“ميدل إيست آي”: “محور المقاومة” هو المؤهل لملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي
يرى الديبلوماسي الإيطالي السابق أن الكيان الأفضل لملء فراغ السلطة في المنطقة هو "محور المقاومة" بقيادة إيران.
السياسية :
كتب الدبلوماسي الإيطالي السابق ماركو كارنيلوس مقالة في موقع “ميدل إيست آي” البريطانيا قال فيها إن الشرق الأوسط كان دوماً يدعي بفخر أنه يمتلك ثقافته الخاصة، وقبل كل شيء، أنه لديه مقاومة ما لما يسمّى بالحداثة الغربية. لكن العقدين الماضيين، كانا كارثيين، ويمكن للعقدين المقبلين أن يكونوا أكثر إثارة للقلق.
وأوضح الكاتب سبب ذلك بأنه يلوح في الأفق فراغ في السلطة، خاصة وسط إشارات متعددة لفك الولايات المتحدة الأميركية ارتباطها السياسي والعسكري بالمنطقة. فباستثناء “إسرائيل”، ليس من المؤكد أن شركاء واشنطن المحليين الآخرين سيكونون قادرين على التكيّف مع البيئة الاستراتيجية الجديدة.
في صيف عام 2000، اعتقدت إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون للحظة أنه يمكن تربيع دائرة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني التاريخي، كي تكتشف، بعد أشهر فقط، أن هذا لم يكن مطروحاً على الورق. فقد خلص الأميركيون والإسرائيليون أنذاك إلى أنه، بغض النظر عن مدى فعالية استراتيجياتهم التسويقية، لا يمكن بيع “البانتوستان” للفلسطينيين كدولة طالبوا بها وسعى لعقود من الزمان لتحقيق حقهم غير المشكوك فيه في تقرير المصير. منذ ذلك الحين، أصبحت عملية السلام المزعومة، بقيادة الولايات المتحدة، استراتيجية علاقات عامة دولية لإدارة الصراع. لقد منحت هذه العملية نفساً ووقتاً لقيام “إسرائيل” بضم زاحف لبقية فلسطين التاريخية التي لم تخضع بعد لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف كارنيلوس: حاولت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب – بصراحة أكثر، أو أقل نفاقاً – حل المشكلة بالانحياز صراحة إلى “إسرائيل”، بهدف فرض “حل البانتوستان” تحت اسم مختلف: اتفاقات أبراهام. ولتحقيق النجاح، تطلبت الصيغة الانضمام الرسمي لبعض الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، في حين أن بعض الدول العربية أقامت بسرعة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، فإن غياب الرياض ترك هالة من عدم اليقين حول المشروع الطموح.
هبة القدس
وأشار الكاتب إلى أن الصراع الأخير في شوارع القدس، وداخل التجمعات السكانية الفلسطينية في الكيان الإسرائيلي، ومع قطاع غزة، قد يكون قد دفن جدوى مثل هذا “الحل”. لكنه بالطبع، أظهر أن القضية الفلسطينية لا تزال حية وتنطلق. فـ”إسرائيل” اليوم في وضع متناقض لكونها أقوى قوة عسكرية وتكنولوجية إقليمية، لكنها تواجه إطاراً سياسياً شديد الاستقطاب وجبهة داخلية متداعية إلى حد ما. فمن أجل الإطاحة برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو أخيراً، قام السياسيون الإسرائيليون بتجميع أكثر تحالف غير متجانس في تاريخ الكيان. كان على رئيس الوزراء الأكثر تطرفاً، نفتالي بينيت، الاعتماد على دعم حزب فلسطيني ذي جذور إسلامية من أجل الفوز بالسلطة بفارق ضئيل.
واعتبر الدبلوماسي الإيطالي أنه في المقابل، فإن الفلسطينيين غارقون بين قيادة رسمية غير فعالة في رام الله، هي السلطة الفلسطينية، وقيادة شعبية ولكنها مصنفة “إرهابية” في غزة، هي حركة حماس. وقال إنه بعد 11 أيلول / سبتمبر 2001، تغير المحرك السياسي الغربي الرئيسي للمنطقة، إذ هدفت “الحرب على الإرهاب” بقيادة الولايات المتحدة إلى فرض “السلام الطويل المدى” الأميركي في المنطقة لمرة واحدة وأخيرة، مع التركيز على لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن.
لكن بعد عقدين من الزمن، هذه الاستراتيجية تنهار. إذ تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان من دون تحقيق أي شيء مهم، وبعد إنفاق تريليونات الدولارات في العراق، طلب البرلمان العراقي من الولايات المتحدة المغادرة. لا يزال جيب صغير في شرق سوريا تحت سيطرة الولايات المتحدة، لكن جميع الأجزاء “المفيدة” من البلاد أصبحت مرة أخرى تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد.
