتحشيد العسكري على طول خطوط التماس مع فصائل المعارضة المسلحة.

عربي بوست