السياسية:

طوال القرن الماضي، كان النفط سبباً دائماً لاندلاع الحروب. وخاضت الدول حروباً، أو صاغت استراتيجيتها العسكرية الحربية؛ لغزو حقول نفط أو منع الخصوم من السيطرة على هذه السلعة التي تمثل شريان حياة الاقتصاديات الصناعية والجيوش الحديثة. 

لكن ما نفع السيطرة على حقل نفط، إذا دمَّرت دولتك بأكملها في سبيل تحقيق ذلك؟ وتعلَّمت العديد من الدول درساً قاسياً عن أنَّ تكلفة الاستيلاء على النفط أعلى بكثير من قيمة شرائه الفعلية. إليكم نتائج حروب النفط في هذا التقرير، بحسب ما نشرت مجلة The National Interest الأمريكية.

1- حرب المحيط الهادئ

كان لقرار اليابان الدخول في حرب مع الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1941 أسبابٌ عديدة؛ من العسكرة اليابانية، إلى الخلافات حول السيطرة على الصين الضعيفة، إلى السؤال النهائي حول من ستكون القوة المهيمنة في المحيط الهادئ. لكن الحافز المباشر كان الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وأوروبا في أغسطس/آب 1941 على النفط، الذي حفَّزته حرب اليابان في الصين، فضلاً عن احتلالها مستعمرة الهند-الصينية الفرنسية. ولم تكن اليابان تُنتِج النفط محلياً، لكنها كانت تتمتع باقتصاد صناعي وقوتين بحرية وجوية كبيرتين ونافذتين بحاجة إلى البترول. 

وشعر القادة اليابانيون أنهم محاصرون بين خيارين: إما التراجع في مواجهة الحظر والتخلي عن طموحاتهم الإمبريالية، أو الاستفادة من غزو هتلر لأوروبا الغربية للاستيلاء على حقول النفط في جزر الهند الشرقية الهولندية وجنوب شرق آسيا البريطانية (التي استولى عليها الأوروبيون من السكان الأصليين في المقام الأول). ومع ذلك، بينما كان الأوروبيون أضعف من أن يدافعوا عن ممتلكاتهم، كان لدى الولايات المتحدة أسطول قوي في المحيط الهادئ يمكنه التدخل ما لم يتعرض للتحييد. 

بيد أنَّ تدمير الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ في بيرل هاربور لم يحل مشكلة النفط اليابانية؛ فقد كان الاستيلاء على حقول النفط الآسيوية سهلاً، لكن شحن النفط إلى اليابان لم يكن كذلك. وبحلول عام 1945، أدى حصار الغواصات الأمريكية، وكذلك التعدين الجوي للمياه اليابانية، إلى تدمير أسطول الناقلات الياباني؛ لدرجة أنَّ اليابانيين اضطروا لقطع أشجار الغابات لإنتاج خام وقود الطائرات. وكان من المفترض أن تضمن مهاجمة أمريكا تدفقاً نفطياً غير محدود إلى اليابان، لكنها أدت بدلاً من ذلك إلى تدمير الإمبراطورية اليابانية.

2- معركة ستالينغراد

إذا كان هناك زعيمٌ مهووسٌ بالنفط أكثر من غيره، فهو هتلر الذي كان يشكو من أن “جنرالاتي لا يعرفون شيئاً عن الجوانب الاقتصادية للحرب”. ولكن بعكس قائدهم الفوهرر، فقد كانوا يعرفون بما يكفي لعدم إرسال دباباتهم في حملةٍ مجنونة للحصول على النفط.

إذ فشلت محاولة الألمان لهزيمة الاتحاد السوفييتي في حملةٍ خاطفة واحدة صيف عام 1941. وبحلول يونيو/حزيران عام 1942، كانت الجيوش الألمانية المنهكة قويةً بما يكفي لشن هجماتها على قطاعٍ واحد فقط من الجبهة الروسية الممتدة. وركّز هتلر أفضل فرق جيشه على جنوب روسيا، من أجل السيطرة على حقول النفط الكبيرة في القوقاز. ورغم أنّ “العملية الزرقاء” مضت على ما يرام وكادت تصل إلى ستالينغراد بحلول أغسطس/آب، لكن الألمان سرعان ما وجدوا أنفسهم أمام معضلة: حشد قواتهم والاتجاه جنوباً للسيطرة على النفط، أم مواصلة الزحف غرباً للاستيلاء على ستالينغراد حتى تكون حصناً في مواجهة القوات السوفييتية التي تحتشد في الداخل الروسي.

وكما هو متوقع، حاول هتلر الفوز بكل شيء. فانقسمت الجيوش الألمانية، وتقدم نصفها في اتجاه القوقاز، بينما زحف النصف الآخر نحو ستالينغراد. وكاد كل نصفٍ يحرز النصر على جبهته، لكن كلاً منهما لم يمتلك ما يكفي من القوات والمعدات لإنجاز مهمته. 