ورأى الكاتب “أن فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة، سواء كان حقيقياً أو متصوراً، ينشر القلق، مع إحساس بفراغ القوة الذي سيأتي والذي يجب ملؤه. حتى الآن، يبدو أن الكيان الوحيد المنظم والمصمم على القيام بذلك هو “محور المقاومة”: إيران وحلفاؤها الإقليميون، بما في ذلك سوريا وحزب الله اللبناني والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق”.
منذ ثورة 1979، كانت إيران الخصم الرئيسي للحداثة الغربية، وعلى وجه الخصوص الهيمنة الأميركية في المنطقة. لطالما كانت طموحات طهران النووية وأنشطتها الإقليمية مصدر قلق دائم لواشنطن وحلفائها الإقليميين، العرب والإسرائيليين.
وقد تم إلغاء الهدنة المؤقتة والجزئية، الاتفاق النووي لعام 2015، بسرعة من المعادلة الاستراتيجية في عام 2018. ولم تحقق حملة العقوبات الأميركية الشديدة، استراتيجية “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب، أهدافها المعلنة حيث أن إيران لم تغيّر لا نظامها ولا سلوكها.
وقال الكاتب إنه بينما تحاول إدارة أميركية أخرى الآن الانضمام إلى الاتفاق النووي، على أمل تحسين بعض بنوده، فإن إيران – مع انتخاب إبراهيم رئيسي كرئيس مقبل للبلاد – تخضع بشدة لسيطرة المحافظين، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى إبرام اتفاق مع المنافسين الأميركيين والإقليميين. وفي حين أن اللواء قاسم سليماني قد اغتيل، إلا أن خطته الرئيسية الإقليمية لم تتم الإطاحة بها.
وقال الكاتب إن تركيا تعيد اكتشاف ماضيها العثماني، وإلى جانب صلاتها بجماعة الإخوان المسلمين، لا يزال يُنظر إليها على أنها تهديد وجودي للعديد من العائلات العربية الحاكمة.
وأضاف: كانت سياسة روسيا أكثر ذكاءً وفاعلية، حيث اعتمدت على الدبلوماسية التي تعززها القوة العسكرية، على عكس نهج واشنطن، الذي استخدم الدبلوماسية فقط لتبرير استخدام القوة العسكرية. احتفظت موسكو بموقفها في سوريا، وحصلت على نفوذ مهم في ليبيا، وحافظت على علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإقليميين. فقبل عقدين من الزمن، كانت روسيا بالكاد ذات صلة بالمنطقة. الآن هي لاعب، تحمل بطاقات رديئة، ولكن يمكنها استخدامها بشكل أكثر فاعلية من غيرها.
أما الصين، فهي كالعادة تقترب من المنطقة بطريقة براغماتية وليس أيديولوجية. وتطمح للاستفادة من فراغ السلطة لبناء بسلاسة الجزء الجنوبي من “مبادرة الحزام والطريق” الطموحة، والتي تهدف إلى إنشاء أكبر كتلة اقتصادية وتجارية في العالم خارج السيطرة السياسية والمالية الأميركية.
ضغوط تلوح في الأفق
وقال الكاتب: بينما يبدو أن الولايات المتحدة منخرطة في تحدي كل من الصين وروسيا بسذاجة، فإن أوروبا، كعادتها، ممزقة بسبب معضلة كيفية التمركز. قد ينزلق الشرق الأوسط إلى مزيد من الفوضى، حيث يمثل فيروس كورونا والضغوط البيئية والهجرة عدداً قليلاً من التحديات التي تنتظر الأوروبيين.
وأضاف: لقد أخفقت مجموعة الدول السبع، التي نصبت نفسها بنفسها في تمكين “النظام العالمي القائم على القواعد” المحددة بشكل غامض، في إظهار القيادة اللازمة، والتي لا تتطلب القوة فحسب، بل تتطلب كذلك الصدق الفكري والنقد الذاتي. لا يحدد بيانها الأخير أي رؤية ملهمة للشرق الأوسط، وقد فشلت في معالجة القنابل التي انفجرت بالفعل (بين “إسرائيل” وفلسطين) أو التي قد تنفجر (الانهيار الوشيك للبنان).
وختم بالقول: كان الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين من هيمنة الأحادية الأميركية في حالة من الفوضى. فهل يمكن أن يكون أسوأ من دونها؟ هذا مشكوك فيه، ولكن سيكون من الأفضل ربط أحزمة الأمان على أي حال.
*ماركو كارنيلوس دبلوماسي إيطالي سابق. تم تكليفه بالعمل في الصومال وأستراليا والأمم المتحدة. وقد عمل في فريق السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين بين عامي 1995 و2011. وشغل أخيراً منصب مبعوث الحكومة الإيطالية الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط إلى سوريا، وحتى تشرين الثاني / نوفمبر 2017، سفيراً لإيطاليا في العراق.
* المصدر : الميادين نت-هيثم مزاحم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع