السياسية- تحليل : نصر القريطي

ليس سراً أن هناك خلافاً بل وصراعاً سعودياً اماراتياً لم يعد خفياً بل صار في كثير من الأحيان جوهرياً الأمر الذي يؤكد أنه لابد من الوصول إلى نقطة يحدث فيها التصادم بين النظامين سيما وقد تقاطعت المصالح الاستراتيجية للرياض وأبوظبي عند نقطة اللا التقاء.

يحاول السعوديون والإماراتيون التغطية على وجود خلافٍ جوهريٍّ بين الحليفين اللدودين لكن ما رشح الى سطح الأحداث ليس في أوبك فحسب بل في أكثر من ملف يؤكد أن صراع نفوذٍ جيوسياسيٍ اقتصاديٍ حاد قد اشتعلت نيرانه بين العاصمتين الخليجيتين ولا مجال على الإطلاق لإطفاء نيرانه أو تجاوزها كما حصل طيلة سنين العدوان السبع المنصرمة.

تصاعد الخلاف بين الحليفين انتقل لأكثر من ميدانٍ سياسي وجيوسياسي وعسكري لكن أوبك هي الحلبة التي استضافت علنية الصراع بين آل سعود وعيال زايد.

هي الحقيقة أن كلا النظامين الحاكمين في السعودية والإمارات لا يزالان مرتبطان بالحبل السري للأمريكان والصهاينة فكلاهما خرج من رحم الاستعمار ولكن صراع التمدد والنفوذ القائم على أشده منذ بداية سنوات ما عرف بالربيع العربي وضع الحليفين اللدودين أمام مواجهةٍ حتميةٍ ميادينها عدة يأتي الاقتصاد والحرب على اليمن في أعلى سلم قائمتها الرئيسية.

تقول صحيفة الـ”فاينانشال تايمز” إن خلافات الرياض وأبوظبي بدأت تظهر وبقوة على سطح الأحداث لكن النفط ليس المشكلة الوحيدة بين النظامين الحاكمين في السعودية والإمارات، مضيفة أن الحرب في اليمن والمصالحة السعودية مع قطر وصراع النفوذ في البحر الأحمر كلها أسباب زادت التوتر بين البلدين.

يضيف تحليل الصحيفة البريطانية نقلاً عن مستشارٍ إماراتيٍ سابق أن سحب الإمارات لمعظم قواتها العسكرية من اليمن جعل السعودية تشعر بتخلي أبوظبي عن تحالفها مع الرياض في مواجهة الحوثيين.

بالمقابل فإن المصالحة السعودية الفاترة مع الدوحة مثلت شوكةً في حلق محمد ابن زايد الذي يرى في قطر عدواً استراتيجياً ثابتاً لا يريد على الاطلاق اي تصالحٍ خليجيٍ معها.

وفقاً لـ”فانينشال تايمز” فإن تهديد السعودية للشركات العالمية متعددة الجنسيات بقطع العقود معها إذا لم يكن مقرها الرئيسي في المنطقة بالرياض أعتبر هجوم يستهدف الإمارات والمدينة الحرة في دبي على وجه التحديد.

هذا الصراع الذي ظل من خلف الكواليس خرج خلال اليومين الماضيين إلى العلن حينما اعترضت الإمارات على الطرح السعودي بشأن زيادة انتاج النفط في “أوبك” الأمر الذي جعل وزير الطاقة السعودية يخرج بتصريحٍ اعتبر توبيخاً مباشراً لأبوظبي لكنه لم يثني الإمارات عن موقفها المُصرِّ على عدم زيادة الانتاج وفق الاتفاق المبرم ضمن اجتماعات “أوبك بلس”.

في تصريح لقناة العربية السعودية قال وزير الطاقة السعودي أنه “‏لا يمكن لأي دولة اتخاذ مستوى إنتاجها في شهر واحد.. مضيفاً أحضر اجتماعات أوبك بلس منذ 34 عاما ولم أشهد طلبا مماثلا لما تطلبه الإمارات مشددا على انه لولا القيادة السعودية لأوبك لما تحسنت السوق النفطية”.

الانتقاد السعودي لسياسة أبوظبي الطارئة بشأن زيادة الانتاج في منظمة أوبك ليس رد الفعل الوحيد فقبل أيامٍ أعلنت الرياض إيقاف جميع الرحلات الجوية بين الرياض وأبوظبي بذريعة انتشار فيروس كورونا.. لكن محللين سياسيين واقتصاديين أكدوا أن هذا يأتي ضمن سياسة العقوبات غير المعلنة من الرياض تجاه أبوظبي والتي كان فرض عقوبات على شركات الـ”انترناشيونال” التي تتخذ من دبي مقراً لها أحد أذرعها الطويلة.

على ذات المنوال قال موقع “الخليج الجديد” إن السعودية عدلت قواعد الاستيراد من دول الخليج في تحدٍ آخر لأبوظبي.. واستبعدت الرياض السلع المنتجة في المناطق الحرة من الامتيازات الجمركية التفضيلية ما يعني فرض المزيد من الضرائب والجمارك على المنتجات القادمة من دبي في خطوة تمثل تحديا للإمارات مركز التجارة الحرة والأعمال في المنطقة.

يقول “أمير خان” الاقتصادي بالبنك الأهلي السعودي إن “الفكرة في وقت من الأوقات إقامة سوق مشتركة لمجلس التعاون الخليجي لكن يوجد إدراك الآن بأن أولويات السعودية والإمارات في غاية الاختلاف”.

في الكترونية “رأي اليوم اللندنية” التي يرأسها تحريرها تساءل الكاتب العربي “عبدالباري عطوان” هل انهار التحالف الاستراتيجي بين الرياض وأبوظبي؟..

وفي معرض رده على هذا التساؤل أكد عطوان أن الخلاف بين العاصمتين الخليجيتين قد انتقل من مربع الخلاف الى مربع الصراع، مضيفاً أن من المحتمل أن الإمارات قد تسير على نهج خصمها القطري في الانسِحاب من منظّمة أوبك وللسّبب نفسه أيّ الاحتِجاج على الهيمنة السعوديّة على المنظّمة.

وتساءل عطوان هل ستغادر قناة العربية وأخواتها مدينة دبي التي ينطلق منها بث تلك الوسائل الإعلامية السعودية؟.

في المحصلة فإن الصراع السعودي الإماراتي ليست بالجديد لكن احتدامه اليوم يمثل علامة فارقة في سماء التحالف الهش بين الرياض وأبوظبي الذي يمثل العدوان على اليمن ميدانه الأبرز.