وعجز النازيون عن السيطرة على مراكز النفط في غروزني وباكو، لكنهم تفاخروا بتنصيب علمهم فوق جبل إلبروس- أعلى جبال القوقاز. وفي الوقت ذاته شمالاً، حشد السوفييت قواتهم في هدوء من أجل هجومٍ مضاد على ستالينغراد. وفي غضون ستة أشهر، أتت حملة الألمان على القوقاز بنتائج عكسية تماماً، بينما استسلم أكثر من 100 ألف ألماني في ستالينغراد، مما مثّل نقطة تحول في مسار الحرب العالمية الثانية. وانتهت أحلام النفط بالتزامن مع تحطم حلم هتلر الحديدي.

3- حرب ناقلات النفط الإيرانية-العراقية

استمرت الحرب الإيرانية العراقية، أو حرب الخليج الأولى، لثماني سنوات، منذ عام 1980 وحتى عام 1988، لتجر معها البلدين إلى الأسفل. ولشعورهما بالإحباط نتيجة الوضع الجامد على الأرض، سعى الجانبان إلى قصف الأهداف النفطية للعدو. 

وبدأت العراق حرب ناقلات النفط عام 1984 بقصف المنشآت النفطية الإيرانية والسفن التي تتعامل مع إيران. فردت إيران بهجمات جوية وبحرية ضد السفن والمواقع النفطية العراقية، كما زرعت الألغام البحرية في الخليج. 

ورغم الهجمات التي أصابت نحو 450 سفينة، لكن عجزت كلٌّ من إيران والعراق عن تدمير بعضهما البعض أو إجبار الطرف الآخر على الاستسلام. ومع ذلك، كانت لحرب الناقلات نتيجةٌ كبرى واحدة: إذ دفعت بالولايات المتحدة إلى الدخول في أعمال عدائية مباشرة مع إيران بعد بدء سفن الحرب الأمريكية في مرافقة حركة المرور التجارية داخل الخليج العربي. وبعد أن ألحقت الألغام والصواريخ الإيرانية الأضرار بحركة المرور المدنية ومدمرة أمريكية، قامت سفن الحرب والطائرات ووحدات الكوماندوز الأمريكية بتدمير السفن والمنشآت البحرية الإيرانية.

4- الغزو العراقي للكويت

في عام 1991، غزا العراق أراضي الكويت المجاورة بسبب الخلافات حول ديون الحرب العراقية، وفائض الإنتاج النفطي الكويتي، والمزاعم العراقية بأنّ الكويت كانت جزءاً أصيلاً من العراق، إلى جانب رغبةٍ محتملة في السيطرة على احتياطيات النفط الكويتي. ولم يواجه الجيش العراقي صعوبةً كبيرة في التخلص من خصمه، لكن الغزو سرعان ما وضعه في صراعٍ مع الولايات المتحدة- التي كانت تدعم العراق في الواقع خلال الحرب الإيرانية-العراقية. 

ورغم توجيه الأمم المتحدة إنذاراً أخيراً للعراق بالانسحاب من الكويت، لكن صدام حسين رفض التراجع. وكانت النتيجة هي وصول 500 ألف جندي أمريكي في السعودية، وحرب “عاصفة الصحراء” الخاطفة بقيادةٍ أمريكية، وتدمير القوة العسكرية العراقية. وكانت العراق قبل هذه الحرب واحدةً من القوى الكبرى في العالم العربي، لكن سعي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وراء النفط تركها معزولة.

5- الحروب الأمريكية في العراق

ستظل حقيقة كون الحروب الأمريكية في العراق عامي 1991 و2003 مرتبطةً بالنفط مسألةً أساسية تُناقش لسنوات؛ إذ رغم ادعاء واشنطن وجود أسباب أخرى للتدخل العسكري الكبير في الخليج والزعم بوجود “أسلحة دمار شامل” لدى صدام حسين- وهو أمر كاذب بالمطلق- فمن الصعب تصديق أن أمريكا ستنشر نصف مليون جندي في حال غزو نيجيريا للكاميرون مثلاً. 

لكن وجود القوات الأمريكية في السعودية ساعد على تحفيز صعود أسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة، وهجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول بنهاية المطاف. وسيظل دافعو الضرائب الأمريكيون يسددون الفاتورة الكاملة لغزو الولايات المتحدة للأراضي العراقية عام 2003 لعقودٍ طويلة. وبالنسبة للزعماء الأمريكيين، وغيرهم على مرّ التاريخ، فقد ثبت أنّ ثمن النفط الحقيقي أعلى بكثير مما تخيلوه عندما قرروا شن هذه الحروب المدمرة.

عربي بوست